على الرغم من هزيمته وحصاره، ما زال تنظيم الدولة الإسلامية يشكل تهديداً
بعد سنوات من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في ساحة المعركة، تتصارع حكومات العالم الآن بشأن ما يجب فعله مع آلاف المعتقلين المرتبطين بالحرب في سوريا.
احتفل تحالف يضم 85 دولة بهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، والمعروف أيضاً باسم داعش، في عام 2019، لكن معضلة ما يجب فعله مع عدد غير مسبوق من المسلحين الأسرى وعائلاتهم يمكن أن تزعج التحالف لسنوات قادمة. واليوم، يُقال إن مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية المحتجزين في شمال شرق سوريا يشكلون أكبر تجمع للإرهابيين في العالم، ويقبع عشرات الآلاف من الأشخاص الذين يشتبه في صلاتهم بالتنظيم في مخيمات النزوح السورية. ومع إحجام الحكومات عن إعادة فلول الجماعة الإرهابية إلى وطنهم، فإن الوضع يثير مخاوف أمنية وقانونية وحقوقية خطيرة.
ما هو وضع تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا؟
وهو في أقوى حالاته عام 2014، سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على ما لا يقل عن ثلث كل من العراق وسوريا، منطقة العمليات الأساسية للتنظيم. وبحلول أوائل عام 2019، سقطت آخر الأراضي الخاضعة لسيطرته في أيدي قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، وهي جيش الحكومة الكردية المتمتعة بالحكم الذاتي، والتي تسيطر على شمال شرق سوريا.
واليوم، يمتلك تنظيم الدولة الإسلامية عدداً ضئيلاً يتراوح ما بين 2500 إلى 3500 مقاتل في جميع أنحاء العراق وسوريا، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، ويُعتقد أنه غير قادر على شن هجمات واسعة النطاق في أي من البلدين. وبدلاً من ذلك، طغى تهديد الجماعات التابعة له في أفغانستان وأجزاء من إفريقيا على تهديده. ويقول الخبراء إن التنظيم يهدف إلى إعادة بناء نفسه من خلال تحرير أعداد كبيرة من أعضائه المحتجزين في سوريا، ودفع سكان المنشآت التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية للاجئين والنازحين إلى التطرف. وأبرز محاولته في هذا الصدد تحرير عشرات السجناء في يناير/ كانون الثاني 2022 قبل أن تقوم القوات المشتركة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية بتأمين منشآتها.
ما هو وضع المعتقلين والنازحين المرتبطين بتنظيم الدولة الإسلامية في شمال شرق سوريا؟
اعتباراً من كانون الثاني/ يناير، كان نحو 65 ألف شخص يُعتقد أن لهم صلات مباشرة أو غير مباشرة بتنظيم الدولة الإسلامية محتجزين في مجموعة من المرافق التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية. ويتجمع أكثر من خمسين ألف منهم، غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال، في مخيم الهول، أسوأ مخيمات النزوح.
المعتقلون النازحون هم مزيج من أولئك الذين يعلنون الولاء لتنظيم الدولة الإسلامية، وأولئك الذين انضموا إلى التنظيم على مضض عندما انضم أزواجهم وآباؤهم، وأولئك الذين صادف أنهم يعيشون في المناطق التي استولى عليها التنظيم. ويقول الخبراء إن عدد المنتمين فعلياً إلى أيديولوجية التنظيم غير واضح ولكنه ليس صغيراً، ولا تزال الميول المتطرفة أقوى بين السكان من غير العراق أو سوريا.
تحتفظ الولايات المتحدة بحوالي تسعمائة جندي متبقي في سوريا للقيام بعمليات مكافحة الإرهاب وتقديم بعض التدريب والمساعدة الأمنية لقوات سوريا الديمقراطية. ومع ذلك، فإن المرافق التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية معروفة بأنها غير آمنة، وقليلة الموارد، وعرضة لتفشي الأمراض، وغير مجهزة لدرجات الحرارة القصوى في المنطقة. لقد غاب العديد من الأطفال عن سنوات الدراسة، وغالباً ما يتم فصل الأولاد الصغار عن أمهاتهم. ويقول مسئولو قوات سوريا الديمقراطية إنهم يفعلون ذلك لأن الأمهات يحاولن دفع أبنائهن إلى التطرف وإجبارهم على ممارسة الجنس مع نساء داعش لزيادة أعداد التنظيم. وأدانت الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان عمليات فصل العائلات عن بعضها باعتبارها خطيرة وغير قانونية، وشكك بعض الخبراء في صحة مزاعم قوات سوريا الديمقراطية.
ما هو الجدل الدائر حول هذه المرافق؟
يعتبرها معظم الخبراء أهدافاً لغارات تنظيم الدولة الإسلامية، وحاضنات للمتطرفين المستقبليين، ونظام احتجاز عام لا يمكن الدفاع عنه، ولا سيما في ضوء الموارد المحدودة التي تمتلكها قوات سوريا الديمقراطية لتشغيلها. وكما هو الحال مع الأمم المتحدة، يؤكد المسؤولون الأمريكيون أن “إعادة سكان هذه المنشآت إلى بلدانهم الأصلية، وإعادة تأهيلهم وإدماجهم، و- حيثما كان ذلك مناسباً – ملاحقتهم قضائياً وسجنهم، سوف يمنع عودة تنظيم الدولة الإسلامية”. ومع ذلك، فإن القانون الدولي لا يلزم البلدان الأصلية بإعادة مواطنيها الموجودين في المنشآت السورية. وحتى الآن، رفضت العديد من البلدان إعادة اللاجئين إلى أوطانهم أو اختارت إعادة بعض النساء والأطفال الصغار فقط. وقد اختارت بعض الدول، مثل أستراليا وأيرلندا والمملكة المتحدة، إلغاء جنسية بعض مزدوجي الجنسية بدلاً من استعادتهم.
تشير البلدان إلى عوائق متعددة أمام العودة إلى الوطن:
ـ العقبات القانونية: تفتقر العديد من البلدان الأصلية إلى الإرادة السياسية والموارد اللازمة للتحقيق مع العائدين المشتبه في ارتكابهم جرائم تتعلق بالإرهاب ومحاكمتهم. بالإضافة إلى ذلك، وفي حين أنه من الصعب جمع الأدلة على الجرائم المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية، تعتبر المعلومات الاستخباراتية حساسة ولا يمكن استخدامها في معظم المحاكم.
ـ التطرف المتأصل: تشعر الحكومات بالقلق من أنها إذا أعادت بعض مواطنيها إلى وطنهم وفشلت في مقاضاتهم أو القضاء على تطرفهم بنجاح، فقد يشكل هؤلاء العائدون تهديدات أمنية، نظراً لتعرضهم للخطاب المتطرف.
ـ تحديات إعادة الإدماج: سيحتاج معظم العائدين إلى دعم واسع النطاق لإعادة إدماجهم في المجتمع بشكل فعال. يمكن أن يشمل ذلك التدريب الوظيفي، والاستشارة النفسية، والمساعدة في الحصول على الوثائق المدنية، والمساعدة في السكن. وقد يجد العائدون أيضًا أن مجتمعاتهم لا تريد عودتهم.
ـ الانقسامات السورية: قسمت الحرب الأهلية سوريا إلى مناطق تسيطر عليها الحكومة والمعارضة. وينحدر معظم المقيمين السوريين في منشآت قوات سوريا الديمقراطية، البالغ عددهم 12 ألفاً، من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، ولا توجد آليات رسمية لعودتهم. وفي الوقت نفسه، تشعر الدول بالقلق من التفاوض مع الجهات الفاعلة غير الحكومية مثل الإدارة الكردية، التي يقال إنها طلبت من الدول الغربية الاعتراف بحكومتها مقابل بعض العائدين. كما أن لها صلات بحزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره الولايات المتحدة وتركيا والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية.
لقد اقترحت حكومات مختلفة بدائل لإعادة المعتقلين إلى أوطانهم، مثل الآليات القانونية لمحاكمة المعتقلين في العراق. واقترحت الإدارة الكردية وبعض المشرعين الأمريكيين أيضاً إنشاء محكمة دولية لأعضاء تنظيم الدولة الإسلامية، على غرار تلك التي حاكمت مجرمي الحرب في رواندا ويوغوسلافيا السابقة. يقول بروس هوفمان، خبير مكافحة الإرهاب في مجلس العلاقات الخارجية: “يجب أن تكون هناك هيئة دولية تحكم في هذا الأمر على أساس فردي لكل حالة على حدة. [الأدلة] ستكون غير مكتملة. هذه هي طبيعة هذه الأنواع من الحروب الفوضوية غير الحكومية. لكن هذا هو الحل الوحيد الذي أراه”.
ما هو التالي بالنسبة إلى المعتقلين؟
من دون عمليات الإعادة إلى الوطن، يمكن أن يقبع هؤلاء في سوريا إلى أجل غير مسمى دون الفصل في أمرهم. يقارن بعض المحللين الوضع بمعسكر الاعتقال الأمريكي في خليج جوانتانامو بكوبا، والذي احتجز العديد من الإرهابيين المزعومين ومؤيديهم في مأزق قانوني لأكثر من عشرين عاماً. وأعلنت الإدارة الكردية في يونيو/ حزيران 2023 أنها ستبدأ في محاكمة آلاف المقاتلين الأجانب، لكن لم يتم الإعلان عن أي محاكمات حتى الآن، ويقول منتقدون إن الإدارة تفتقر إلى السلطة القضائية المناسبة لمحاكمة أي منهم.
وطالما ظلت المنشآت السورية مفتوحة، فإنها ستكون أهدافاً للغارات التي يشنها تنظيم الدولة الإسلامية، خاصة إذا انسحبت القوات الأمريكية. ويمكن أن تصبح أيضاً نقطة انطلاق للهجمات، “إما أن يستمر الوضع الراهن غير المرضي بتاتاً، أو أعتقد أننا سنرى، من المحتمل، أعمال عنف يمكن إرجاعها إلى المخيمات. يقول هوفمان: “وربما هذه هي الطريقة الوحيدة التي ستدفع إلى اتخاذ إجراء”.