قتل النساء في إيران: جريمة عائلية أم استراتيجية حكومية؟

في الأيام الأولى من شهر فبراير/ شباط، راح ما لا يقل عن سبع نساء في إيران ضحايا لجرائم قتل الإناث. قانون يمنح الحصانة للقتلة، وحكومة تشجع العنف، ونساء غيرن أنماط حياتهن، كل هذا أدّى إلى تحول جرائم قتل النساء من مأساة عائلية إلى قضية سياسية.
إن جرائم قتل النساء في إيران لا تنتج فقط عن الأحكام المسبقة الأسرية أو الثقافة التقليدية. غالباً ما تحدث جرائم الشرف استجابة لسلوكيات تشير إلى تغير دور المرأة في المجتمع: الرغبة في الاستقلال، ورفض الزيجات القسرية، واختيار شريك الحياة، والتواجد في الفضاء العام، وحتى تقرير ما ترتديه.
لقد هددت هذه التغيرات، التي تسارعت وتيرة حدوثها في السنوات الأخيرة بسبب وعي المرأة، البنى الأبوية وأجبرت الحكومة على الرد.
ويمكن النظر إلى هذه الجرائم على أنها جزء من سياسة القمع الحكومية التي، إلى جانب القوانين الأبوية، تجعل الفضاء العام غير آمن بالنسبة إلى النساء، وتشجع المجتمع على السيطرة عليهن وحتى على قتلهم.
تسهيل قتل الإناث
من أهم العوامل في استمرار جرائم الشرف الدعم القانوني الذي تقدمه الحكومة لمرتكبي هذه الجرائم وعدم وجود قوانين رادعة. يعلم القتلة أن القانون إلى جانبهم وأنهم، في أسوأ الحالات، سيواجهون عقوبة خفيفة.
كان والد رومينا أشرفي، الفتاة البالغة من العمر 14 عاماً، والتي تم قطع رأسها في عام 2020، مدركاً تماماً لهذه الحصانة. قبل شهر من الجريمة، وبعد اتصاله بصهره الذي كان محامياً، علم أن الأب هو الوصي على ابنته و”لن يكون هناك أي عقاب”.
وقال بعد اعتقاله دون أسف إنه كان يعلم أنه لن يواجه عقوبة شديدة فحسب، بل إن العديد من حوله سوف يُعجبون به.
ويأتي هذا الوعي بالحصانة القانونية نتيجة لسياسات الجمهورية الإسلامية ضد جرائم الشرف. إن القوانين مثل المادة 630 من قانون العقوبات الإسلامي التي تسمح للرجل بقتل زوجته للاشتباه في خيانتها، والمادة 220 التي تعفي الأب من القصاص لقتله طفله، والافتقار إلى قانون شامل لحماية المرأة من العنف الأسري، ترسل رسالة إلى القتلة مفادها أن قتل الإناث ليس جريمة خطيرة فحسب، بل هو أيضاً عمل مشروع للدفاع عن “شرف الرجال”.
قتل النساء أداة للسيطرة الاجتماعية
إن جرائم الشرف ليست مجرد أداة تستخدمها الأسرة “للحفاظ على الشرف”، بل هي جزء من سياسة حكومية أوسع لمنع التغيير الاجتماعي.
خلال العقدين الأخيرين، زاد حضور المرأة في المجتمع وانتشرت مطالبها بالمساواة والحرية على نطاق واسع. وترى الجمهورية الإسلامية في هذه التغييرات تهديداً لسلطتها، لذلك ركزت على استهدفت النساء على المستويين العام والخاص.
ففي المجال العام، تقمع الحكومة النساء وتحاول تهميشهن من خلال فرض الحجاب الإلزامي، ومنعهن من دخول أماكن عامة معينة، وفرض قيود على توظيفهن.
ويتم تسهيل العنف ضد المرأة أيضاً في المجال الخاص، فالدعم القانوني لجرائم الشرف، والفشل في تمرير القوانين الوقائية، وتعزيز ثقافة الشرف، كلها عوامل جعلت النساء يشعرن بعدم الأمان حتى في منازلهن.
ومن خلال هذه السياسات، تحاول الجمهورية الإسلامية تحويل المرأة إلى كائن سلبي معتقل في المنزل، وتحويل الرجل إلى أداة للقمع، وبالتالي تكليفه بتنفيذ جزء من برنامجها للسيطرة على المرأة. ولم تؤد هذه الاستراتيجية إلى تطبيع العنف ضد النساء فحسب، بل جعلت الفضاء العام غير آمن بالنسبة إليهن أيضاً.
قتلة الشرف: منفذون غير رسميين للقمع الديني الحكومي
لقد استُخدمت جرائم الشرف أيضاً كأداة للقمع الديني.
وقال سعيد هانائي، القاتل المتسلسل الذي أجهز على 16 عاملة جنس في مشهد من أغسطس/ آب 2000 إلى أغسطس/ آب 2002: “عندما يسألونني ما هي جريمتي، أقول إنها عمل ضد نساء الشوارع، وهي [في نظري] ليست جريمة مثل العمل ضد الأمن القومي”.
كان القاتل يعتقد أنه يقوم بواجب ديني. بعد اعتقال والده، أعلن ابنه أن الناس دعموا عمله وأنه سيستمر على هذا الطريق.
ومن الأمثلة الشهيرة على جرائم الشرف التي تهدف إلى “تطهير المجتمع” جرائم القتل المتسلسلة في كرمان في عام 2002، والتي ارتكبتها مجموعة من الشباب المتدينين بدوافع مماثلة لدوافع سعيد هانائي.
في هذه القضية، أقدم ستة شبان تتراوح أعمارهم ما بين 19 و22 عاماً على قتل عدد من الرجال والنساء في مدينة كرمان؛ لأنهم “فاسدون” وفقاً لروايتهم. كانوا يعتقدون أن قتل هؤلاء الأشخاص سوف “يطهر” المجتمع، واعتبروا أنفسهم مسؤولين عن فرض “الحدود الدينية”.
وقال أحد أعضاء هذه المجموعة أثناء التحقيقات: “بفعلنا هذا قدمنا خدمة كبيرة للمجتمع. لقد دمّر هؤلاء الأشخاص الأمن الأخلاقي للمدينة، ولم يجرؤ أحد على إيقافهم. لقد كان علينا أن نتخذ الإجراءات بأنفسنا”.
وتظهر هذه الأمثلة أن قتل النساء ليس قضية شخصية أو عائلية، بل هو جريمة دولة. لكن المجتمع الإيراني لم يعد مستعداً لقبول هذا الوضع. إن الاحتجاجات ضد جرائم الشرف، والمطالبات بتغيير القوانين، ومقاومة المرأة للقمع، كلها علامات على التغيير الحتمي.
لذلك ليس مفاجئاً أنه بعد انتفاضة “المرأة، الحياة، الحرية”، وعلى الرغم من أن عدد جرائم القتل التي تستهدف النساء قد زاد، فإن رد فعل المجتمع ومستوى المعارضة لها قد زاد أيضاً.
الكاتب: نعيمة دوستدار
