طهران في موقف دفاعي: صراعات بالوكالة ومعضلة الأسد
قبل عام واحد فقط، كانت إيران في حالة هجوم حيث استخدمت وكلاءها لشنّ هجمات منسقة على إسرائيل من ست جبهات لإظهار مدى نفوذها الإقليمي. الآن، اختلف المشهد.
لقد أضعفت العمليات الإسرائيلية حماس وحزب الله بشدة، ويشن المتمردون [الجهاديون] السوريون المدعومون من تركيا حرباً لا هوادة فيها ضد الأسد، وتستهدف الولايات المتحدة قواعد الميليشيات المدعومة من إيران في جميع أنحاء سوريا.
في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني، شنت هيئة تحرير الشام المرتبطة بتنظيم القاعدة هجوماً مفاجئاً واستولت على حلب من قوات النظام السوري، في اشتباكات هي الأعنف في سوريا منذ عام 2016. وقد داهمت قوات الهيئة، التي صنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية، وبدعم من تركيا، القنصلية الإيرانية والمقر العسكري لوكلاء إيران المتمركزين في حلب.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، أكدت طهران دعمها الثابت للرئيس السوري بشار الأسد. وأدانت إيران الهجوم على قنصليتها ووصفته بأنه “عدوان من جانب عناصر إرهابية”.
وعلى الرغم من تأكيدها على عدم وقوع إصابات، لم تقدم طهران سوى القليل من التفاصيل حول الحادث. وفي الأول من ديسمبر/ كانون الأول، سافر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى دمشق لنقل دعم المرشد الأعلى علي خامنئي الثابت لنظام الأسد.
وتنظر طهران إلى تحالفها مع نظام الأسد بصفته حجر الزاوية لطموحاتها الاستراتيجية في المنطقة، حيث يمتد دعمها إلى ما هو أبعد من المواقف الخطابية. ففي استجابة سريعة لمقاومة تقدم المتمردين، حشدت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران لدعم الجيش السوري.
وفي الثاني من ديسمبر/ كانون الأول، ذكرت وكالة رويترز أن مجموعات من كتائب حزب الله العراقي ولواء فاطميون الأفغاني عبروا إلى سوريا من العراق، متجهين شمالاً لتعزيز القوات السورية المحاصرة. بالإضافة إلى ذلك، كشف تقرير راديو فردا في الثلاثين من نوفمبر/ تشرين الثاني أن أعضاء من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني انضموا إلى هذه الميليشيات على الحدود الإيرانية العراقية قبل التقدم إلى الأراضي السورية.
لقد اعتمد النظام السوري الهش بشكل كبير على الدعم العسكري الإيراني والروسي في معاركه ضد المتمردين خلال الحرب الأهلية، وهذه المرة ليست استثناء. ففي الثلاثين من نوفمبر/ تشرين الثاني، شنت طائرات روسية وسورية غارات جوية على حلب ومعاقل أخرى للمتمردين في محافظة إدلب.
وسرعان ما نسق محور موسكو وطهران ودمشق ردّاً لوقف المتمردين، حيث ناقش القادة الروس والإيرانيون اتخاذ إجراءات مشتركة ضد هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها خلال مكالمة هاتفية في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول.
إن عودة التطرف السني إلى الظهور في سوريا يمكن أن تُعزى جزئياً إلى سياسات طهران الطائفية والعنصرية الشيعية. ففي أعقاب التهدئة التي شهدتها الحرب الأهلية السورية في عام 2016، بدأت إيران جهوداً لإعادة تشكيل التركيبة السكانية في سوريا، وتهجير المجتمعات السنية لترسيخ الهيمنة الشيعية.
وشملت هذه الجهود إعادة توطين السكان الشيعة من لبنان والعراق وتحفيز التحولات الديمغرافية من خلال الفعاليات الثقافية والاقتصادية. وتراوحت جهود إيران من ترميم الأضرحة الشيعية إلى تقديم المساعدات المالية والتعليم والرعاية الصحية للسوريين المتضررين من الحرب، في محاولة لإعادة تشكل الهوية الدينية لسوريا.
ويأتي هذا التصعيد الأخير في وقت حرج بالنسبة إلى طهران؛ فقد أدت الحملة العسكرية التي شنتها إسرائيل في أعقاب الهجمات التي وقعت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول إلى إلحاق الهزيمة بحماس وشل قدرات حزب الله، وكيل إيران الثمين.
وعلى الرغم من تأكيد قادة حزب الله أن النظام السوري قادر تماماً على صد المتمردين ولا يحتاج إلى دعمهم، فإن التقارير تشير إلى أن الحزب قد يمتنع عن المشاركة المباشرة بسبب الخسائر الفادحة التي تكبدها مؤخراً.
الآن يواجه الأسد معضلة حرجة: إما قطع العلاقات مع طهران سعياً إلى تخفيف العقوبات وإعادة الاندماج في المجتمع الدولي أو البقاء معتمداً على إيران، مما يعرضه لخطر المزيد من العزلة.
تواصل إسرائيل استهداف قواعد الميليشيات المدعومة من إيران في جميع أنحاء سوريا، بينما تستغل أنقرة عدم الاستقرار الإقليمي بتسليح هيئة تحرير الشام ضد الأسد. وتماشياً مع مواجهة النفوذ الإيراني، ضربت واشنطن مواقع الميليشيات التابعة لطهران في منطقة دير الزور السورية في الأول من ديسمبر/ كانون الأول.
كما سحبت أرمينيا، حليفة الأسد السابقة، قواتها من حلب، مما أدى إلى عزل النظام بشكل أكبر. ومن وجهة نظر الأسد، أصبح تحالفه مع طهران واعتماده عليها مقامرة عالية المخاطر، وهي مقامرة يبدو من غير المرجح بشكل متزايد أن تسفر عن نتيجة إيجابية.
في الوقت نفسه، أفادت التقارير أن الولايات المتحدة وحلفاءها يدرسون تقدم حزمة حوافز للأسد لإبعاده عن طهران. وقد بحثت الاجتماعات بين واشنطن والإمارات العربية المتحدة رفع العقوبات إذا قام الأسد بغلق طرق إمداد الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله.
ويُزعم أن الأسد طلب المساعدة من إسرائيل ضد قوات المتمردين، لكن إسرائيل أكدت أنها لا تزال غير مهتمة بالديناميكيات الداخلية في سوريا واشترطت لأي تدخل خروج إيران وميليشياتها من الأراضي السورية بشكل كامل.
المصدر: مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات / واشنطن