فيينا: نقطة انطلاق لأنشطة إيران السرية في أوروبا

كشف تحقيق صحفي نمساوي أن محامياً إيرانياً وشركة نمساوية ساعدا مسؤولين في إيران على التحايل على العقوبات وتسهيل سفرهم إلى أوروبا.
وذكرت صحيفة “دير ستاندرد” أن رامين ميرفخرائي وشركة بلو ريفر القابضة عملا كوسطاء للجمهورية الإسلامية، وساعدا على تأمين الموافقة على تأشيرات المسؤولين، وتطوير نظام دفع بين أوروبا وإيران، وتسهيل صادرات السيارات الفاخرة، وربط شركات إيرانية مع شركات أوروبية.
وسلط التقرير الضوء على دور فيينا بوصفها القاعدة العملياتية الأوروبية المفضلة لإيران – وهي العلاقة التي مكنت طهران في السابق من تنفيذ مؤامرات اغتيال وأنشطة إرهابية وجهود تهرب من العقوبات.
وهذه ليست المرة الأولى التي تُستخدم فيها فيينا كنقطة انطلاق لأنشطة النظام الإيراني.
من اغتيال الناشط الكردي عبد الرحمن قاسملو عام 1989 إلى محاولة الدبلوماسي أسد الله أسدي تهريب المتفجرات، استخدمت إيران فيينا مراراً لتعزيز مصالحها في أوربا وللتهرب من العقوبات الأمريكية.
وتحدثت “إيران واير” مع حسن نايب هاشم، وهو طبيب وناشط بارز في مجال حقوق الإنسان في فيينا، وكامران قادري، وهو مواطن إيراني نمساوي ورهينة سابق لدى الجمهورية الإسلامية.
وقال دبلوماسي أوروبي لـ”إيران واير” بشأن المخطط الإرهابي للجمهورية الإسلامية: “لم نكن نعتقد أبداً أنهم سينقلون قنبلة على متن طائرة ركاب”.
أسد الله أسدي، الدبلوماسي الإيراني في النمسا، وضع مواد متفجرة في حقائبه أكثر من مرة أثناء رحلاته من طهران إلى فيينا.
وباستخدام جواز سفره الدبلوماسي، الذي سمح له بدخول النمسا دون تفتيش، حاول تنفيذ خطة إيران لقصف مقر منظمة مجاهدي خلق.
وقال مسؤول أوروبي إن “أجهزة الأمن النمساوية راقبت أسدي عن كثب. وفي مايو/ أيار 2018، قام فجأة برحلات متعددة إلى طهران.
“استنفرت أجهزة مكافحة الإرهاب النمساوية جهودها بعد تلقي معلومات تفيد بأن أسدي يخطط لحمل قنبلة في حقيبته لدى عودته من طهران إلى فيينا على متن رحلة الخطوط الجوية النمساوية رقم 872 في يونيو/ حزيران”.
قامت هيئة مكافحة الإرهاب بتفعيل الكود 43 على جهاز الكمبيوتر الخاص بمراقبة الحدود، حيث لم يتدخل الضباط حتى عندما حددت أجهزة الكشف عن المتفجرات المتطورة القنبلة التي كان أسدي يحملها أثناء مروره عبر بوابات الأمن.
ربما تكون هذه القضية، إلى جانب قضية اغتيال قاسملو، واحدة من أكثر ملفات الجمهورية الإسلامية شهرة، ولكنها لم تكن محاولتها الأخيرة للتسلل إلى أوروبا عبر النمسا.
وقال حسن نايب هاشم إن هذه المحاولات لها خلفيات تاريخية: “عندما انتهت الحرب العالمية الثانية، وبدأت الحرب الباردة، واحتُلت النمسا من قبل الحلفاء.
“أعلنت النمسا حيادها، وأصبحت فيينا مركزاً للتجسس الشرقي والغربي. ومنذ ذلك الحين، حافظت الحكومات النمساوية تاريخياً على نهج محدود تجاه أنشطة مكافحة التجسس والاستخبارات المضادة.
“لهذا السبب، تشعر أجهزة الاستخبارات الأجنبية بأمان أكبر في هذا البلد، والجمهورية الإسلامية ليست استثناء.
تم القبض على رجل الأعمال الإيراني النمساوي كامران قادري في مطار طهران الدولي في عام 2016 بتهمة “العمل ضد الأمن القومي” و”التعاون مع حكومة معادية”.
اعتبرت الحكومات الأوروبية ونشطاء حقوق الإنسان احتجاز قادري مثالاً على ممارسات احتجاز الرهائن في الجمهورية الإسلامية. وأعلنت الحكومة النمساوية رسمياً إطلاق سراحه من سجن إيفين في 2 يونيو/ حزيران 2023.
وقال قادري، الذي يمارس الآن أنشطة سياسية وحقوقية في فيينا، لـ”إيران واير”: “أولاً، يجب أن أقول إننا نعيش في بلد حر يتمتع بنظام قضائي مستقل.
“حتى تصدر المحكمة حكمها بناء على الوثائق والأدلة والشهادات، يتعين علينا التعامل بحذر مع التقارير المنشورة في وسائل الإعلام أو حتى الشائعات التي نسمعها في المدينة.
“على عكس ما أصبح شائعاً في الجمهورية الإسلامية – إصدار الأحكام والاعتقالات دون فحص قانوني – هنا في النمسا، يجب علينا أن نأخذ سمعة الناس في الاعتبار”.
ويتحدث قادري بحذر عن التقرير الذي نشرته صحيفة “دير ستاندرد” النمساوية وعن احتمال تعاون رامين ميرفخرائي مع الحكومة الإيرانية.
قال: “المسألة لا تقتصر على النمسا فحسب. ألم نسمع تقارير عن تأثير جماعات ضغط تابعة للجمهورية الإسلامية على السياسيين الأمريكيين في السنوات الأخيرة؟ حتى أننا شهدنا إقالة مسؤول أمريكي رفيع المستوى في إدارة بايدن كان مسؤولاً عن ملف إيران. والآن، طُرح اسم السيد ميرفخرائي. أفضل الانتظار حتى تتضح جوانب هذه المسألة”.
ويعتقد قادري أن الجمهورية الإسلامية تسعى إلى تحقيق عدة أهداف رئيسة من خلال مشروعها لاختراق الغرب.
وقال إن “القضية الأكثر أهمية بالنسبة إلى الحكومة الإيرانية هي غسل الأموال – إيجاد طرائق لتمويل المنظمات الإرهابية خارج البلاد، في ظل العقوبات الأوروبية والأمريكية”.
أما القضية الثانية، فهي “تنظيم برامج الاستخبارات والأمن” من خلال جمع المعلومات من المواطنين الإيرانيين والأوروبيين المقيمين خارج إيران.
وأضاف أن “استيراد المعدات والسلع المحظورة إلى إيران، مثل المعدات العسكرية والأدوات اللازمة لإنتاج الطائرات من دون طيار، فضلاً عن الضغط على السياسيين الغربيين، من بين برامج الجمهورية الإسلامية الأخرى”.
“تحاول الحكومة الإيرانية، من خلال إنفاق مبالغ طائلة، إقناع السياسيين الغربيين بأنه إذا لم يكونوا أصدقاء للجمهورية الإسلامية، فلا ينبغي لهم أن يكونوا أعداءها في قضايا حقوق الإنسان. عليهم اتخاذ موقف محايد”.
ويرى قادري أيضاً أن الانقسامات بين المعارضة خارج البلاد هي نتاج للاختراق، قائلاً: “هذه الانقسامات أو التصدعات المتعددة التي تراها خارج البلاد هي إحدى العلامات القوية على وجود أشخاص يؤيدون سياسات الحكومة”.
ويشير إلى جهود الجمهورية الإسلامية في نشر “الثقافة الشيعية” أو ما تسميه الحكومة الإيرانية “التنمية الدينية”، قائلاً: “نحن نتعامل مع حكومة دينية تؤمن بأنه كلما عملت على تنمية الثقافة الشيعية في أوروبا وأمريكا اقتربت من أهدافها”.
ويرى حسن نايب هاشم أن ما يمنح الجمهورية الإسلامية القدرة على التسلل إلى الشركات النمساوية أو المواطنين الإيرانيين النمساويين هو القوانين الحالية في البلاد ووجود بعض الفساد في الأحزاب السياسية.
وذكرت صحيفة “دير ستاندرد” في تقريرها أن رامين ميرفخرائي قال رداً على أسئلتها حول علاقاته بالجمهورية الإسلامية: “أؤكد لكم أنني لم أشارك في أي تعاملات غير قانونية أو غير أخلاقية. كما إنني لم أعد الممثل القانوني لشركة بلو ريفر”.
وعلى الرغم من هذا الرد، كتبت الصحيفة في السطر الأخير من تقريرها: “تُظهر الوثائق الموجودة أن اسم رامين ميرفخرائي يقف وراء التعاملات مع الجمهورية الإسلامية”.
المصدر: إيران واير
https://iranwire.com/en/features/139870-vienna-irans-european-launchpad-for-covert-activities/
