حماس لم تعد فصيلاً متجانساً
من غير الواضح من يمثل حماس في المفاوضات الرّامية إلى إنهاء الحرب في غزة، والتي تهدف إلى مبادلة الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في إسرائيل بالرهائن الإسرائيليين في غزة، وتأمين الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع.
وتشير التقارير إلى أن نفوذ المكتب السياسي لحماس قد تراجع في غزة بسبب وجود معظم أعضائه في المنفى. ويقال إن يحيى السنوار ومحمد الضيف، رجلا حماس القويان في غزة، لا يتبعان توجيهات قيادتهما في الدوحة. وقد قرر كلاهما أن يصبحا مارقين ويقودان فصيلاً داخل حماس، بعيداً عن القيادة السياسية وأقرب إلى إيران، حيث المساعدات المالية والعسكرية أكثر سخاءً.
كان السنوار قريباً من هنية في ثمانينيات القرن الماضي، عندما كانا يعملان تحت قيادة الشيخ أحمد ياسين، الزعيم الروحي لحماس ومؤسسها. تباعدت مساراتهما عندما اعتقلت إسرائيل السنوار في عام 1989 بتهمة تدبير اختطاف جنديين إسرائيليين وقتل أربعة فلسطينيين يشتبه في تعاونهم مع جهاز الأمن العام الإسرائيلي (شين بيت). وذكرت تقارير صحفية إسرائيلية في ذلك الوقت أن السنوار اعترف لمحققيه بأنه خنق اثنين من المتعاونين حتى الموت، وقتل الثالث أثناء استجواب قاسٍ وعنيف، وأطلق النار “عن طريق الخطأ” على الرابع أثناء محاولة اختطافه لأغراض الاستجواب.
ونتيجة لذلك، اكتسب السنوار لقب “جزار خان يونس” بسبب دوره في تأسيس جهاز المجد، الذراع الاستخباراتي والأمني لحماس. كما عمل السنوار خلف القضبان الإسرائيلية كرجل أمن كبير في حماس مسؤول عن استجواب المشتبه في تعاونهم مع مصلحة السجون وجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي. وأكد السجناء الذين قضوا وقتاً طويلاً مع السنوار قسوته تجاه كل من المحتلين الإسرائيليين والمتعاونين الفلسطينيين.
وبعد إطلاق سراحه في صفقة جلعاد شاليط عام 2011، أصبح السنوار مساعداً مقرّباً لهنية، الذي كان حينها في غزة. وعملا معاً وساعد كل منهما الآخر في تعزيز مكانتهما بين أتباع حماس في غزة. وفي الانتخابات الداخلية لحماس في فبراير/ شباط 2017، انتُخب السنوار سراً رئيساً لحماس في غزة خلفاً لإسماعيل هنية، الذي أصبح رئيساً للمكتب السياسي. وفي انتخابات مارس/ آذار 2021، انتُخب السنوار مرة أخرى رئيساً لحماس في غزة.
وبحلول ذلك الوقت، كان السنوار قد أقام علاقات قوية مع إيران. وشكل تحالفاً مع قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإسلامي. وتعمقت علاقاتهما، حيث قدم سليماني بسخاء لحماس في غزة دعماً عسكرياً وتدريباً مكثفاً. فلا عجب أن يصف بعض كبار أعضاء حماس هجوم السابع من أكتوبر / تشرين الأول على بلدات جنوب إسرائيل بأنه تكريم لسليماني الذي اغتيل بطائرة أمريكية بدون طيار في 3 يناير / كانون الثاني في 2020 في مطار بغداد الدولي.
وتصاعدت التوترات بين السنوار وهنية مع تنافس كل منهما على منصب رئيس المكتب السياسي. ومن المتوقع إجراء الانتخابات في أوائل عام 2026. ولا أحد يعرف ما إذا كانت الحركة ستظل قائمة في ذلك الوقت، أو بأي شكل. ومن غير المؤكد ما إذا كانت التوترات بين السنوار وهنية ستكون عالية إلى هذا الحد لو لم يغادر هنية غزة في سبتمبر/ أيلول 2020. ومنذ ذلك الحين، عاش هنية بين إسطنبول والدوحة، واستقر في النهاية في الدوحة بعد أن طلبت تركيا من كبار أعضاء حماس المشاركين في المهام الأمنية المغادرة.
لقد سمح العيش في الخارج لهنية بتقديم نفسه لقادة العالم باعتباره رئيس حماس الجديد. وهذا ما ترك السنوار في قطاع غزة مقيداً بمسؤولياته. وظل تركيزه على الأمن الداخلي لحماس وكتائب عز الدين القسام. وفجأة وجد السنوار نفسه أعلى مسؤول في حماس في قطاع غزة وبدأ يتصرف وفقاً لذلك.
لقد رأى السنوار نفسه إمبراطوراً لقطاع غزة. وقد نأى بفصيله عن القيادة السياسية في الخارج، وتحالف بشكل أوثق مع القيادة العسكرية المحلية لحماس. كما منحته علاقاته الوثيقة مع الضيف، رئيس أركان كتائب القسام، القوة التي يحتاج إليها لموازنة نفوذ هنية وحلفائه في الخارج.
وواصل السنوار عزل حركته وغزة عن السلطة الفلسطينية في رام الله. ولتأكيد سيطرته، أنشأ لجنة محلية تابعة له مباشرة لإدارة الحياة اليومية في غزة.
في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، فاز السنوار فعلياً بالجائزة الكبرى عندما وافقت إسرائيل وقطر على أن ترسل الأخيرة دعماً مالياً شهرياً لحماس في غزة، إلى السنوار مباشرة. ومنذ ذلك الحين، عزز السنوار حكمه وأشرف على توسيع الأنفاق تحت الأرض، والتي رددت حماس دائماً أنها بُنيت للتحضير لمواجهة قادمة مع “المحتلين الصهاينة”. في أعقاب الغزو الإسرائيلي لغزة في يناير / كانون الثاني 2024، ردًّا على هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لم تؤو الأنفاق سوى قيادة حماس وعائلاتهم، تاركة المدنيين الفلسطينيين يتحملون العبء الأكبر من الهجوم الإسرائيلي. وحتى كتابة هذه السطور، لقي أكثر من 33 ألف مدني فلسطيني في غزة حتفهم. وصرح موسى أبو مرزوق، رئيس المكتب السياسي السابق لحماس، بشكل استفزازي على قناة فضائية عربية أن إيواء المدنيين في غزة كان مسؤولية الأونروا “لأن ملاجئ حماس كانت مخصصة لحماس فقط”.
والآن، أصبح أعضاء حماس وأنصارها منذ فترة طويلة غير متأكدين مما إذا كان عليهم البقاء أو المغادرة. وهم غير سعداء بفشل حركتهم في حماية شعب غزة من الهجمات الإسرائيلية. وبعد أشهر من الحرب، تزايد الإحباط بينهم؛ لأن القيادة في غزة أو في الخارج لم تتمكن من تأمين صفقة مع إسرائيل لإنهاء معاناتهم.
بالنسبة إلى إيران، التي كانت تبحث عن وكلاء مؤثرين وموالين لها في الشرق الأوسط، كان السنوار والضيف يمثلان مكاسب أساسية. فقد وجدت إيران أن القيادة السياسية لحماس، المتحالفة مع تركيا وقطر، غير موثوقة. وسعت طهران إلى استقطاب الموالين الملتزمين تماماً بنظام آيات الله، والذين يمكن السيطرة عليهم من خلال المساعدات المالية والعسكرية.
لقد أدى هدف إيران المتمثل في توحيد الفلسطينيين مع قضيتها إلى تجنيد حلفاء داخل فصائل مثل فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية. ومع ذلك، قاوم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات طموحات إيران بحزم بعد صعود آية الله روح الله الخميني إلى السلطة في عام 1979.
ولم تدم العلاقات الوثيقة بين عرفات والخميني طويلاً. وكانت فلسطين أول مكان اختاره الإيرانيون للترويج لثورتهم. واقترح الخميني على عرفات توحيد كل الفصائل الفلسطينية في النضال الإسلامي الدولي ضد إسرائيل والغرب تحت قيادة طهران. وكما روى أحد مساعدي عرفات في ذلك الوقت، رفض الزعيم الفلسطيني العرض “بأدب ولكن بحزم”. وأبلغ عرفات الخميني أن النضال الفلسطيني هو من أجل الاستقلال وتقرير المصير، ويهدف إلى تحرير الأراضي المحتلة لإقامة دولة فلسطين المستقلة، وليس النضال ضد اليهود. ولن يسمح الفلسطينيون لأي دولة أو حزب بقيادة معركتهم.
لقد أدى تأسيس حماس والجهاد الإسلامي في أواخر الثمانينيات إلى إعادة إشعال طموح إيران لإنشاء وكلاء فلسطينيين لاستخدامهم حسب الحاجة. ومنذ ذلك الحين، تأثرت هذه الفصائل بشكل كبير بإيران، ولم تتمكن من قطع العلاقات معها بسبب دعمها المالي والعسكري. كما أقنعت إيران الحركتين بدورها الحاسم داخل “محور المقاومة” الذي يضم أيضاً سوريا وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وفصائل مختلفة في جميع أنحاء العراق ودول الخليج. وقد قادت إيران كل ذلك.
في إطار الاستعدادات لخوض أم المعارك ضد إسرائيل، اجتمع ممثلون عن هؤلاء الحلفاء في لبنان للتخطيط لهجوم يضم آلاف المقاتلين المسلحين الذين يخترقون حدود إسرائيل، ويستولون على أراض وبلدات، ويأخذون جنوداً ومدنيين كرهائن. وكان من المقرر أن يتم الهجوم على طول الحدود الشمالية أو الجنوبية لإسرائيل، مع انضمام أعضاء آخرين من المحور بسرعة. وكشفت أحداث السابع من أكتوبر / تشرين الأول عن فشل “محور المقاومة” في دعم حماس والجهاد الإسلامي، الأمر الذي تركهما معزولين. ولا عجب أن يتبنى السنوار استراتيجية محصلتها صفر، بهدف الفوز بكل شيء أو خسارة كل شيء. فهو لم يعد قادراً على إدارة العرض، وهو يعلم أن اليوم التالي للحرب في غزة سيبدو مختلفاً تماماً عما كان عليه قبل السابع من أكتوبر / تشرين الأول.
إن النكبة الفلسطينية الثانية في غزة عام 2024 تثبت أن أي قدر من القوة العسكرية لن يكون قادراً على حل هذا الصراع. بل على العكس من ذلك، فإنه لن يؤدي إلا إلى تفاقم الوضع، وزيادة الخسائر على الجانبين. إن الشعب الفلسطيني يدرك أهمية التسوية السياسية لإنهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال. والسؤال الحاسم هنا هو ما إذا كان زعيم إسرائيلي عاقل سوف يظهر ليخبر الشعب الإسرائيلي أن الأمن والاستقرار الحقيقيين يتطلبان الالتزام بجميع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة والاعتراف بدولة فلسطين إلى جانب إسرائيل على حدود عام 1967. لا أقل ولا أكثر.
الكاتب: إلياس زنانيري
(*) نشر هذا المقال على موقع “ميديا لاين” الأمريكي قبل اغتيال إسماعيل هنية:
https://themedialine.org/news/opinion/hamas-is-no-longer-a-homogeneous-faction/