شبكة الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة (2)
الإخوان يتسللون إلى أمريكا
بدأت جماعة الإخوان المسلمين العمل في الولايات المتحدة في الستينيات عند وصول المهاجرين المسلمين من الشرق الأوسط وجنوب آسيا. سعى هؤلاء الأفراد إلى الحصول على تعليم جامعي (معظمه في المدارس الحكومية الرائدة في إلينوي وإنديانا وميشيغان) وفرص مهنية أكبر. وكان عدد من هؤلاء المسلمين أعضاء في الإخوان المسلمين هاربين من الاضطهاد والقمع في بلدانهم الأصلية. ابتداءً من الخمسينيات، بدأت العديد من حكومات الشرق الأوسط في قمع جماعة الإخوان المسلمين، وخاصة في مصر. وسرعان ما أدرك الإخوان أن الحريات الاجتماعية والسياسية الأمريكية ستمكنهم من نشر أيديولوجيتهم الإسلاموية بسهولة. ومع ذلك، فقد لفوا أنفسهم بالسرية منذ البداية، وأشاروا علناً إلى منظمتهم باسم “الجمعية الثقافية”.
كانت فترة الستينيات أيضاً عندما بدأت المؤسسة الوهابية في المملكة العربية السعودية مشروعها للأسلمة العالمية، بالشراكة مع أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين غادروا البلدان التي كانت الجماعة مستهدفة فيها بالقمع. وقدر أحد المسؤولين السابقين في وزارة الخزانة الأمريكية أن الحكومة السعودية أنفقت نحو 75 مليار دولار لدعم الإسلام والمؤسسات الإسلامية في جميع أنحاء العالم. وفي عام 1962، تأسست رابطة العالم الإسلامي في مكة، وتولى أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين مناصب قيادية رئيسية فيها لنشر الوهابية في جميع أنحاء العالم. وعلى مدى العقود التالية، قامت رابطة العالم الإسلامي بتمويل العديد من المساعي الخيرية المشروعة، ولكن أيضاً عدداً من المشاريع الإسلاموية. وقد تم توجيه بعض هذه الأموال لدعم نشطاء الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة لتغيير مفهوم الوهابية في أمريكا من “تيار متطرف” هامشي إلى “تيار سائد”.
لقد كان التركيز الأساسي لرابطة العالم الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين على التعليم – وخاصة للشباب – كخطوة أولى حاسمة في نهجهم التصاعدي. وبحسب وثائق الإخوان الخاصة، “في عام 1962، تأسس اتحاد الطلاب المسلمين على يد مجموعة من الإخوان الأوائل في أمريكا الشمالية وأصبحت اجتماعات الإخوان تتم في مؤتمرات ومعسكرات اتحاد الطلاب”. وفي العام التالي، تم إنشاء هيكل تنظيمي أكثر رسمية من قبل اثنين من أعضاء الإخوان المسلمين، أحمد توتونجي وجمال برزنجي، اللذين ساعدا على تأسيس رابطة الطلاب المسلمين في جامعة إلينوي في أوربانا شامبين. في سنواته الأولى، وزع إتحاد الطلاب المسلمين في اجتماعات فروعه ترجمات إنجليزية لكتابات البنا وقطب وغيرهما من المنظرين الإسلاميين. سيتم بعد ذلك تجنيد الأعضاء العرب المسلمين في الإتحاد الذين تبنوا هذه أيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين.
مع وضع السياق العالمي في الاعتبار، قاد برزنجي وتوتونجي وزميل ثالث من جماعة الإخوان المسلمين يدعى هشام الطالب جهود تأسيس الاتحاد الإسلامي الدولي للمنظمات الطلابية في عام 1969. وعُقد أول اجتماع للاتحاد في ذلك العام في مكة؛ كان توتونجي أول أمين عام للاتحاد، وعمل صديقه الطالب نائباً للأمين العام. ومن الجدير بالذكر أن توتونجي وبرزنجي والطالب ولدوا في كردستان العراق، وبعد الانتهاء من دراستهم في المملكة المتحدة، جاءوا إلى الولايات المتحدة لمتابعة الدراسة العليا ولكن أيضاً لمواصلة تنظيم أنشطة الشباب المسلم. لعب هؤلاء الرجال الثلاثة دوراً حاسماً في تأسيس جماعة الإخوان المسلمين ومأسستها الرأسية والأفقية في الولايات المتحدة على مدار عقود، وتطوير الروابط بين الجماعة الأمريكية وشبكات الإخوان الدولية الأخرى.
بعد ثلاث سنوات من تشكيل الاتحاد الإسلامي الدولي للمنظمات الطلابية، تم إنشاء الندوة العالمية للشباب الإسلامي في الرياض. وقد وصفت الندوة نفسها بأنها “منظمة دولية مستقلة” إلا أنها تتمتع بعلاقات قوية مع الحكومة السعودية. وكما هو الحال مع الاتحاد الإسلامي الدولي للمنظمات الطلابية، شارك توتونجي وبرزنجي بشكل كبير في إنشاء الندوة العالمية للشباب الإسلامي. شغل توتونجي منصب نائب الأمين العام الأول للندوة، وتم إدراج برزنجي كممثل لها في الثمانينيات.
في عام 1973، وفي إطار سعيهما لتوسيع نفوذهما خارج نطاق المدارس والجامعات، ساعد برزنجي والطالب أيضاً على إنشاء الصندوق الإسلامي لأمريكا الشمالية. وفقاً لوثائق تأسيسه، كان الغرض من الصندوق هو “خدمة مصلحة الإسلام ورابطة الطلاب المسلمين في الولايات المتحدة وكندا” من خلال إنشاء شركة غير ربحية معفاة من الضرائب (تُعرف باللغة العربية باسم الوقف). وقد تلقى الصندوق مبالغ كبيرة من المال – خاصة من بعض الدول الخليجية – مما سمح له بتشكيل مجموعة متنوعة من الجمعيات المهنية الإسلامية وكذلك بناء المدارس والمراكز الإسلامية ودور النشر.
وبحلول أواخر السبعينيات، أصبح من الواضح أن العديد من الطلاب الذين قدموا إلى الولايات المتحدة من الشرق الأوسط وجنوب آسيا لم يعودوا إلى ديارهم. في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979، كثف الإخوان المسلمون تركيزهم على المسلمين الأمريكيين، مع تدفق المزيد من الأموال ومن الأدبات السلفية إلى البلاد. خلال هذه الفترة، تلقى الصندوق الإسلامي الكثير من الأموال وتمكن من السيطرة على المساجد الأمريكية. واليوم، يزعم موقع الصندوق على الانترنت أنه يمتلك ما يقرب من 300 مركزاً ومسجداً ومدرسة إسلامية في الولايات المتحدة. وتشير وثائق أخرى من الصندوق إلى أنه في عام 2002 كان يمتلك صك ملكية 20 بالمائة من حوالي 1200 مسجداً في أمريكا في ذلك الوقت. ومع ذلك، يرى البعض أن تأثير الصندوق أكبر من ذلك. في عام 2003، ادعى أحد خبراء الأمن القومي أن الصندوق الإسلامي يمتلك أو يسيطر على الأصول المادية لـ 75 بالمائة من المساجد الأمريكية وأن الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية (التابعة للصندوق) تتحكم في توجهه الأيديولوجي.
قام عدد من الرجال المرتبطين برابطة العالم الإسلامي والندوة العالمية للشباب الإسلامي بتأسيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي في عام 1981، وهو مركز أبحاث مخصص لـ “أسلمة المعرفة”. يمكن أن تكون هذه العبارة تعبيراً ملطفاً لإعادة كتابة التاريخ لدعم الروايات الإسلاموية. على سبيل المثال، بعد هذه الأسلمة، تتم إعادة تسمية إسبانيا بشكل دائم إلى “الأندلس” (كما كانت تسمى أثناء الحكم الإسلامي) وتصبح البلاد ملكية شرعية للمسلمين. ولا يزال الإسلاميون يعتقدون أن المنطقة “تخص” المسلمين. من بين مؤسسي المعهد برزنجي وتوتونجي، إلى جانب عبد الحميد أبو سليمان، وطه جابر العلواني (وكلاهما كانا من قادة الندوة العالمية للشباب الإسلامي إلى جانب برزنجي)، ويعقوب ميرزا (الرئيس التنفيذي لمؤسسة سار التي لم تعد موجودة الآن، وهي مؤسسة لجمع التبرعات مرتبطة بحماس)، وسيد سعيد (رئيس جمعية الطلاب المسلمين آنذاك)، وأنور إبراهيم (مؤسس حركة الطلاب الماليزيين التابعة للندوة العالمية للشباب الإسلامي ونائب رئيس وزراء ماليزيا لاحقاً). وانضم إليهم لاحقاً إسحاق أحمد فرحان، وزير التعليم الأردني السابق المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين في الأردن. ينص ميثاق المعهد العالمي للفكر الإسلامي على أنه “يدعم المشاريع البحثية التي تدرس إعادة بناء الفكر الإسلامي والنظرة العالمية على أساس المبادئ القرآنية والسنة النبوية”.
كما أقنع المعهد العالمي للفكر الإسلامي حكومة الولايات المتحدة بأنه يجب أن يكون المُحكّم الرسمي للإسلام في الجيش الأمريكي. في الواقع، كلفت حكومة الولايات المتحدة في عام 1991 عبد الرحمن العمودي، أحد المقربين من قيادة المعهد، باختيار رجال دين مسلمين للجيش الأمريكي. أصبح العمودي شخصية سياسية معروفة في واشنطن وكان ضيفاً منتظماً على الرئيسين كلينتون وبوش في أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. هذا الناشط المسلم نفسه – الذي تمت الإشادة به بصفته مسلماً معتدلاً – أُدين لاحقاً بتهم الإرهاب وحُكم عليه بالسجن لمدة 23 عاماً. كما تم تحديد العمودي لاحقاً من قبل وزارة الخزانة الأمريكية لقيامه بتحويل أكثر من مليون دولار إلى إحدى الشركات التابعة لتنظيم القاعدة ومقرها المملكة المتحدة.
تأسست منظمة رئيسة أخرى في عام 1981 بمشاركة الكيانات الأمريكية ذات الصلة بجماعة الإخوان المسلمين، الصندوق الإسلامي لأمريكا الشمالية وجمعية الطلاب المسلمين، هي الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية، وهي منظمة شاملة لجميع المسلمين في أمريكا الشمالية. تأسست الجمعية في ولاية إنديانا في 14 يوليو/ تموز 1981 “لتعزيز قضية الإسلام وخدمة المسلمين في أمريكا الشمالية وتمكينهم من تبني الإسلام كأسلوب حياة كامل”. بالنسبة إلى أولئك المطلعين على الإسلام السياسي، يعد هذا بياناً واضحاً. تمثل الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية استمراراً لاتحاد الطلاب المسلمين. ووفقاً للوثائق الداخلية للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، تم تطوير اتحاد الطلاب المسلمين إلى الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية لتستوعب جميع التجمعات الإسلامية من المهاجرين والمواطنين، وتكون نواة للحركة الإسلامية في أمريكا الشمالية.
مصادر تمويل الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية ليست شفافة، فهي مصنفة على أنها دار عبادة لأغراض ضريبية. ومع ذلك، فقد تلقت دعماً كبيراً من بعض الدول الخليجية ولديها العديد من العلاقات مع رابطة العالم الإسلامي والندوة العالمية للشباب الإسلامي. أدلى محلل سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي بشهادته أمام مجلس الشيوخ حول البيان المالي الصادر عن الجمعية عام 1991، والذي يشير إلى أن دول الخليج كانت أكبر مصدر للتبرعات في ذلك الوقت. وفي نوفمبر / تشرين الثاني 2005، ذكرت وسائل الإعلام الكندية أنه في عام 2002 توصل المركز الإسلامي في تورنتو الذي يضم أيضاً المقر الرئيس للجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية بمبلغ 5 ملايين دولار ومنحة سنوية قدرها 1.5 مليون دولار من دولة خليجية. وفي عام 2005، أعلن البنك الإسلامي السعودي للتنمية عن هبة بقيمة 275 ألف دولار لمدرسة تابعة للجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية، بالإضافة إلى برنامج للمنح الدراسية. وقد أكد الموقع الإلكتروني للبنك الإسلامي للتنمية كلتا المنحتين.
ومن المفيد أن ننظر عن قرب إلى ثلاثة فقط من الرجال الذين أسسوا أو أداروا الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية. خلفيتهم السلفية واضحة، وكذلك علاقتهم بالمنظمات الأخرى ذات الصلة بجماعة الإخوان المسلمين، والتي تم إنشاؤها داخل الولايات المتحدة.
ساعد سيد سعيد على تأسيس الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية. بعد هجرته إلى الولايات المتحدة، تخرج من جامعة إنديانا في عام 1984، ويبدو أنه قضى حياته المهنية بأكملها في العمل في المنظمات المرتبطة بالإخوان المسلمين. شغل منصب الأمين العام للجمعية، كما شغل منصب المدير الوطني لمكتب الجمعية للتحالفات بين الأديان والمجتمعات. شغل سعيد أيضاً منصب رئيس اتحاد الطلاب المسلمين، والأمين العام للاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية والشبابية، وهو عضو في مجلس المستشارين في مجموعة الضغط في واشنطن، مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير). ومن المثير للاهتمام أن سيرته الذاتية الرسمية تغفل أنه من عام 1984 حتى عام 1994 كان مديراً للتوعية الأكاديمية في المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
جمال بدوي هو زعيم مهم آخر في الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية. وُلد بدوي في مصر وحصل على شهادته الجامعية في الاتصالات من جامعة عين شمس في القاهرة، والتي تُعرف بأنها كانت مركزاً لنشاط الإخوان المسلمين خلال السنوات التي قضاها بدوي هناك. ومن بين قادة الإخوان المسلمين والمتطرفين الإسلاميين الذين درسوا أو قاموا بالتدريس في عين شمس خلال تلك الفترة محمد مهدي عاكف، المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين؛ والشيخ أحمد ياسين، مؤسس وزعيم حركة حماس الراحل؛ والشيخ عبد المجيد الزنداني، زعيم جماعة الإخوان المسلمين في اليمن آنذاك. جاء بدوي إلى الولايات المتحدة في عام 1963 للحصول على درجة الدكتوراه في الإدارة من جامعة إنديانا، حيث انضم إلى فرع اتحاد الطلاب المسلمين المحلي. كان بدوي عضواً في مجلس مستشاري الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية منذ عام 1988، وعمل في مجلس إدارة الصندوق الإسلامي لأمريكا الشمالية من عام 1991 حتى عام 1993، وهو أيضاً عضو في اللجنة التنفيذية للمجلس الفقهي الأمريكي، الذي يعمل بصفته مجموعة تابعة للجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية، ويتكون من مجموعة من علماء الدين المسلمين الذين يجيبون عن المسائل الفقهية ويصدرون الفتاوى الدينية.
طه العلواني، وهو أيضاً شخصية بارزة، كان رئيساً للمجمع الفقهي. ولد عام 1935 في العراق، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي هناك؛ ثم التحق بكلية الشريعة بجامعة الأزهر (القاهرة) وحصل على شهادتها عام 1959. واستمر في الكلية وحصل على الماجستير عام 1968 والدكتوراه في أصول الفقه عام 1973. بعد سنوات من حصوله على الدكتوراه، قام العلواني بتدريس أصول الفقه في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، المملكة العربية السعودية. توصف جامعة محمد بن سعود بشكل عام بأنها المؤسسة التعليمية الإسلامية الأولى في المملكة العربية السعودية. ووصفت صحيفة واشنطن بوست الجامعة بأنها “القلعة الرئيسية للتعليم السلفي”. كان العلواني أيضاً عضواً مؤسساً لرابطة العالم الإسلامي في مكة بالمملكة العربية السعودية، ثم جاء إلى أمريكا وبدأ العمل في مجتمع الإخوان المسلمين. كان العلواني أحد الأعضاء المؤسسين للمعهد العالمي للفكر الإسلامي، حيث شغل منصب الرئيس إلى جانب عضويته في مجلس الإدارة. كما شغل منصب رئيس كلية الدراسات العليا للعلوم الإسلامية والاجتماعية، وهي مؤسسة تعمل تحت رعاية المعهد العالمي للفكر الإسلامي في فرجينيا. وكان أيضاً أستاذاً بهذه المؤسسة، وشغل كرسي الإمام الشافعي في النظرية الشرعية الإسلامية. منذ عام 1988، كان العلواني أيضاً عضواً في مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي ومقره جدة بالمملكة العربية السعودية.