تقارير ودراسات

شجرة عائلة التطرف الإسلامي

في العصر الحديث، أصبحت أعمال التطرف العنيف والإرهاب لامركزية على ما يبدو. وفي “الموجة الخامسة” المزعومة من الإرهاب، احتلت الذئاب المنفردة والجهات الفاعلة المعزولة مركز الصدارة. وكانت المؤامرات واسعة النطاق والمنسقة للغاية قليلة ومتباعدة. ومع ذلك، في السنوات السابقة، يمكن للمرء أن يجد صلات وارتباطات مباشرة بين العديد من الأفراد المتطرفين. عندما يفحص المرء “شجرة عائلة” التطرف الإسلامي، يمكنه أن يجد سلالة مباشرة من الأفراد الذين يعملون ويتعاونون مع بعضهم البعض لأكثر من قرن من الزمان. في هذه السلسلة المكونة من جزأين، يدرس إدوين تران جذور التطرف الإسلامي والجهادية من خلال تقييم الروابط الفردية المباشرة. ومن خلال هذا، يسلط تران الضوء على مسار واضح من أواخر العصر العثماني إلى العصر الحديث، ويظهر كيف تغير الإرهاب من جهد أكثر تركيزاً إلى جهد لامركزي.

إن التاريخ الفكري للفكر السياسي الجهادي، عندما نفككه، يقدم نفسه كسلسلة متصلة من الكُتاب والأيديولوجيين، والتي يمكن تعقبها من اليوم إلى عام 1838، حيث كان لكل فرد في السلسلة اتصال مباشر وتأثير على كل من سلفه وخليفته:

جمال الدين الأفغاني: 1838-1897

محمد عبده: 1849-1905

رشيد رضا: 1863-1935

حسن البنا: 1906-1949

سيد قطب: 1906-1966

محمد قطب: 1919-2014

عبد الله عزام: 1941-1989

عمر عبد الرحمن: 1938-2017

رمزي يوسف: 1968-1995

خالد شيخ محمد: 1964 ـ اليوم

هاني حنجور: 1972-2001

أنور العولقي: 1971-2011

عمر فاروق عبد المطلب: 1986- اليوم.

السياق الاستعماري

في البداية، نبدأ مناقشتنا بشكل اعتباطي إلى حد ما بشخصية جمال الدين الأفغاني. ولد الأفغاني في أسد آباد بأفغانستان عام 1838، وكان رائداً لأيديولوجية الحداثة الإسلامية، التي سبقت الأيديولوجيات اللاحقة للعلمانية الإسلامية والسلفية. ظهر الأفغاني في فترة هشة بالنسبة للعالم الإسلامي. كانت أفغانستان في خضم اللعبة الكبرى بين الإمبراطوريتين الروسية والبريطانية. وفي الوقت نفسه، كانت الإمبراطورية العثمانية في عهد السلطان عبد المجيد الأول تشهد انحداراً جيوسياسياً كبيراً، على الرغم من الجهود الإصلاحية الحثيثة التي بذلتها “التنظيمات العثمانية”.

وعلى هذا النحو، فإن عمل جمال الدين الأفغاني سوف يكون في سياق المؤامرات الاستعمارية في عصره. فخلال خمسينيات القرن التاسع عشر، سافر الأفغاني عبر الهند البريطانية وإيران. ويقال إنه درس في المراكز الدينية الكبرى في طهران وهرات. وبعد أداء فريضة الحج، عاد إلى أفغانستان في وقت ما من عام 1866، حيث عمل مستشاراً لدوست محمد خان، أمير أفغانستان. ولم يستمر في هذا المنصب طويلاً. ففي عام 1868، استولى شير علي خان على الإمارة، ونتيجة لذلك، فر الأفغاني من البلاد.

وصل جمال الدين الأفغاني إلى مصر في وقت لاحق من ذلك العام، وكان بمثابة أول قطعة من الدومينو المتساقطة. من عام 1871 إلى عام 1879، أمضى الأفغاني الكثير من وقته في الوعظ في القاهرة، حيث ركز جهوده على الدعوة إلى الوحدة الإسلامية ضد القوى الاستعمارية الأوربية. في هذا الوقت، كان للأفغاني تأثير على طالب شاب يدعى محمد عبده. أصبح عبده أحد أشد مؤيدي الأفغاني حماسة. بحلول عام 1878، أصبح محمد عبده عالماً مشهوراً في حد ذاته، وحصل على الأستاذية في كلية دار العلوم ثم في جامعة القاهرة.

ولكن أعمال هذين العالمين أثارت غضب الكيانات السياسية. ففي عام 1879، طردت السلطات المصرية، ربما تحت ضغط القيادة البريطانية، الأفغاني خارج البلاد وأجبرت عبده على العودة إلى قريته. وخلال نفيه، سافر الأفغاني في جميع أنحاء أوروبا والإمبراطورية العثمانية، وزار لندن وإسطنبول وموسكو. وفي عام 1882، أُجبر عبده على مغادرة مصر بسبب تصرفاته في انتفاضة ضابط الجيش المصري أحمد عرابي في عام 1879. وبعد نفيه، سافر عبده حول أوربا قبل أن يجتمع بمعلمه الأفغاني في باريس عام 1884.

في باريس، أصدر الأفغاني وعبده نشرة “العروة الوثقى”، التي تبنت مشاعر معادية للبريطانيين ودافعت عن الثورة الإسلامية. وكان لنشر “العروة الوثقى” تأثير كبير على تطور الإسلاموية والحداثة الإسلامية. ورغم أن النشر لم يستمر سوى سبعة أشهر، فقد ألهم الآلاف من العلماء والمنظرين. وكان أحد الأشخاص الذين كان لأدب الأفغاني وعبده تأثير عميق عليهم بشكل خاص هو رشيد رضا، وهو عالم لبناني لعب دوراً رائداً في التشكيل الأيديولوجي للسلفية.

في عام 1888، غادر عبده أوروبا عائداً إلى مصر، حيث تمكن من العثور على وظيفة حكومية، وأصبح قاضياً في عام 1891. وفي الوقت نفسه، عُرض على الأفغاني منصب في المحكمة مع ناصر الدين شاه قاجار في إيران، لكن الخلاف اندلع بين الاثنين بعد فترة وجيزة ولم يدم المنصب طويلاً. في عام 1895، التقى الأفغاني، الذي كان يقيم في إسطنبول، بأحد أتباعه ويُدعى ميرزا ​​رضا كرماني. ناقش الاثنان مؤامرة لاغتيال الشاه، والتي أثمرت في الأول من مايو / أيار 1896 عندما اقترب منه كرماني أثناء صلاته في ضريح شاه عبد العظيم في مدينة الري وأطلق عليه النار من مسافة قريبة بمسدس صدئ. تم القبض على كرماني بعد وقت قصير من الهجوم وأُعدم، بينما توفي الأفغاني بالسرطان في عام 1897.

في عام 1899، أصبح محمد عبده مفتياً لمصر. وفي غضون ذلك، في عام 1897، غادر رشيد رضا سوريا وتوجه إلى القاهرة للدراسة على يد عبده. وبعد عام، بدأ رشيد رضا في نشر مجلة المنار، التي نشرت أفكار الإصلاح الإسلامي وتحدثت عن العمل الإسلامي في السياسة. ومن المثير للاهتمام أنه على الرغم من تأثر رضا بمحمد عبده والدراسة تحت إشرافه، فإن تطوره الأيديولوجي انحرف في اتجاه مختلف. فقد جادل لصالح تفسير أكثر حرفية للقرآن ودافع بنشاط عن مشاركة إسلامية أكبر في السياسة. كما اختلف الشخصان حول أمور مثل صعود أسرة آل سعود في منطقة نجد في شبه الجزيرة العربية. كان عبده يدعم الإمبراطورية العثمانية كقوة مناهضة للاستعمار، وبالتالي رأى أن تصرفات عبد العزيز ضارة بالقضية العثمانية. وفي الوقت نفسه، دعم رضا بشكل كبير سلطة عبد العزيز ونظر إلى الزعيم السعودي باعتباره عنصراً قوياً في الكفاح ضد الإمبريالية الغربية. توفي محمد عبده في الحادي عشر من يوليو/ تموز عام 1905 في الإسكندرية. وعلى مدى العقود التالية، واصل رشيد رضا تطوير أفكار السلفية، وعمل على تعاليم معلمه عبده، والأهم من ذلك أنه استمر في نشر طبعات من مجلة المنار.

صعود جماعة الإخوان المسلمين

لقد تأثر شخص بعينه إلى حد كبير بمجلة المنار. وكان هذا الشخص هو حسن البنا، المؤسس والزعيم المستقبلي لجماعة الإخوان المسلمين. وُلد البنا بعد عام واحد فقط من وفاة محمد عبده، وكانت أغلب حياته المبكرة خاضعة لسيطرة والده الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا. وهذا يعني أنه سوف يصبح على دراية بالمدرسة الحنبلية في الفقه الإسلامي. وفي عام 1923، توجه إلى القاهرة للالتحاق بكلية دار العلوم، وهي الخطوة التي أثبتت أنها تجربة مهمة في تطوره الأيديولوجي. ووفقاً لجونغ وزلاف، “واجه حسن البنا في القاهرة سمات الحياة الاجتماعية التي لم يكن يعرفها في مسقط رأسه المحلي. فقد لاحظ انشقاق الشباب المتعلم عما اعتبره أسلوب الحياة الإسلامي”. وربما كان الأمر الأكثر إلحاحاً هو حقيقة أن “حسن البنا لاحظ وعارض بشكل متزايد النضال غير المثمر الذي خاضته الطبقة السياسية الليبرالية في مصر لتحقيق استقلال البلاد عن بريطانيا العظمى”. ومن ثم، أصبح البنا مطلعاً على أعمال رشيد رضا، التي بدا أنها توفر له التوجيه الأيديولوجي لمواجهة العيوب التي كان يشهدها في مصر.

مع مرور السنين، أصبح البنا على معرفة بالعديد من المفكرين المهمين في القاهرة، وكانت له مراسلات شخصية مع رشيد رضا. وهنا، تقاربت تركيبة المفكرين الإسلاميين السابقين في الإطار الأيديولوجي الذي طوره البنا. والواقع أن يونج وزلاف يرويان أن: “أفكار الإصلاح الأصلية لمحمد عبده دخلت عالم أفكار حسن البنا في تفسير رشيد رضا”. وبعبارة أخرى، “طور حسن البنا خطاً فكرياً معروفاً بالفعل لأجندة الإصلاح التي تبناها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده”. وكانت إحدى أهم الأفكار التي طرحها رضا هي تشكيل دولة إسلامية تحكم بالشريعة الإسلامية. وكانت فكرة النضال الثوري على أساس المبادئ الإسلامية هي التي وجهت نضال البنا النشط. ووفقاً له، فإن العديد من مشاكل مصر لا يمكن حلها إلا بالعودة إلى المجتمع الذي كان قائماً زمن محمد وأتباعه. وقد تجلى ذلك في تطور جماعة الإخوان المسلمين.

عندما توفي رشيد رضا في الثاني والعشرين من غشت / آب 1935 أثناء عودته إلى القاهرة من السويس بعد زيارة للملك عبد العزيز آل سعود، انتهت مجلة المنار معه. ولكن من الممكن أن نرى الروابط المباشرة بين رضا والبنا فيما حدث بعد ذلك بفترة وجيزة. ففي وقت ما من عام 1939، أعاد البنا إحياء “المنار” من أجل تعزيز الأيديولوجية الإسلاموية النشطة التي كانت جماعة الإخوان المسلمين رائدة فيها.

ولعل هذا هو الوقت الذي بدأ فيه سيد قطب يبدي اهتمامه بأعمال حسن البنا. ففي عام 1929، غادر قطب قريته الريفية موشا إلى مدينة القاهرة، حيث تدرب في كلية دار العلوم ليصبح مدرساً. وفي عام 1933، انضم قطب إلى وزارة المعارف المصرية كمدرس. وخلال مسيرته التعليمية تعرف على العديد من الدوائر الأدبية في المدينة، فساعد الروائي نجيب محفوظ على سبيل المثال. وفي الفترة من عام 1948 إلى عام 1950، شرع قطب في رحلته المثيرة إلى الولايات المتحدة، والتي عززت من عزمه على التوجه نحو الإسلاموية. وفي فبراير/ شباط 1953، انضم قطب رسمياً إلى جماعة الإخوان المسلمين.

بعد فترة وجيزة، بدأت جماعة الإخوان المسلمين والنظام الناصري في الانقسام، وبلغت ذروتها بمحاولة اغتيال عبد الناصر في عام 1954. ونتيجة لذلك، سُجن العديد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وحُكم على قطب نفسه بالسجن لمدة 15 عاماً، ثم أُعدم في النهاية في 29 غشت / آب 1966. أثبت عمل قطب خلال هذه الفترة أنه مؤثر بشكل لا يصدق على التطورات المستقبلية. وبناءً على أفكار البنا ورضا وعبده والأفغاني، تحركت أيديولوجية قطب نحو التطرف بسبب تجاربه المباشرة في الولايات المتحدة. ويُعد كتاب “معالم في الطريق” عملاً مهماً بشكل خاص في هذا الصدد. ويُقال إن الكتاب ألهم العديد من الجماعات الجهادية الإسلامية من السبعينيات إلى يومنا هذا، بما في ذلك الجهاد الإسلامي الذين قاموا باغتيال الرئيس المصري أنور السادات.

وعلى هذا، فإن وفاة سيد قطب لم تكن نذيراً بنهاية أيديولوجيته القطبية. فقد استمر نشر الكثير من أعماله من خلال أتباعه المتحمسين، واكتسبت حياة خاصة بها. ومن بين أحفاد قطب الفكريين المباشرين شخصيات مثل أيمن الظواهري، وأبو محمد المقدسي، والأهم من ذلك، شقيقه محمد قطب.

كان محمد قطب قد أمضى معظم حياته في متابعة ودعم شقيقه سيد. وانضم محمد إلى جماعة الإخوان المسلمين واعتقله النظام الناصري أيضاً بتهمة محاولة اغتيال عبد الناصر عام 1954. ومع ذلك، على عكس شقيقه سيد، نجا محمد وأُطلق سراحه في 17 أكتوبر / تشرين الأول 1971. بعد ذلك، فر محمد إلى المملكة العربية السعودية حيث تولى منصب أستاذ في جامعة أم القرى في مكة. بدءاً من أوائل السبعينيات، بدأت المملكة العربية السعودية في إطلاق المبادرات لتحقيق المزيد من التنمية في التعليم الداخلي. وبالنسبة للعلماء المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين، أعطت هذه السياسة الحكومية للعديد منهم فرصة للعثور على ملاذ وحتى رعاية.

بالنسبة إلى محمد قطب، مكنته هذه الفرصة من نشر الأيديولوجية التي تبناها شقيقه الراحل. في جامعة أم القرى ثم في جامعة الملك عبد العزيز، قدم الإرشاد للعديد من الطلاب الذين لعبوا أدوارًا مهمة في تطوير التطرف الإسلامي، كما مشرفا على أطروحة لطالب يدعى سفر الحوالي، المؤسس المستقبلي لحركة الصحوة في المملكة العربية السعودية. وفي جامعة الملك عبد العزيز، من ناحية أخرى، قام قطب أيضاً بتعليم شخص مميز هو أسامة بن لادن.

ومع استمرار المملكة العربية السعودية في الدعوة إلى المزيد من المعلمين، لعب محمد دوراً محورياً آخر من خلال التواصل مع زميل سابق، عبد الله عزام. في عام 1969، انضم عزام إلى جماعة الإخوان المسلمين، وبحلول أوائل السبعينيات، كان يدرس في جامعة الأزهر في القاهرة وأصبح على دراية بأعمال ابن تيمية وسيد قطب. وفقًا للباحث توماس هيجهامر، طور عزام علاقات قوية مع عائلة قطب في هذا الوقت وأصبح على معرفة شخصية بمحمد بعد إطلاق سراحه من السجن في عام 1971. بعد تخرجه من جامعة الأزهر في عام 1973، حصل عزام على الأستاذية في المملكة العربية السعودية، حيث يعتقد بعض الباحثين أن “محمد قطب ساعد عزام شخصياً على البحث عن وظيفة”، وأن قطب وضع عزام شخصياً على اتصال مع بن لادن.

في أعقاب الغزو السوفييتي لأفغانستان في عام 1979، أطلق عزام عصراً جديداً من النشاط الإسلاموي بإصدار فتوى تدعو المجاهدين إلى التوجه إلى أفغانستان. واعترف مفتي المملكة العربية السعودية بشرعية الفتوى، مما أشعل شرارة كبيرة في الحركة الإسلاموية. في عام 1981، وافقت المملكة العربية السعودية على تسريح عزام من منصبه التدريسي في جامعة الملك عبد العزيز. توجه عزام إلى إسلام أباد للتدريس في الجامعة الإسلامية، ولكن بعد فترة وجيزة انتقل إلى بيشاور.

لقد أسس عبد الله عزام مع تلميذه السابق أسامة بن لادن مكتب خدمات المجاهدين، الذي كان مسؤولاً عن تنظيم وجمع الأموال للمقاومة الأجنبية ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان. ومع تأسيس قاعدة عمليات في أفغانستان، تم إرساء الأساس لتنظيم القاعدة. لقد أصبح مستقبل الحركة الجهادية الإسلامية في متناول اليد، وفي الجزء التالي من هذه السلسلة، سوف ندرس المجموعة التالية من الروابط. وسوف نتناول كيف تعاون عبد الله عزام مع عمر عبد الرحمن “الشيخ الأعمى”، والعدد الهائل من الشخصيات التي شاركت في الحركة الجهادية في تسعينيات القرن العشرين وهجمات الحادي عشر من سبتمبر / أيلول، ثم نختتم بنظرة عامة على الشخصيات المرتبطة بأنور العولقي، والتي بشرت ببداية عصر الذئاب المنفردة.

الرابط:

https://encyclopediageopolitica.com/2021/03/02/the-family-tree-of-islamist-extremism/

زر الذهاب إلى الأعلى