فريديريك إنسيل: “الجولاني لم يصبح “معتدلاً”، هو فقط يتصرف بشكل براغماتي وحذِر”

يقوم فريدريك إنسيل، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بكلية باريس للأعمال، في هذا الحوار بتحليل تداعيات الموجة [الإسلاموية] الجديدة التي تهز الشرق الأوسط بعد سقوط نظام الأسد في سوريا وصعود تحالف إسلاموي / جهادي بقيادة أبو محمد الجولاني، الشخصية السابقة في تنظيمي داعش والقاعدة، إلى السلطة.
كيف تفسرون التطور السريع للأحداث الذي أدى إلى سقوط نظام الأسد؟
من وجهة نظري، يمكن تفسير انهيار نظام الأسد بطريقتين: إحداهما داخلية والأخرى خارجية. داخلياً، عانى جيش النظام من استنزاف عميق بعد أن فقد عدداً هائلاً من جنوده خلال ثلاثة عشر عاماً من الحرب الأهلية. العمود الفقري لهذا الجيش هو العلويون، طائفة الأسد. واليوم، قُتل أو جُرح ما يقرب من ثلث الذكور العلويين في المعارك منذ عام 2011، وهو ما لعب دوراً مهمًّا.
خارجياً، افتقر النظام إلى حلفاء موثوقين. ظل حزب الله وإيران وروسيا داعمين أساسيين للنظام السوري، لكن ذلك لم يُجد نفعاً. مارست إسرائيل ضغوطاً شديدة على حزب الله في الحرب الأخيرة. والجدير بالذكر أن التقدم السريع للتحالف الإسلاموي / الجهادي نحو دمشق تزامن مع وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله. وبالتالي، لم يعد لدى إيران ممر جغرافي لدعم حزب الله بشكل مباشر، إذ كانت سوريا هي المحور الرئيس لهذا الدعم.
أما روسيا، فقد كان عجزها واضحاً؛ فما كان يُعتبر قبل ثلاث سنوات ثاني أكبر جيش في العالم، يواجه اليوم تحديات جسيمة، كما يتضح من صراعاته المعقدة في أوكرانيا على مدار العامين ونصف العام الماضية. لقد عجزت روسيا بالفعل عن دعم حليف أساسي، موطئ قدمها الوحيد في منطقة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط منذ عام 1959. وهكذا، خسر نظام الأسد جميع حلفائه، مما أدى في نهاية المطاف إلى سقوطه.
ما هو المسار المحتمل لسوريا ما بعد الأسد؟
يمتلك الحكام الجدد في سوريا أوراق ضعيفة للغاية. فعلى الرغم من إسقاطهم السريع لحكم الأسد، فإن مواردهم الداخلية محدودة للغاية. وتراقب مختلف الطوائف، بما في ذلك العلويون والمسيحيون والدروز، وخاصة الأكراد، عن كثب كيف سيتصرفون في المستقبل. ولا تزال المنطقة الشمالية الشرقية، وهي جزء من كردستان، خارجة تماماً عن سيطرة النظام الجديد، وعسكرياً، هو ضعيف نسبياً.
يكمن تحدٍّ آخر في علاقاتهم مع الغرب. فهل سيكون الجولاني متزمتاً كأسلافه من القاعدة وداعش؟ وهل سيسعى فوراً إلى تطبيق أجندة جهادية عالمية أو حتى إقليمية، مجازفاً بتنفير المجتمع الدولي واستفزاز القوى الغربية، وهي القوى نفسها التي فككت ما يشبه دولة داعش؟
لا أعتقد أن الجولاني أصبح “معتدلاً”. لا يوجد إسلاميون معتدلون. لكنني أعتقد أنه ورجاله سيتصرفون ببراغماتية وحذر شديدين لعدة أسباب: فهم يدركون أنهم مدينون بالكثير – إن لم يكن بكل شيء – لتركيا؛ ويدركون مخاطر الاقتراب من الحدود الإسرائيلية؛ ولا يسيطرون إلا على جزء ضئيل من الأراضي السورية.
ذكرتَ دور تركيا في دعم الجولاني وقواته. ما هي نوايا أردوغان في سوريا ما بعد الأسد؟
الرئيس أردوغان ليس إلا مخادعاً. لعب دعم تركيا دوراً حاسماً في الهجوم السريع الذي أطاح بالأسد. تقع إدلب، معقل المتمردين، على الحدود التركية. لولا تواطؤ تركيا العسكري والاقتصادي – أو على الأقل تساهلها – لما استطاع الجهاديون تحقيق الانتصار. هذا أمر مؤكد.
لسنوات، سعى أردوغان إلى إعادة ما بين مليونين وثلاثة ملايين لاجئ سوري فروا إلى تركيا مع بداية الصراع. وقد استخدمت تركيا قضية اللاجئين ذريعة لتبرير تدخلها في شمال سوريا، الذي يعدّ احتلالاً رسميًّا بموجب القانون الدولي.
في سوريا ما بعد الأسد، يبدو أردوغان المنتصر الرئيس، حيث يتصرف بصفته الأب الروحي للتحالف الذي أطاح بالنظام.
ماذا يعني صعود الجولاني إلى السلطة بالنسبة إلى الصراع العربي ـ الإسرائيلي؟
في رأيي، إسرائيل هي الرابح الأكبر الآخر. صعود المتمردين إلى السلطة وسقوط الأسد هما نتيجة مباشرة لانتصار إسرائيل على حزب الله وإيران. لولا الضربات الحاسمة التي وجهتها إسرائيل لحزب الله – وبالتالي إيران – لما انتصر تحالف المتمردين بهذه السرعة، إذ كان حزب الله سيهب لنجدة الأسد على الفور، كما فعل في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
ولكن السؤال يظل قائماً حول ما إذا كان هذا التحالف الإسلاموي / الجهادي، الذي تتسم قدراته العسكرية حالياً بالضعف والارتجال، قادراً [وإلى أي مدى]على تشكيل تهديد مستقبلي لإسرائيل.
المصدر: GWA
