تقارير ودراسات

تكتيكات طهران للسيطرة على الأضرار في ظلّ انتكاسات حزب الله

في ضوء الخسائر الكبيرة التي تكبدها حزب الله والمخاوف المتصاعدة في طهران بشأن هجوم إسرائيلي غير متوقع، يبدو أن استراتيجية النظام الإيراني الحالية تتمثل في الحد من الأضرار. وتعتقد إيران أنه ما دام هناك أساس يمكن البناء عليه، فإنها تستطيع في نهاية المطاف إعادة ترسيخ نفوذها في جنوب لبنان.

ولتحقيق هذه الغاية، تسعى الجمهورية الإسلامية إلى تعزيز صورة الحرب الشاملة من خلال سلسلة من الهجمات المتفرقة ولكن المدروسة عبر وكلائها. ولا يفيد هذا النهج في إظهار القوة لأنصارها فحسب، بل ويراهن أيضاً على إمكانية قيام الولايات المتحدة بممارسة الضغوط على إسرائيل لوقف ضرباتها ضد الميليشيات الإيرانية.

وقد كرر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان وإدارته مؤخراً تهديد النظام بالتصعيد، محذرين من احتمال اندلاع صراع إقليمي أوسع نطاقاً. ففي حديثه إلى الصحافيين في نيويورك في الثالث والعشرين من سبتمبر/ أيلول قبل حضوره اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حذر بزشكيان من العواقب “التي لا رجعة فيها” التي قد تترتب على اندلاع حرب إقليمية، وأضاف أن “الجمهورية الإسلامية سوف تدافع عن أي جماعة تدافع عن حقوقها وعن نفسها”. وفي اليوم نفسه، ردد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي هذه التهديدات وتعهد “بالانتقام لمقتل هنية” و”الدفاع عن لبنان ضد إسرائيل”. وخلال مقابلة مع شبكة سي إن إن في الرابع والعشرين من سبتمبر/ أيلول، أشار بزشكيان مرة أخرى إلى أن الضربات الإسرائيلية على جنوب لبنان من شأنها أن تؤدي إلى صراع أوسع نطاقاً، وقال: “لا يستطيع حزب الله أن يقف وحيداً في مواجهة إسرائيل؛ ولا ينبغي لنا أن نسمح للبنان بأن يتحول إلى غزة أخرى”.

وبالإضافة إلى إثارة المخاوف بشأن تداعيات استهداف إسرائيل لحزب الله في لبنان، فإن الهدف التكتيكي المباشر الآخر للاستراتيجية الإيرانية هو طمأنة المؤيدين داخل إيران وفي مختلف أنحاء المنطقة بأنها تتخذ إجراءات حاسمة بشكل نشط.

فقد أشادت وسائل الإعلام الإيرانية بهجمات حزب الله ردّاً على الضربات الإسرائيلية التي قضت على مسؤولين رفيعي المستوى في الحزب. أشاد مقال نُشر في 24 سبتمبر/ أيلول بواسطة وكالة تسنيم نيوز التابعة للحرس الثوري بهجمات حزب الله الصاروخية على إسرائيل وسلط الضوء على “العدد غير المسبوق من صفارات الإنذار الإسرائيلية التي انطلقت منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول”. ونشرت وكالة ديفا برس التابعة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية مقالاً في 24 سبتمبر/ أيلول بعنوان “صواريخ حزب الله في قلب تل أبيب” أشاد باستخدام الحزب للطائرات بدون طيار والصواريخ والقذائف لضرب المدن الإسرائيلية الكبرى مثل تل أبيب وحيفا. كما أفادت وكالة مهر نيوز الممولة من الحرس الثوري باستخدام حزب الله لأول مرة لصاروخ “فادي 3” ضد إسرائيل.

وعلى الرغم من الادعاءات والتهديدات العديدة الصادرة عن إيران ووكلائها، فقد امتنع حزب الله عن نشر ترسانته المتقدمة، في حين أبدت طهران ترددها في المشاركة بشكل أكثر مباشرة في الصراع. وذكر موقع أكسيوس في 24 سبتمبر/ أيلول أن حزب الله حث إيران على شن هجوم ضد إسرائيل، وهو الطلب الذي رفضته طهران.

وبدلاً من ذلك، استغل النظام وكلاء آخرين لخلق مظهر خادع لصراع إقليمي أوسع، مع تجنب المشاركة المباشرة. استهدفت المقاومة الإسلامية المدعومة من إيران في العراق، وهي جماعة إرهابية مُصنفة، إسرائيل باستخدام طائرات بدون طيار انتحارية من طراز “الأرفد”، والتي اعترضتها قوات الدفاع الإسرائيلية. ومن خلال استخدام الوكلاء، تهدف طهران إلى إعادة التأكيد على أن المنطقة سوف تكون في حالة من الفوضى ما لم تمتنع تل أبيب عن الانتقام من حزب الله.

وتسعى استراتيجية إيران أيضاً إلى الاستفادة من الضغوط الدولية المستمرة ضد إسرائيل لتجنب خطر اندلاع حرب إقليمية شاملة محتملة. ففي الثالث والعشرين من سبتمبر/ أيلول، حذر وزراء خارجية مجموعة الدول السبع من أن الصراع بين إسرائيل وحزب الله قد يتصاعد إلى مواجهة أوسع نطاقاً: “إن الإجراءات وردود الفعل المضادة قد تؤدي إلى تضخيم هذه الدوامة الخطيرة من العنف وجر الشرق الأوسط بأكمله إلى صراع إقليمي أوسع نطاقاً مع عواقب لا يمكن تصورها”. وعلى نحو مماثل، دق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ناقوس الخطر بشأن “الوضع المتصاعد على طول الخط الأزرق”، في إشارة إلى خط ترسيم الحدود الذي يفصل لبنان عن إسرائيل ومرتفعات الجولان.

إن تردد إيران في شنّ ضربات ضد إسرائيل من الأراضي الإيرانية ينبع من سببين رئيسين: الخوف من التدخل الأمريكي نيابة عن إسرائيل، وإمكانية أن تشن إسرائيل هجوماً انتقامياً غير متوقع، على غرار الهجمات التي استهدفت أنظمة الاتصالات التابعة لحزب الله.

فيما يتعلق بالنقطة الأولى، كرر البنتاغون دعمه لإسرائيل في 23 سبتمبر/ أيلول. وأكد وزير الدفاع لويد جيه أوستن “التزام الولايات المتحدة بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في أعقاب سلسلة من الهجمات الصاروخية التي شنها حزب الله اللبناني” خلال محادثات هاتفية مع مسؤولين إسرائيليين. علاوة على ذلك، تنشر الولايات المتحدة أيضاً قوات إضافية في المنطقة رداً على التصعيد الشديد بين إسرائيل ووكلاء إيران.

وبالنسبة إلى النقطة الثانية، تسببت موجتا الهجوم على أجهزة النداء وأنظمة الراديو التابعة لحزب الله في حالة من الذعر بين المسؤولين في طهران، مما ساهم في خوف إيران من استهداف إسرائيل مباشرة من أراضيها.

ففي الثالث والعشرين من سبتمبر/ أيلول، ذكرت وكالة رويترز أن الحرس الثوري حظر استخدام جميع أجهزة الاتصال، كما زُعم أنه يحقق مع أفراده للكشف عن علاقات محتملة مع الموساد. وقبل ذلك بيوم، أشارت وكالة دف برس التابعة للنظام أن أفراد الأمن الإيرانيين ألقوا القبض على 12 شخصاً بدعوى أنهم “يعملون لصالح النظام الصهيوني لتنفيذ إجراءات أمنية مناهضة في 6 محافظات”.

الرابط:

https://www.longwarjournal.org/archives/2024/09/analysis-tehrans-damage-control-tactics-amidst-hezbollahs-setbacks.php

زر الذهاب إلى الأعلى