حزب الله يخسر الدعم الشعبي اللبناني والشيعي
إذا اعتمدنا على وسائل الإعلام الغربية لتقييم مدى الدعم الذي يحظى به حزب الله بين السكان اللبنانيين، فمن السهل أن نتوصل إلى استنتاج خاطئ تماماً، مفاده أن الجماعات العرقية اللبنانية المتنوعة قد اجتمعت كلها حول حزب الله. والواقع أن هذا الاستنتاج أبعد ما يكون عن الحقيقة. فمن المسيحيين إلى الدروز، ومن السنة إلى الشيعة المهيمنين، هناك رفض هائل يعرب عنه اللبنانيون لحزب الله التابع لإيران، والذي تحول إلى دولة أشبه بالمافيا داخل الدولة اللبنانية.
لأول مرة منذ أكثر من أربعة عقود، يبدو حزب الله اللبناني ضعيفاً؛ فبعد القضاء على زعيمه حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية على بيروت في 27 سبتمبر/ أيلول، تلاشت بسرعة الهالة المحيطة بقوته التي لا تقهر ضد إسرائيل وغيرها من المنافسين الإقليميين. والآن يواجه الحزب استياءً محلياً يضاف إلى قدرته المتضائلة على الانخراط في صراعات عسكرية في جميع أنحاء المنطقة بما في ذلك سوريا واليمن.
إن حزب الله- الذي كان يعدّ في السابق من أغنى المنظمات في العالم بفضل تدفق أموال المخدرات- يعاني حالياً من أسوأ أزماته، ولم يعد الرأي العام اللبناني ينظر إليه كمدافع عن أرضه.
حتى قبل وفاة نصر الله، أظهر السكان الشيعة استياءهم من حزب الله وزعيمه لخطف حياتهم وإجبارهم على طاعة قيادته التابعة لإيران أو مواجهة عواقب وخيمة ومنها الموت.
المعارضة الشيعية لحزب الله وإيران
من أبرز المنتقدين لحزب الله رجل الدين الشيعي اللبناني البارز علي الأمين الذي يتمتع بنفوذ كبير بين الشيعة في لبنان. وفي تصريحات أدلى بها لقناة العربية الإخبارية في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول، أكد الأمين على ضرورة تسليم أسلحة حزب الله للجيش اللبناني. وأضاف: “في ظل وجود أسلحة غير أسلحة الدولة، فإن القلق سيظل قائماً”.
وقال الأمين:”لقد عبرنا عن رأينا في هذه الحرب بعد اندلاعها، وقلنا إنها ليست في صالح غزة وستضر بلبنان وتعرضه للخطر. أما القول إن التهديدات الإسرائيلية كانت مبرراً واضحاً لدخول الحرب، فهذا كلام غير صحيح؛ لأن هذه التهديدات كانت موجودة قبل 7 أكتوبر / تشرين الأول 2023، فلماذا لم يعلن حزب الله الحرب بسببها؟”.
ويلقي زعماء الشيعة اللبنانيون، ومنهم علي الأمين، باللوم على حزب الله في تدهور لبنان والصعوبات المعيشية التي يعاني منها الشعب اللبناني. والأهم من ذلك، أن آراء الشيعة وغضبهم تجاه حزب الله وإيران يتزايدان بشكل كبير في لبنان، حيث يتهم الكثيرون إيران بإلقاء لبنان تحت الحافلة من خلال وكيلها نصر الله.
غضب حقيقي ضد حزب الله يتجلى في وسائل الإعلام
علاوة على ذلك، فإن مستوى الغضب بين المواطنين الشيعة العاديين في لبنان، الذين تضرروا من قرار حزب الله بالذهاب إلى الحرب، أعمق من ذلك.
“دمر المبنى الذي نعيش فيه، صدرت أوامر بعدم العودة وإحضار ملابسنا، حسناً، أعطونا بعض الملابس والأثاث. قالوا لنا، هذه مشكلتكم، عليكم حلها! ليس لدينا المال لنأكل، فيردون بأن هذا قرار من الأمن وأي شخص يعود إلى المنزل سيتم إطلاق النار عليه. يريدون اتخاذ قرارات بشأن منازلنا نيابة عنا”. هكذا قال أحد المواطنين اللبنانيين اليائسين من منطقة جنوب بيروت – معقل حزب الله – في مقطع فيديو انتشر على الإنترنت في 17 أكتوبر / تشرين الأول.
“هذه ليست أموالاً مصادرة يا أخي، هذه أموالي، يجب أن أعود إلى منزلي متى شئت، إذا أردت سأموت في الداخل”. قال المواطن. “يجب عليهم إزالة مخازن الذخيرة من تحت منازلنا، فهم يصعدون وينزلون منها طوال اليوم (مخازن الذخيرة) حتى ينتهي كل شيء”، أضاف المواطن. “فليزيلوا مخازنهم الموجودة تحت المبنى والتي يحتفظون بها بداخله”.
انتقاد الشارع الشيعي اللبناني لحزب الله يتفجر
إن الغضب تجاه حزب الله لا يصدر فقط من علماء الشيعة اللبنانيين، بل يمتد إلى السكان الشيعة في البلاد. ومن بين الأصوات الأكثر صخباً ضد حزب الله والسيطرة الإيرانية على لبنان المحلل السياسي هادي مراد.
مراد هو محلل شيعي ساخط يعتقد أن الشيعة اللبنانيين يتم إرسالهم ليُذبحوا مثل الغنم لصالح نظام الملالي الإيراني.
“هذا النظام الإيراني يدعو للقتال حتى آخر شيعي في لبنان. من هو هذا الإيراني ليطلب من اللبنانيين، من رئيس مجلس النواب بري، أن نقاتل معه في الحرب حتى آخر شيعي؟ لا يمكن للإيراني أن يعطينا الأوامر من فوق ومن تحت فنقاتل معه وهو جالس على طاولة المفاوضات”. هكذا قال مراد في مقطع فيديو قصير نشر على صفحته على الفيسبوك لشبكة المشهد اللبنانية في 7 أكتوبر/ تشرين الأول.
ودعا مواطنون لبنانيون آخرون غير شيعة الشيعة في لبنان إلى اغتنام هذه الأزمة كفرصة للانتفاض في وجه هيمنة حزب الله وإيران. وهذا ما فعله القاضي اللبناني بيتر جرمانوس في مقابلة مع شبكة الحدث في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول.
“هذه فرصة للقطاع الشيعي المحترم في لبنان، نحن كلبنانيين نعرف أن الكثير من دعاة الشيعة لا يؤيدون حزب الله وكثيرون غيرهم كانوا يتعاطفون مع حزب الله واليوم أدركوا أن إيران استغلت هذا الوضع وهناك خيانة إيرانية وهذا واضح”. قال جرمانوس، وأضاف: “المطلوب من كل الفصائل عدم قبول وجود حزب الله، ولكن أيضاً الفصل بين حزب الله والقطاع الشيعي، حزب الله شيء والطائفة الشيعية شيء آخر”.
ودعا جرمانوس بعد ذلك إلى انتفاضة شيعية لبنانية ضد إيران: “المطلوب الآن هو انتفاضة شيعية، ومفتاح الحل لهذه (الأزمة) هو انتفاضة شيعية حقيقية من أجل حياة الشيعة وليس من أجل قتل أبنائهم في سبيل البرنامج النووي الإيراني”.
وأضاف: “نعلم أن الأذرع الإيرانية ممتدة في المنطقة سواء كانت قوات الحشد الشعبي (العراق) أو الميليشيات السورية أو حزب الله أو الحوثيين (اليمن)، وهي امتداد للإمبراطورية الإيرانية أو جمهورية الخميني، وليس هي من يتخذ القرارات”. وتابع: “عندما انفجرت أجهزة الاستدعاء في لبنان.. انفجر أحدها بين يدي السفير الإيراني، وهذا يعني أن إيران عملياً تقود العمليات في لبنان”.
وقال جرمانوس: “عندما انتخب (الرئيس السابق) ميشال عون، رجل طهران في لبنان، في ما سمي بالتسوية الرئاسية، ووقع بقية زعماء الفصائل على هذه التسوية الرئاسية المشؤومة، تسلل حزب الله إلى الدولة العميقة اللبنانية بالكامل”.
فضائح جديدة عن عمليات حزب الله واستخدامه للدروع البشرية
لقد كانت قناة “الناجي اللبناني” على اليوتيوب، والتي يديرها الجنرال السابق في الجيش اللبناني تابت تابت، تكشف عن العمليات السرية لحزب الله لسنوات. وقد ذكر تقرير في السابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول: “كان قادة حزب الله ووسائل إعلامه وسياسيوه يقولون إنه إذا هاجمتمونا (إسرائيل)، فإننا سنهاجمكم ونزحف إلى الجليل والقدس، ولكن الحقيقة اليوم هي أنه عندما تهاجموننا (إسرائيل) فإننا نهرب. وبالأمس، كان لدينا محمد رعد (عضو مجلس النواب عن حزب الله) ووفيق صفا (ضابط التنسيق والاتصال في حزب الله) يختبئان بلا خجل بين المدنيين في بيروت”.
وجاء في التقرير أن “حزب الله يخزن أسلحته وذخائره داخل منازل المدنيين”.
محمد شعيب ناشط لبناني ومؤسس جبهة شعب الجنوب المستقلة. اختطفت ابنته ذات مرة على يد حزب الله وأغلقت ثلاثة متاجر تجارية يملكها بأمر منه. وبصفته شيعياً مقيماً في جنوب لبنان، فقد سئم من سياسات الحزب.
وقال شعيب في مقابلة أجريت معه في سبتمبر/ أيلول: “صدقوني، أنا مسؤول عن كل كلمة أقولها؛ أكثر من 95 في المائة من سكان جنوب لبنان يعارضون حكم حزب الله ولكنهم خائفون”.
وأضاف: “أنا أحد الأشخاص الذين حظروا تجارتي لسنوات وأغلقوا ثلاثة من متاجري”، وقد ألصقوا صور نصر الله عليها، وقالوا له “الانتقام قريب”.
وتابع شعيب: “الشعب الفلسطيني هو من يجب أن يحرر فلسطين، فلماذا نتحمل نحن في لبنان هذا العبء والدول العربية تكتفي بالمشاهدة؟”. وأضاف: “قلت قبل فتح الجبهة الجنوبية (لبنان) ضد إسرائيل أن ذلك فقط من أجل وضع إيران على طاولة المفاوضات”.
هل هي بداية النهاية لحزب الله؟
في هذه المرحلة، وعلى الرغم من الضربات التي وجهها الإسرائيليون لحزب الله، فمن السابق لأوانه أن نعلن زوال الوكيل الإرهابي المفضل لإيران في الشرق الأوسط إلى الأبد. فلسنوات، لم يجرؤ سوى قِلة من الناس على انتقاد حزب الله خوفاً من فقدان حياتهم. ولم يتردد حزب الله في إعدام زعماء لبنان والصحفيين والمسيحيين والدروز، كما لم يتردد في إثبات وحشيته في سوريا وقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين بأمر الأسد. ومع ذلك، فإن الانتقادات العلنية لحكم حزب الله من قِبَل قادة لبنانيين من جميع الخلفيات الدينية تشير إلى احتمال أن تكون قبضة إيران الخانقة على لبنان قد اقتربت أخيراً من نهايتها.
الكاتب: هاني غرابة*
الرابط:
https://www.investigativeproject.org/9377/hezbollah-loses-popular-lebanese-and-shia-support
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب مصري ومحلل سياسي ومتخصص في مكافحة الإرهاب في جريدة الأهرام الأسبوعية ومساهم منتظم في بي بي سي، وهو مؤلف كتاب “الربيع العربي في مصر: الطريق الطويل والمتعرج نحو الديمقراطية”.