تقارير ودراسات

شبكة الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة (3)

دعم فلسطين والتمكين لحماس

بعد أن شهدنا تخرج العشرات من المسلمين من رابطة الطلاب المسلمين ودخولهم تحت مظلة الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية، أصبح مجتمع الإخوان المسلمين قادراً على التركيز على نسخته من الدعوة، أو نشر الإسلام، بطريقة أكثر منهجية. وقد سمح هذا للإخوان بمواصلة بناء قاعدة دعم إسلامية في الولايات المتحدة، وكذلك البدء في الضغط لصالح القضية الفلسطينية. وتحت إشراف القيادي البارز في جماعة الإخوان خالد مشعل (الذي أصبح فيما بعد أميناً عاماً لحركة حماس)، وموسى أبو مرزوق (الذي جاء إلى الولايات المتحدة للحصول على درجة الدكتوراه في الهندسة الصناعية وأصبح في عام 1991 رئيساً للمكتب السياسي لحماس)، وسامي العريان (الذي كان يسعى للحصول على درجة الدكتوراه في هندسة الكمبيوتر في ذلك الوقت وأدين في ما بعد بتقديم الدعم المادي للإرهاب)، تأسست الجمعية الإسلامية الفلسطينية في شيكاغو في عام 1981. وكان الغرض المعلن من تأسيسها هو “إيصال وجهة نظر الإخوان المسلمين” و”خدمة قضية فلسطين على الجبهتين السياسية والإعلامية”.

وبعد إنشاء حماس في غزة عام 1987، أصبحت الجمعية الإسلامية الفلسطينية ممثلها الرئيس في أمريكا الشمالية. وكانت الجمعية أول منظمة تنشر ميثاق حماس باللغة الإنجليزية، وتلقت مئات الآلاف من الدولارات من القيادي في الحركة أبو مرزوق. ولكن الجمعية الإسلامية الفلسطينية لم تكن الوحيدة التي تروج لقضية حماس في أمريكا. فقد شكل موسى أبو مرزوق اللجنة الفلسطينية لجمع التبرعات لفلسطين. ثم في عام 1989 ـ أيضاً في شيكاغو ـ أسس مؤسسة بحثية أطلق عليها اسم “الرابطة المتحدة للدراسات والبحوث”. وقد أنشئت هذه المؤسسة البحثية للترويج لأيديولوجية حماس في الولايات المتحدة، كما تلقت دفعات كبيرة من المال من أبو مرزوق الذي كان في ذلك الوقت طالباً جامعياً عاطلاً عن العمل. وأغلقت الرابطة أبوابها في عام 2004 عندما بدأت تخضع لمستويات متزايدة من التدقيق من جانب المحققين الفيدراليين. وقد أكد أحد عملاء حماس الذين تم القبض عليهم ويدعى محمد صلاح ارتباط الرابطة بحماس، وكشف أن القيادة السياسية لحماس في الولايات المتحدة كانت تدير الرابطة، وأن القيادي في حماس المقيم في أمريكا أحمد يوسف كان مديرها العام. فر يوسف من الولايات المتحدة في عام 2005 لتجنب الملاحقة القضائية وأصبح منذ ذلك الحين المستشار السياسي الرئيس لزعيم حماس إسماعيل هنية وكذلك المتحدث الإعلامي الغربي الرئيس باسم الحركة.

وفي حين أن العديد من المنظمات الإسلامية الأمريكية تنفي أي صلة لها بحماس، فإن الروابط المباشرة بين حماس والإخوان المسلمين لا تقبل الجدل. والواقع أن المادة الثانية من ميثاق الحركة تنص صراحةً على ما يلي:

“حركة المقاومة الإسلامية جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين، وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي، وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث، وتتميز بالفهم العميق، والتصور الدقيق، والشمولية التامة لكل المفاهيم الإسلامية في شتى مجالات الحياة: في التصور والاعتقاد، في السياسة والاقتصاد، في التربية والاجتماع، في القضاء والحكم، في الدعوة والتعليم، في الفن والإعلام، في الغيب والشهادة، وفي باقي مجالات الحياة”.

لقد توسعت قائمة المنظمات الإسلاموية الأمريكية، عندما أنشأ الإخوان المسلمون الجمعية الإسلامية الأمريكية في عام 1993. تأسست الجمعية في ولاية إلينوي ولكنها تعمل الآن من ولاية فرجينيا، وقد أسسها جمال بدوي وعمر الصوباني وأحمد القاضي ومحمد مهدي عاكف (المرشد السابق لجماعة الإخوان في مصر) لتكون بمثابة الوجه العام الفعلي لجماعة الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة. ووفقاً لملف شخصي نشرته صحيفة شيكاغو تريبيون في عام 2004، فإن القاضي طبيب مصري المولد، وقد انتقل هو وزوجته ـ وكلاهما عضو في جماعة الإخوان المسلمين في مصر إلى جانب والده ـ إلى لويزيانا في عام 1967، حيث واصل تدريبه الطبي. وكما قال القاضي لصحيفة تريبيون، فقد أصبح أمين صندوق جماعة الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة في عام 1970 وانتخب رئيساً في عام 1984. وأوضح القاضي أنه كان زعيم الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة من عام 1984 إلى عام 1994، وهو العام الأخير الذي خدم فيه أيضاً كمدير للجمعية الإسلامية الأمريكية التي تم إنشاؤها حديثاً. ورداً على تصريحات القاضي، تحركت الجمعية الإسلامية الأمريكية لتشويه سمعته، بحجة أن ذاكرته ضعيفة ومعلوماته غير موثوقة. وعلى أي حال، أخبر عاكف صحيفة تريبيون أنه ساعد على تأسيس الجمعية الإسلامية الأمريكية، وقال شاكر السيد، الأمين العام للجمعية آنذاك، لصحيفة تريبيون إن “أعضاء الإخوان أسسوا الجمعية الإسلامية الأمريكية”، وإن حوالي 45 في المائة من الأعضاء “النشطين” في الجمعية ينتمون إلى الإخوان المسلمين. ويتطلب أن تصبح عضواً نشطاً في الجمعية الإسلامية الأمريكية إكمال خمس سنوات من خدمة المجتمع الإسلامي المحلي ودراسة كتابات منظري الإخوان الرئيسيين مثل البنا وقطب.

في أعقاب اجتماع عقد في فيلادلفيا عام 1993 بين زعماء ونشطاء حماس، والذي ناقش الحاجة إلى الانخراط في جهود الدعاية، تأسس مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) في واشنطن العاصمة. وتتلخص مهمته المعلنة في “تعزيز فهم الإسلام، وتشجيع الحوار، وحماية الحريات المدنية، وتمكين المسلمين الأمريكيين، وبناء تحالفات تعزز العدالة والتفاهم المتبادل”. وعلى الرغم من أن هذه الأهداف تبدو غير ضارة، فإن جماعة الإخوان المسلمين (التي كان العديد من مؤسسي “كير” أعضاء فيها) تستخدم غالباً مصطلحات مثل هذه كتعبيرات ملطفة لأفعال أكثر غدراً. وتشير مذكرة لجماعة الإخوان المسلمين كتبت في عام 1991 إلى “قاموس” يستخدمه الإخوان لفك شفرة المعنى الحقيقي لكلماتهم، والتي يتم وضعها بين علامتي اقتباس في الوثائق المكتوبة. والحقيقة أن الإخوان أنشأوا “كير” للتأثير على الحكومة الأمريكية والكونجرس والمنظمات غير الحكومية والمجموعات الأكاديمية والإعلامية. وقد وصفت جماعة الإخوان المسلمين وسائل الإعلام بأنها “أقوى من السياسة”، وسلطت الضوء على أهمية تدريب الناشطين على تقديم “وجهة نظر عن الجماعة” تكون مقبولة لدى الأمريكيين. واقترح أحد مؤسسي مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، عمر أحمد، صراحة ضرورة “التسلل إلى وسائل الإعلام الأمريكية والجامعات ومراكز الأبحاث”.

إن “كير”، التي كان من بين مؤسسيها أيضاً كبار قادة الجماعة الإسلامية الباكستانية والاتحاد الإسلامي السلفي، يمكن اعتبارها واحدة من أكثر المنظمات المرتبطة بالإخوان المسلمين تمويهاً في الولايات المتحدة. وعلى مدى السنوات الماضية، نجحت في تصوير نفسها على أنها منظمة إسلامية مهيمنة على مجتمع المسلمين الأمريكيين، وقد عوملت على هذا الأساس من قِبَل العديد من المسؤولين الحكوميين الأمريكيين، بما في ذلك الرؤساء كلينتون وبوش وأوباما.

ومن المهم أيضاً أن نلاحظ أن المنظمات الإسلاموية الأمريكية لعبت دوراً حيوياً في دعم الجماعات العنيفة في بلدان أخرى. وقد وردت أسماء كل من مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، والجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية، ومنظمة شمال أمريكا للتكنولوجيا، باعتبارهم متآمرين غير متهمين في المحاكمة الفيدرالية ضد مؤسسة الأرض المقدسة للإغاثة والتنمية، التي اتُّهمت بتقديم ملايين الدولارات إلى حماس. وفي حين انتهت قضية مؤسسة الأرض المقدسة للإغاثة والتنمية في أكتوبر/ تشرين الأول 2007 ببطلان المحاكمة ووصول هيئة المحلفين إلى طريق مسدود، فإن الحقائق التي تم الكشف عنها أثناء المحاكمة أظهرت العديد من الروابط المزعجة بين حماس وأبرز المنظمات الإسلاموية في أمريكا. ومن بين أمور أخرى، حددت وثائق المحكمة والشهادات مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية على وجه التحديد باعتباره عضواً في لجنة فلسطين في أمريكا المكلفة بالعمل على “زيادة الدعم المالي والإعلامي لحماس”، و”محاربة الحلول الاستسلامية”، والدعاية “لوحشية اليهود”.

إن هذا الاستعراض الموجز لتاريخ المنظمات الإسلاموية الأمريكية الكبرى لابد وأن يجعل من الواضح إلى حد ما أن أغلب هذه المنظمات متشابكة مع جماعة الإخوان المسلمين. ويظهر نفس القادة في منظمات متعددة، ويميلون إلى إقامة علاقات عائلية، ويتحركون داخل نفس الدوائر المغلقة. على سبيل المثال، كان غسان العشي، الذي أسس مؤسسة الأرض المقدسة وشغل منصب أمين صندوق المنظمة ثم رئيس مجلس إدارتها، مسؤولاً أيضاً عن تأسيس الجمعية الإسلامية الأمريكية، وكان عضواً مؤسساً في فرع مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية في تكساس. وموسى أبو مرزوق متزوج من ابنة عم العشي، ومفيد عبد القادر، “أحد كبار جامعي التبرعات” لمؤسسة الأرض المقدسة، هو الأخ غير الشقيق لخالد مشعل. وفي الوقت نفسه، فإن محمد المزين، الرئيس الأصلي لمجلس إدارة مؤسسة الأرض المقدسة، هو ابن عم أبو مرزوق، وقد وصفه مشعل بأنه “زعيم حماس في الولايات المتحدة”.

إن العديد من أعضاء المجموعة الأولى من الإخوان المسلمين، الذين قدموا إلى الولايات المتحدة للدراسة وتأسيس المنظمات المفصلة أعلاه، ما زالوا يشاركون بفعالية في أنشطة الجماعة. وعلى الرغم من أن لهجتهم وطريقة عرضهم لأفكارهم ربما تغيرت، فإن أيديولوجيتهم الإسلاموية لم تتغير. وحتى عندما يتولى “الجيل القادم” المولود في أمريكا قيادة هذه المنظمات، فلن يتغير الكثير. والواقع أن هذا هو بالضبط ما قصده الإخوان. وتنص المذكرة الاستراتيجية لعام 1991، التي تمت الإشارة إليها سابقاً، على أن أهم شيء هو إرساء “الأساس” بحيث “سوف تتبعنا شعوب وأجيال تكمل المسيرة والطريق ولكن بتوجيه محدد بوضوح”.

علاوة على ذلك، وبالنظر إلى أن هناك اليوم ما يقرب من 600 فرع من فروع جمعية الطلاب المسلمين تعمل بنشاط على نشر الأفكار الإسلاموية بين الجيل القادم من المسلمين الأمريكيين في الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة وكندا، لا يمكن للمرء أن يكون متفائلاً للغاية بشأن طبيعة المستقبلية للإسلام في أمريكا. في الواقع، من المثير للقلق رؤية المسلمين الأمريكيين الذين يسعون بصدق إلى معرفة أكبر عن دينهم يضطرون إلى اللجوء إلى واحدة أو أكثر من هذه المنظمات. وبمجرد وصولهم إلى هناك، يتم تقديم الإسلاموية كمرادف للإسلام، وليس لدى العضو الجديد أي وسيلة لمعرفة غير ذلك. وكثيراً ما يفشل الأعضاء الجدد في إدراك أن الجماعات التي انضموا إليها ليست مجرد جماعات دينية، بل هي جماعات سياسية ذات أجندة أصولية متطرفة.

وحالة أحمد عمر أبو علي تنبئ بمخاطر التلقين الإسلاموي. أدين أبو علي في أواخر عام 2005 بالتخطيط لاغتيال الرئيس جورج دبليو بوش. تخرج أبو علي كطالب متفوق من الأكاديمية الإسلامية السعودية في الإسكندرية، فيرجينيا. في الواقع، تم إخضاع هذه المدرسة للتدقيق وقد أثيرت أسئلة حول مدى ملاءمة مناهجها الدراسية للقوانين الأمريكية. وقد حثت اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية على إغلاق المدرسة حتى تتمكن من التأكد من أن المواد الدراسية التي تقدمها لا تدعو إلى التعصب الديني والعنف. كما شارك أبو علي في مباريات كرات الطلاء التي نظمتها مجموعة “جهاد فرجينيا” التابعة لعلي التميمي، الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة في أبريل/ نيسان 2005 بتهم التآمر ومحاولة مساعدة طالبان والتحريض على الخيانة واستمالة آخرين لشن حرب ضد الولايات المتحدة والتحريض والمساعدة على استخدام الأسلحة النارية والمتفجرات. جنباً إلى جنب مع العديد من الإسلاميين الآخرين، بما في ذلك اثنان من منفذي هجمات 11 سبتمبر / أيلول، كان أبو علي يرتاد مسجد دار الهجرة، الذي يديره شاكر السيد، الأمين العام السابق للجمعية الإسلامية الأمريكية. في الواقع، لا يمكن أن تكون هذه مصادفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى