تقارير ودراسات

خسارة إيران مكسب لتركيا

تعكس التوترات الدبلوماسية الأخيرة بين تركيا وإيران تحولاً أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط: فقد ملأت تركيا الفراغ الذي خلفته طهران، الأمر الذي أثار استياء الجمهورية الإسلامية. وقد أثارت تصريحات وزير الخارجية التركي حقان فيدان الانتقادية للسياسات الإقليمية التي تنتهجها طهران ضجة إعلامية، حيث استدعت وزارتا الخارجية التركية والإيرانية مبعوثيهما لإجراء مناقشات عاجلة.

في مقابلة مع قناة الجزيرة العربية في 26 فبراير/ شباط، صرح فيدان أن اعتماد إيران على الميليشيات جاء بتكلفة باهظة، حيث خسرت طهران أكثر مما ربحت. وعندما سُئل عن الدعم الإيراني المحتمل للقوات الكردية السورية ـ التي تعتبرها تركيا جماعة إرهابية ـ رد فيدان بحدة: “إذا حاولتَ خلق الاضطرابات في دولة أخرى من خلال دعم مجموعة هناك، فقد تدعم هذه الدولة الأخرى مجموعة في بلدك لخلق الاضطرابات لك”.

وتابع فيدان: “لا يمكن إخفاء أي شيء. فالقدرات التي تمتلكها يمتلكها الآخرون أيضاً. لذلك، إذا كنت لا تريد أن يلقى الناس حجارة على نافذتك، فلا ترمي حجارة على نوافذ الآخرين”.

وسارعت إيران إلى رفض تعليقات فيدان. وكتب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي على موقع “إكس”: “كنا أول دولة عارضت الانقلاب ضد الحكومة التركية”، مؤكداً أن إيران لم تسع إلى تحقيق طموحات إقليمية على حساب استقرار دول أخرى على مدى العقود الخمسة الماضية.

وفي الرابع من مارس/ آذار، أقرت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني بوجود خلافات مستمرة بين تركيا وإيران، ووصفت تصريحات فيدان بأنها “غير بناءة”، وحذرت من الإدلاء بتصريحات مماثلة في المستقبل. وقالت مهاجراني: “لدينا مشاكل مع تركيا بشأن سوريا، ونأمل أن يتم التعامل مع هذه القضايا بحكمة”.

وتصاعدت التوترات الدبلوماسية عندما “دعت” إيران السفير التركي في طهران هيكابي كيرلانجيك إلى اجتماع في الرابع من مارس/ آذار. وعلى الرغم من أن الدعوة لم تكن رسمية، ومن المرجح أنها محاولة من جانب إيران لتهدئة التوتر، فإنها مع ذلك لم تخلُ من رسائل صارمة. والتقى كيرلانجيك بمساعد وزير الخارجية الإيراني والمدير العام لإدارة البحر الأبيض المتوسط ​​وأوربا الشرقية، اللذين أكدا أن “الظروف الإقليمية الحساسة تتطلب تجنب التصريحات غير اللائقة والتحليلات غير الواقعية التي قد تؤدي إلى نزاعات وتوترات في العلاقات الثنائية”.

وردًّا على ذلك، “استدعت” وزارة الخارجية التركية القائم بالأعمال الإيراني في أنقرة للاحتجاج على المسؤولين الإيرانيين الذين انتقدوا تركيا مؤخرًا. وأشارت الوزارة أيضاً أنه تم إرسال ملف رسمي بشأن هذه المسألة إلى الجانب الإيراني. وأكد المتحدث باسم الوزارة أونكو كيسيلي تفضيل أنقرة للدبلوماسية المباشرة: “نعتقد أنه لا ينبغي في كل الأحوال استخدام قضايا السياسة الخارجية كمواد للسياسة الداخلية. وفي هذا الإطار، نفضل نقل الرسائل الانتقادية مباشرة إلى متلقيها”.

يعود التنافس بين أنقرة وطهران إلى قرون مضت، حيث كانت إيران تاريخياً متحالفة مع القوى الأوروبية ضد الإمبراطورية العثمانية. ومع ذلك، كان التهديد المحدد الذي وجهه فيدان بشأن دعم الجماعات الانفصالية داخل إيران هو الذي أثار رد الفعل الإيراني. لطالما كان سكان إيران المتنوعون، بما في ذلك الجماعات العرقية مثل الأذربيجانيين، حساسين لمثل هذه القضايا. وفي حين لا يعاني الإيرانيون الأذربيجانيون، الذين يشكلون حوالي 16٪ من سكان إيران، من مظالم اجتماعية واقتصادية كبيرة، فإن طموحات تركيا القومية سعت مع ذلك إلى تعبئة الحركات الانفصالية داخل مجتمعهم. لكن لم يصل هذا إلى صراع مسلح كما حدث مع الانفصاليين الأكراد والبلوش.

في المقابل، دعمت طهران حزب العمال الكردستاني، وهي جماعة إرهابية صنفتها تركيا والولايات المتحدة. وتعود العلاقات بين إيران وحزب العمال الكردستاني إلى ثمانينيات القرن العشرين، واكتسبت زخماً في التسعينيات. في يناير / كانون الثاني 2025، ذكرت صحيفة يني شفق التركية، المعروفة بقربها من أردوغان، أن إيران أرسلت 1500 طائرة من دون طيار “انتحارية” إلى حزب العمال الكردستاني، في إشارة إلى طائرة “شاهد 136”. وفي حين نفت إيران هذا الادعاء، فإن حقيقة أن فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني يدير فرقة استخباراتية تركز على تركيا تمنح مصداقية كبيرة للاتهام.

ولكن طهران تواجه الآن تحولاً غير متوقع في الأحداث. فقد دعا عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون، الجماعة إلى نزع سلاحها وحل نفسها. وفي رسالة قرأها حلفاؤه السياسيون في إسطنبول في 27 فبراير/ شباط، كتب: “إنني أتحمل المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة. […] يتعين على جميع الجماعات إلقاء أسلحتها، ويتعين على حزب العمال الكردستاني حل نفسه”. وبعد فترة وجيزة، أعلنت اللجنة التنفيذية لحزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار بعد سنوات من الصراع ضد الدولة التركية.

وقد سارعت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية إلى وصف هذا التطور بأنه هزيمة كبيرة لطهران. والواقع أن هذا التطور يمثل خطوة أخرى في تنامي النفوذ التركي في المنطقة.

في الاشتباك الذي وقع في سبتمبر/ أيلول 2023 بين أذربيجان وأرمينيا، خرجت باكو منتصرة بدعم تركي. وأصبحت أرمينيا، التي اعتمدت لفترة طويلة على المساعدات العسكرية الإيرانية والروسية، عُرضة للقدرات المتفوقة لطائرات بيرقدار التركية. ولم يؤد هذا الانتصار إلى تأمين وصول أذربيجان إلى ممر زانجيزور فحسب ـ الذي يربط أذربيجان بنخجوان وربما يربط تركيا بأذربيجان ـ بل أدى أيضاً إلى تقليص اعتماد أرمينيا على إيران في مجال الطاقة والنقل، الأمر الذي قلل من نفوذ طهران بشكل أكبر.

لقد أعقب الصراع بين أذربيجان وأرمينيا انهيار نظام بشار الأسد في سوريا بسرعة، حيث أسقطت هيئة تحرير الشام المدعومة من تركيا نظاماً أنفقت إيران موارد كبيرة لحمايته. وقد عارض قادة دمشق الجدد مراراً وتكراراً الطموحات الإقليمية الإيرانية، كل ذلك وهم يحملون جوازات سفر تركية.

الكاتب: جوناثان سايح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى