حكومة أردوغان تسمح لمقاتلي داعش المرحلين من اليونان بالعمل في تركيا
كشف موقع “نورديك مونيتور” أن السلطات التركية أطلقت سراح اثنين من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تم ترحيلهما إلى تركيا بعد احتجازهما في اليونان.
وتمكنت السلطات اليونانية من التعرف على الرجلين، اللذين تنكرا كلاجئين، وتم تهريبهما من تركيا عبر شبكات داعش العاملة في إسطنبول، واحتجزا هناك قبل ترحيلهما إلى تركيا.
وعلى النقيض تماماً من سلوك السلطات اليونانية، أطلق المسؤولون الأتراك سراح الجهاديين، وهم على علم تام بأنهما على الأرجح سيحاولان عبور الحدود إلى اليونان مرة أخرى، باستخدام هويات جديدة.
ولم تضطر الشرطة التركية إلى اعتقال المقاتلين إلا بعد هجوم إرهابي على كنيسة سانتا ماريا (كنيسة مريم أنا دوغوش) في منطقة ساريير باسطنبول في 28 يناير/ كانون الثاني 2024. وأودى الهجوم بحياة شخص واحد، وكان من الممكن أن يكون عدد الضحايا أعلى لو لم يتعطل أحد الأسلحة النارية التي كان يحملها المهاجمون.
وتم الكشف عن الفضيحة المحيطة بالمعاملة المتساهلة لمقاتليْ داعش من خلال وثائق قضائية، والتي تضمنت تصريحات مفصلة وصفت رحلتهما إلى اليونان وحددت المهربين الرئيسيين ومشغلي المنازل الآمنة داخل الشبكة.
الشخص الأول هو فادي علي الجزار، وهو مواطن عراقي يبلغ من العمر 37 عاماً، والذي كشف أنه أقام في منزل آمن لتنظيم داعش في اليونان يديره رجل عراقي يُدعى أمير. وفي تصريح أدلى به للنائب العام، بعد اعتقاله كمشتبه به في هجوم الكنيسة، أوضح الجزار أنه تم وضعه في منزل في إسطنبول يستخدمه داعش كمحطة مؤقتة لعمليات التهريب. وأثناء وجوده هناك، كان ينتظر الأوامر لمحاولة العبور إلى اليونان.
ومن بين المسلحين الآخرين الذين أقاموا في نفس المنزل مع الجزار، أحمد الحنش، وهو سوري يبلغ من العمر 32 عاماً. وكان الحنش قد قضى أيضاً بعض الوقت في سجن يوناني قبل ترحيله إلى تركيا. ومثل الجزار، كان يخطط لمحاولة أخرى للوصول إلى أوربا عبر اليونان.
وتكشف السجلات التي حصل عليها موقع “نورديك مونيتور” أن الحنش كان مسجلاً كلاجئ في تركيا تحت رقم الهوية الوطنية الأجنبية 99222046958. وقد عبر بشكل غير قانوني إلى تركيا من سوريا في أوائل عام 2016 وأسس بعد ذلك حياة هناك.
وعلى الرغم من أن إقامته الرسمية في وثائق الهجرة تشير إلى أنه يقيم في منطقة نيلوفر غربي تركيا في محافظة بورصة، فإن الحنش كان يعيش في الواقع في منطقة الفاتح المحافظة في اسطنبول بهوية مختلفة، حيث شارك في تنفيذ مهام لصالح داعش. واستخدم هويتين مزيفتين باسمين مختلفين: حاتم المليجي وموسى موسى.
وقد رصدت إشارات أبراج الاتصالات الهاتفية الحنش إلى جانب مجبل الشويخي (المعروف أيضاً باسم أبو يقين العراقي)، وهو عضو في وحدة الاستخبارات والمراقبة التابعة لداعش، والذي انتقل إلى تركيا من العراق في عام 2017. وحددت الإشارات أنهما التقيا 55 مرة على مدار العام الماضي، مما يشير إلى اجتماعات متكررة قبل هجوم داعش على الكنيسة. وكان الشويخي يجري عمليات استطلاع، بما في ذلك تصوير أماكن العبادة المسيحية واليهودية، استعداداً لهجمات داعش المحتملة.
وكان الحنش على اتصال منتظم بخلايا داعش الأخرى. وخلال مداهمة لمنزله، اكتشفت الشرطة العديد من وثائق الهوية المزورة والهواتف المحمولة وأوراق الهوية العراقية. وكشف تحليل أحد هواتفه المحمولة عن صور تتعلق بتحويلات مالية وأسلحة نارية. كما أظهرت سجلات الهاتف أيضاً وجوده في محافظات مختلفة في جميع أنحاء تركيا، وخاصة في أدرنة وكيركلاريلي وتكيرداغ، بالقرب من الحدود اليونانية، وكذلك في كيليس وشانلي أورفا، بالقرب من الحدود السورية.
وفي إفادته أمام النيابة العامة، نفى الحنش الأدلة المقدمة ضده، مدّعياً أن الصور المستخرجة من هاتفه المحمول – والتي تظهر فيها أسلحة ومستندات تحويل أموال – لا تخصه. وأكد أنه اشترى الهاتف مستعملاً وأن الصور ربما تم تحميلها من قبل المالك السابق. كما نفى معرفته بأعضاء آخرين من داعش، على الرغم من أن سجلات الهاتف تظهر اتصالات منتظمة معهم.
وتكشف الوثائق أيضاً أن وكالة الاستخبارات التركية كانت على علم بالرجلين وأنشطتهما لصالح داعش. ومع ذلك، لم تبلغ وكالات إنفاذ القانون حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، عندما أعلنت عشرات السفارات والقنصليات الغربية في اسطنبول وأنقرة أنها ستغلق أبوابها لمخاوف أمنية.
وبسبب القلق من التداعيات المحتملة للهجوم على المصالح الغربية، بما في ذلك الكنائس والمعابد اليهودية، في تركيا، قرر جهاز المخابرات التركي نقل المعلومات الاستخباراتية التي جمعها عن الرجلين إلى الشرطة، مما دفع أجهزة إنفاذ القانون إلى اتخاذ إجراءات.
الرجلان قيد الاعتقال حالياً، وقد قدم المدعي العام لائحة اتهام ضدهما في 5 يوليو / تموز 2024. ويبقى أن نرى ما إذا كان سيتم إدانتهما أو إطلاق سراحهما أثناء المحاكمة أو بعدها.
ففي تركيا، يتم إطلاق سراح معظم معتقلي تنظيم داعش بعد احتجازهم لفترة وجيزة، أو أثناء مراحل المحاكمة، أو في ختام المحاكمة. ولم تتم إدانة سوى عدد قليل جداً منهم، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الموقف المتساهل والمؤيد لحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان الإسلاموية التي تمارس سيطرة كبيرة على السلطة القضائية في البلاد.
يُذكر أن السلطات التركية ترفض بإصرار الكشف عن عدد المدانين بالانتماء إلى تنظيم داعش الذين يقضون عقوباتهم حالياً في السجون، على الرغم من الأسئلة البرلمانية المتعددة التي طرحها نواب المعارضة.
موقع “نورديك مونيتور”