تقارير ودراسات

تنظيم الدولة الإسلامية يدعو إلى الجهاد في السودان

“السودان المنسي”، هذا هو عنوان افتتاحية نشرة النبأ الأسبوعية (العدد 479) التي يصدرها تنظيم الدولة الإسلامية، والتي تسلط الضوء على أنشطته العالمية. في المقال، يدعو محررو النشرة صراحة إلى الجهاد ويزعمون أن المسلمين في السودان يجب أن يحملوا السلاح تحت راية تنظيم الدولة الإسلامية.

والآن ينضم تنظيم الدولة الإسلامية إلى منافسه، تنظيم القاعدة، في إثارة الجهاد العنيف في السودان، وتشجيع الأفراد والجماعات السودانية على الانضمام إليه. وكانت القاعدة قد دعت لأول مرة إلى الجهاد السوداني في أواخر عام 2022، قبل أشهر فقط من بدء الحرب الأهلية الحالية في البلاد.

وجاء في الافتتاحية: “ومن الجراح النازفة بصمت وبلا توقف جراح إخواننا المستضعفين في السودان المنسي، حيث يتعرض المسلمون هناك لأبشع جرائم القتل والأسر والتعذيب وانتهاك الأعراض والحرمات وسلب الأموال والممتلكات”.

ويزعم تنظيم الدولة الإسلامية أن كلا الطرفين المتحاربين في السودان مسؤولان عن هذا الصراع، وأن “[عبد الفتاح] البرهان و [محمد حمدان دقلو] حميدتي أعداء للإسلام والمسلمين، وبالتالي يجب معاداتهما وتكفيرهما، ولا ينبغي الاعتماد على أيّ منهما، مهما كانت نتيجة المعركة بينهما”.

البرهان، الذي فرضت عليه وزارة الخزانة الأمريكية مؤخراً عقوبات، هو قائد القوات المسلحة السودانية والزعيم الفعلي للسودان. وحميدتي، الذي فرضت عليه أيضاً الحكومة الأمريكية عقوبات، هو قائد قوات الدعم السريع، وهي استمرار لميليشيات الجنجويد السابقة المسؤولة عن الإبادة الجماعية في دارفور في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

كان كل من قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية أدوات للسلطة في ظل نظام الدكتاتور السابق عمر البشير. وبعد عزل البشير في أوائل عام 2019، تولت حكومة انتقالية بقيادة مدنيين وعسكريين رئاسة السودان حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2021، عندما أقالت القوات المسلحة السودانية جميع القيادات المدنية وأعلنت الحكم العسكري. ثم تنافست القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على السلطة والنفوذ في ظل النظام العسكري، حتى تحولت التوترات في نهاية المطاف إلى حرب مفتوحة في أبريل/ نيسان 2023.

واتُّهمت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بارتكاب فظائع جماعية وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان منذ بدء الحرب الأهلية.

وبحسب تنظيم الدولة الإسلامية، فإن الفصيلين الرئيسيين في الحرب الأهلية “جزء من النظام العالمي الكافر، ويسعيان إلى ترسيخ الحدود الجاهلية التي تقيد المسلمين وتسجنهم”. وتتابع الافتتاحية قائلة إن “من يتابع سلسلة خطواتهم التي أجروها بإشراف أمريكا علم أنهم يجتهدون في إرساء دولة علمانية محاربة للشريعة موالية لليهود والنصارى”.

ووفقاً للجماعة، فإن الحل لاستعادة شرف وكرامة المسلمين في السودان بسيط للغاية: الجهاد. تقول الافتتاحية: “إن نصرة المسلمين في السودان واجب على كل مسلم قادر تماماً كما هو الحال في العراق والشام واليمن وفلسطين وغيرها. ولا يكون ذلك إلا بالجهاد والقتال، أو ما يعين عليه من الإنفاق والتحريض”.

وبالإضافة إلى الإشادة بفضائل نصرة المسلمين، يصعد تنظيم الدولة الإسلامية من دعوته إلى حمل السلاح: “هذه رسالة إلى شباب المسلمين وأنصار المجاهدين في السودان بوجوب العمل والسعي الحثيث لاستغلال الأحداث لمصلحة الجهاد، عبر الاستقطاب والتجنيد والإعداد بغية إنشاء نواة للجهاد تتصدى للأخطار المحدقة وتؤسس لجهاد طويل المدى”.

وفي حديثه إلى المدنيين العاديين، ينهي تنظيم الدولة الإسلامية خطابه بتشجيعهم على العودة إلى الله، وإعلان الجهاد، ودعم المجاهدين، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لإنقاذ أنفسهم وفقاً للجماعة الجهادية العالمية.

العمل من أجل “الجهاد” في السودان

على الرغم من أن تنظيم الدولة الإسلامية يدعو الآن علناً إلى “الجهاد” في السودان، فقد عمل بهدوء في البلاد بخلية مخصصة منذ عام 2019 على الأقل – على الرغم من أن المجندين والميسرين كانوا نشطين قبل ذلك. على سبيل المثال، كان المقاتلون السودانيون من بين أكبر المكونات الأجنبية في تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا خلال ذروته في عام 2016.

وقد حاولت السلطات السودانية في السابق القضاء على هذه الشبكة الصغيرة نسبياً من خلال الإعلان بشكل دوري عن مداهمات أو اعتقالات لأعضاء تنظيم الدولة الإسلامية، كما حدث في سبتمبر / أيلول وأكتوبر / تشرين الأول 2021، عندما اعتقلت السلطات أكثر من اثني عشر عضواً في التنظيم وقتلت آخرين في جميع أنحاء الخرطوم.

ومع ذلك، استمرت الشبكة في العمل. ولكن لا يبدو حتى الآن أنها شبكة لشن هجمات، بل هي للتمويل والإمداد والخدمات اللوجستية لخلايا أخرى للتنظيم.

لقد أصدر فريق العقوبات والمراقبة التابع للأمم المتحدة تقارير دورية عن هذه الشبكة. ففي يوليو/ تموز 2023، أشار تقرير إلى أن شبكة تنظيم الدولة الإسلامية في السودان تضم ما بين 100 و200 شخص ويرأسها جهادي عراقي مخضرم، أبو بكر العراقي، وهو أحد أقارب زعيم التنظيم السابق أبو بكر البغدادي.

وتحت قيادة العراقي، وُصفت الشبكة بأنها “قاعدة لوجستية ومالية […] يتم من خلالها الدعم والإمداد”. ويشير التقرير أيضاً إلى أن العراقي يدير مجموعة من الشركات في كل من السودان وتركيا، والتي تُستخدم أرباحها لدعم تنظيم الدولة الإسلامية في جميع أنحاء إفريقيا، وخاصة في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل.

وعلى الرغم من أن تقرير الأمم المتحدة لم يذكر هذا، فمن المرجح أن الشبكة السودانية تساعد أيضاً على دعم ولاية الصومال التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، حيث يمثل المقاتلون السودانيون عنصراً مهمًّا من المقاتلين الأجانب في تلك الجماعة. وربما تساعد الشبكة السودانية أجنحة أخرى لتنظيم الدولة الإسلامية في إفريقيا أيضاً، وإن كان هذا الدعم غير واضح.

لا يُعرف الكثير عن أنشطة تنظيم الدولة الإسلامية في السودان. ولكن مع الدعوة العلنية التي أطلقها التنظيم للجهاد في البلاد، فلابد من مراقبة هذه الشبكة عن كثب؛ لأنها قد تتحول من مرحلة الدعم إلى مرحلة العمليات / الهجوم.

من الواضح أن تنظيم الدولة الإسلامية يمتلك بالفعل هيكلاً أساسيًّا، يمكنه من خلاله بناء ما يسمى “ولاية” جديدة داخل هيكل المجموعة ككل. ومع ذلك، يظل السؤال الكبير هو ما إذا كان التنظيم يشعر بالثقة الكافية للانتقال إلى حرب مفتوحة في السودان أم لا. وبغض النظر عن ذلك، ينبغي النظر إلى هذا السيناريو بوصفه احتمالاً ممكناً.

وكما ذكرنا، حاول تنظيم القاعدة، منافس تنظيم الدولة الإسلامية، أيضاً إثارة الجهاد في السودان. على سبيل المثال، في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، أصدر أبو حذيفة السوداني، العضو المخضرم في القاعدة، كتيباً حرض فيه على الجهاد، مقدّماً بذلك دليلاً يمكن للجهاديين المحتملين استخدامه لتشكيل مجموعة موحدة في وطنه السودان.

ولكن حتى الآن لم يسفر نداء القاعدة لحمل السلاح عن أي نتيجة، على الأقل علناً. ومع ذلك، كثيراً ما كانت القاعدة تعمل في سرية أكبر من تنظيم الدولة الإسلامية، وبالتالي فقد يكون لديها نوع من الخلايا الكامنة وغير المعروفة.

ومن الجدير بالذكر أن الإسلاميين يقاتلون بالفعل إلى جانب القوات المسلحة السودانية، وخاصة كتيبة البراء بن مالك، ومجموعات أخرى ضمن مظلة “المقاومة الشعبية” الأوسع نطاقاً تحت وصاية الجيش. كما تم إطلاق سراح الجهاديين في عمليات هروب مدبرة من السجون منذ بدء الحرب الأهلية. ومن المؤكد أنه من الممكن أن يكون الأفراد المرتبطون سابقاً بتنظيم القاعدة نشطين بالفعل إلى جانب القوات المسلحة السودانية، ولكن هذا يظل غير مؤكد تماماً.

إن تنظيم القاعدة له تاريخ أطول في السودان، حيث كان متمركزاً هناك في أوائل التسعينيات. وكان له خلايا مختلفة في البلاد على مر السنين، مثل خليته في سلامة، إحدى ضواحي الخرطوم، في عام 2007؛ وخليته في محمية الدندر الوطنية في عام 2012؛ ومنظمتين، أنصار التوحيد والقاعدة في بلاد النيلين، في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

في السنوات الأخيرة، لم يُعرف عن تنظيم القاعدة بشكل خاص أي نشاط داخل السودان. ولكن كما أوضح كتيب أبو حذيفة السوداني، فمن الواضح أن التنظيم يرغب في ذلك. ويبقى أن نرى ما إذا كان سيبذل جهداً علنياً أكثر تنسيقاً في مواجهة الدعوة المنفصلة التي وجهها تنظيم الدولة الإسلامية لحمل السلاح أم لا.

على أي حال، فقد دعت المنظمتان الجهاديتان العالميتان الآن علناً إلى الجهاد في السودان، ومن المعروف بالفعل أن تنظيم الدولة الإسلامية لديه بنية تنظيمية قائمة نشطة داخل البلاد. ومع استمرار الحرب الأهلية وتدهورها إلى المزيد من الفوضى والفظائع، فقد يجد الجهاديون المزيد من الفرص للتدخل في الحرب والدفع بأنفسهم إلى مواقع متقدمة من الصراع.

الكاتب: كاليب فايس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى