فهم التعاون بين تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية والحوثيين: براجماتية محلية أم مزيد من التوافق بين القاعدة وإيران؟

كرر أحدث تقرير صادر عن فريق الدعم التحليلي والرصد التابع للأمم المتحدة مزاعم مفادها أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية يتعاون مع المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن. فهل يكون هذا التعاون نتيجة للديناميكيات المحلية للصراع اليمني، أم إنه يعكس تسوية أوسع نطاقاً بين تنظيم القاعدة وإيران؟
تشير تقارير حديثة للأمم المتحدة إلى أن المتمردين الحوثيين في اليمن وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية يتعاونان بطرائق يفضل كل منهما أن تكون سرية. ففي 6 فبراير/ شباط 2025، ذكر فريق الدعم التحليلي والرصد أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لديه “اتفاق عملي مع الحوثيين استمر على مدى السنوات الثلاث الماضية، والذي وُصف بأنه “انتهازي”، وأن “الاتفاق تضمن عدم الاعتداء المتبادل وتبادل الأسرى ونقل الأسلحة”.
وعلى نحو مماثل، في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أعرب فريق خبراء الأمم المتحدة في اليمن عن مخاوفه بشأن “تحالف انتهازي” بين المتمردين الحوثيين وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية “يتسم بالتعاون في مجال الأمن والاستخبارات، وتوفير ملاذات آمنة لأعضاء كل منهما، وتعزيز معاقلهما، وتنسيق الجهود لاستهداف قوات الحكومة”. كما أفاد الفريق بوجود اتفاق “على أن ينقل الحوثيون أربع طائرات من دون طيار، بالإضافة إلى صواريخ حرارية وأجهزة متفجرة، وأن يوفر الحوثيون التدريب لمقاتلي القاعدة في شبه الجزيرة العربية”، وأنهم “ناقشوا الدعم المحتمل من جانب القاعدة في شبه الجزيرة العربية في الهجمات ضد الأهداف البحرية”.
في حين أن مزاعم التعاون بين تنظيم القاعدة والحوثيين ليست جديدة، فإن التقارير الأخيرة تضيف تفاصيل مهمة. ومع ذلك، لم يصاحب مثل هذه المزاعم أي تقارب خطابي واضح بين المجموعتين؛ إذ أصدر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بياناً يندد بالحوثيين في أواخر يناير/ كانون الثاني.
فكيف، إذاً، يمكننا فهم هذه الادعاءات في ظل عقود من العداء بين الحركات السلفية الجهادية مثل القاعدة والمتشددين الإسلاميين الشيعة مثل الحوثيين؟
أحد الاحتمالات هو أن هذا التعاون يعكس الديناميكيات المحلية في اليمن وخصوصيات تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بدلاً من أن يكون له أهمية على نطاق أوسع. لطالما زعم العديد من العلماء أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ليس كياناً متجانساً. على سبيل المثال، لاحظت إليزابيث كيندال في عام 2021 أن تعريف “من أو ما يشكل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أصبح أكثر تحدّياً اليوم مما كان عليه قبل عقد من الزمان. فمع تفكك الحرب الأهلية الدولية في اليمن، ظهرت فصائل مختلفة من التنظيم، بعضها ليس أكثر من عصابات مرتزقة”.
وهذا يثير احتمال أن تكون التقارير تشير إلى تعاون براجماتي مع الحوثيين من جانب فصيل أو أكثر يعمل تحت لواء القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وهو ما حدث من قبل. وعلى الجانب الآخر من المعادلة، تشير إليونورا أرديماني إلى الفوائد التي قد يجنيها الحوثيون من مثل هذا التعاون. وكثيراً ما أكدت الدراسات المتعلقة بالحروب الأهلية على الدوافع العملية للتحالفات وأن الجماعات المتعارضة ظاهرياً قد تتعاون بطرائق مختلفة.
ويتفق هذا على نطاق واسع مع التقارير التي تشير إلى تعاون الحوثيين مع فرع تنظيم القاعدة في الصومال المجاور، حركة الشباب المجاهدين، والتي تطرقت إليها لجنة خبراء أخرى تابعة للأمم المتحدة. كما زعم الخبراء أن هذا الوضع يعكس ديناميكيات محلية وأغراض براجماتية أكثر من أي شيء آخر، حيث صرح كريستوفر أنزالون بأن “السيناريو الأكثر ترجيحاً هو علاقة معاملات بين الأفراد أو شبكات التهريب / الإجرام التابعة للمجموعتين، وليس تحالفاً أو تعاوناً مباشراً وثيقاً. وقد يكون هذا مدفوعاً بالربح أو بحسابات استراتيجية من نوع عدو عدوي صديقي”.
ولكن هناك احتمال آخر، وهو أن التعاون بين القاعدة في جزيرة العرب والحوثيين يمثل أمراً أكبر، ويعكس الخلافات الحالية بين منظري السلفية الجهادية حول علاقة تنظيم القاعدة بإيران، وأن تنظيم القاعدة، تحت قيادته بعد الظواهري، أصبح أكثر استعداداً للتعامل مع إيران و”محور المقاومة” التابع لها.
قد يبدو هذا الأمر مستبعداً في البداية، نظراً للاختلافات العقائدية والأيديولوجية الواسعة بين النظرة الإسلامية الشيعية التي تتبناها الجمهورية الإسلامية الإيرانية والنظرة السلفية الجهادية التي يتبناها تنظيم القاعدة.
كما أن المصالح الاستراتيجية بين الطرفين مختلفة بشكل كبير، نظراً لأن “محور المقاومة” الإيراني – شبكة شركاء إيران (وليس بالضرورة وكلائها) في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك حماس في فلسطين، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والعديد من الميليشيات في سوريا والعراق – وقف تاريخياً في طريق تنظيم القاعدة لنشر نفوذه. وكان هذا أكثر وضوحاً مع وجود إيران والقاعدة على جانبين متعارضين في الحرب الأهلية السورية، حيث دعمت إيران نظام الأسد في حين سعت القاعدة إلى ترسيخ نفسها في التمرد ذي الأغلبية السنية.
وفي مقابل كل هذا، هناك أيضاً أدلة تمتد لعقود من الزمن على تعاون القاعدة مع إيران مع فترات متقطعة من المواجهة والصراع.
لقد كان التعاون البراجماتي بين القاعدة وإيران محل جدل دائم في الحركة السلفية الجهادية. وظل هذا التعاون سرًّا في كثير من الأحيان، حيث كان بن لادن والظواهري ينددان بإيران علناً، بينما يسعيان في الخفاء إلى التفاوض على اتفاق يشبه معاهدة عدم اعتداء. وكان أحد الاتهامات التي وجهها تنظيم دولة العراق الإسلامية، سلف تنظيم الدولة الإسلامية، بعد فترة وجيزة من انفصاله عن قيادة القاعدة هو أن التنظيم مُنع من مهاجمة إيران بشكل مباشر، حيث صرح أبو محمد العدناني بمرارة أن “إيران مدينة للقاعدة بخدمات لا تُقدر بثمن”.
وقد برز الجدل حول التعاون مع إيران بعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في غارة جوية أمريكية في كابول في 31 يوليو / تموز 2022. في أعقاب ذلك، ورد على نطاق واسع أن تنظيم القاعدة اختار سيف العدل زعيماً جديداً له، وهو قائد مصري في القاعدة وله سجل جهادي يمتد لعقود من الزمن. وقد أُطلق سراحه من سجن إيراني في عام 2015 لكنه لم يتمكن منذ ذلك الحين من مغادرة البلاد.
ولم يعلن تنظيم القاعدة علناً عن تولي سيف العدل القيادة، وربما كان هذا بسبب الرغبة في تجنب إثارة مشاكل لمضيفيهم من طالبان، وربما أيضاً بسبب الإحراج الناجم عن وجود زعيمهم في إيران.
على سبيل المثال، سخرت هيئة تحرير الشام (التي تطورت من جبهة النصرة: فرع القاعدة السابق في سوريا) من فكرة اختيار القاعدة لزعيم مقيم في إيران. كما انتقد أبو محمد المقدسي، وهو عالم سلفي جهادي أردني يتمتع بنفوذ كبير، اختيار القاعدة لسيف العدل، قائلاً إنه “من غير المقبول اختيار زعيم تحت الإقامة الجبرية في إيران أو تحت سلطة أي حكومة”.
وقد تصاعدت الخلافات مجدداً بين الجهاديين بشأن علاقة القاعدة بإيران في ظل القيادة المفترضة لسيف العدل بعد إعلان القاعدة عن دعمها غير المشروط لحماس بعد هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
كانت الحركات السلفية الجهادية مثل القاعدة تنتقد حماس بشدة تقليدياً بسبب انتمائها إلى جماعة الإخوان المسلمين، ومشاركتها في الانتخابات، وانخراطها في اتفاقيات وقف إطلاق النار، وكونها حركة وطنية بدلاً من السعي إلى إقامة خلافة عالمية، وعدم فرض الشريعة الإسلامية الصارمة في الأراضي التي تسيطر عليها، والتعاون مع المقاتلين غير المسلمين، والشراكة مع إيران وسوريا.
لكن في السنوات الأخيرة، أصبح موقف القاعدة تجاه حماس أكثر إيجابية، وخاصة بعد هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. ففي ديسمبر/ كانون الأول 2023، وصف مقطع فيديو للقاعدة “عملية طوفان الأقصى المباركة” بأنها “11 سبتمبر/ أيلول ثان”، مما يدل على أن القاعدة تحولت من إدانة حماس بسبب “انحرافاتها” إلى تشبيه حربها ضد إسرائيل بحربها هي ضد الولايات المتحدة والغرب.
وعلى نحو مماثل، كان تأبين القاعدة لزعيم حماس إسماعيل هنية في الحادي والعشرين من أبريل/ نيسان 2024 مفرطاً في المديح، مما أثار ردود فعل عنيفة من جانب منظري السلفية الجهادية، بما في ذلك المقدسي الذي كتب أن [التأبين] “يثير المزيد من الشكوك حول القيادة “الجديدة” لتنظيم القاعدة، المشتبه في أنها متمركزة في إيران، وما إذا كانت قد تخلت عن عقيدة التنظيم”.
وقد اعتُبِر مدح القاعدة الصريح لحماس تجاوزاً للخط الفاصل بين التعاون البراجماتي المحض مع إيران والتقارب الأيديولوجي مع أحد أعضاء “محور المقاومة”. وقد لاحظ المقدسي أن القيادة الجديدة للقاعدة أقل انتقاداً لحماس من أيمن الظواهري أو أسامة بن لادن. وأشار إلى علاقات حماس الوثيقة بإيران [الصفوية]، واعتبر مدحها أشبه بمدح الحركات الشيعية مثل حزب الله والحوثيين [التي لا تعتبر في نظر العديد من الجهاديين مسلمة]. وكان الإسلامي الكندي طارق عبد الحليم أكثر صراحة من المقدسي، حيث زعم أن القاعدة انحرفت بالفعل، وعزا ذلك جزئياً إلى نفوذ والد زوجة سيف العدل، الجهادي المصري أبو الوليد المصري، الذي وُصِف ذات يوم بأنه “وسيط قديم بين القاعدة وإيران”.
ومن ثم، فإن التقارير الأخيرة عن تعاون القاعدة في شبه الجزيرة العربية مع حركة الحوثيين، ومنها التقرير الصادر عن فريق الدعم التحليلي والرصد التابع للأمم المتحدة، قد تصب المزيد من الزيت على نار الاتهامات الموجهة إلى تنظيم القاعدة بأنه مدعوم من إيران، وستؤدي إلى تكثيف الخلافات بين الجهاديين بشأن علاقة القاعدة بإيران، والتي تصاعدت بالفعل بسبب صعود سيف العدل إلى القيادة والثناء الصريح من جانب القاعدة على حماس بعد هجوم السابع من أكتوبر / تشرين الأول.
الكاتب: أندرو زاميت
