تركيا تخطط لإدارة سوريا من خلال هيكل موازٍ
علم موقع “نورديك مونيتور” أن الحكومة التركية أطلقت خطة سرية لإنشاء هيكل ظلّ موازياً لحكم سوريا بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، من خلال هجوم خاطف مدعوم من المخابرات التركية، يشمل المتمردين والجماعات الجهادية.
ومن المقرر أن تتوسع الخطة، التي تم اختبارها وتنفيذها جزئيّاً في البداية في المناطق التي يسيطر عليها الجيش التركي في شمال شرق سوريا منذ عام 2016، لتطبَّق في جميع أنحاء البلاد، إذا نجح المتمردون في الحفاظ على السيطرة على كامل الأراضي السورية.
وبموجب هذه الخطة، تعتزم الحكومة التركية تعيين مسؤولين كبار تحت ستار مستشارين لمساعدة السلطات السورية الجديدة على إدارة مختلف الحقائب الحكومية. وسيتم توجيه هؤلاء المسؤولين للبقاء خلف الكواليس لتجنب ظهورهم كأشخاص يتدخلون في الشؤون الداخلية للحكومة المؤقتة أو خليفتها بعد الانتخابات المتوقعة.
وتبرر تركيا نشر قوة كبيرة من المستشارين في مختلف قطاعات الحكومة السورية بتقديم الدعم لتعزيز قدرة البلاد على الحكم، وتبادل الخبرات، والمساعدة على إعادة بناء مؤسساتها الضعيفة.
ولكي تنجح الخطة، فإن الأولوية القصوى لتركيا هي تعزيز الأمن في سوريا، وتقديم الأمل لملايين الأشخاص الذين عانوا من عقود من القمع والصراع الداخلي والعنف. وتقترح الخطة التركية دمج قوات الجيش السوري الحالية في قوة عسكرية جديدة بقيادة الجيش الوطني السوري والجماعات الجهادية، مثل هيئة تحرير الشام.
إن أنقرة عازمة على عدم تكرار الخطأ الذي ارتكبته الولايات المتحدة في العراق بحلّ الجيش الوطني بأكمله. فقد أدت عملية اجتثاث البعث في العراق إلى ظهور الميليشيات المسلحة وسنوات من الصراع الداخلي والعنف. وإذا اندلع مثل هذا الصراع في سوريا، فسوف يكون له عواقب وخيمة على تركيا، التي تشترك مع سوريا في حدود يبلغ طولها 911 كيلومتراً.
وتبدأ خارطة الطريق بإنشاء بنية تحتية أمنية من خلال دمج الميليشيات والجماعات المتمردة [الجهادية] مع الجيش السوري وأجهزة إنفاذ القانون، بعد إبعاد الأفراد الذين لديهم سوابق إجرامية تتعلق بالتعذيب والقتل. ولا شك أن هذه مهمة صعبة. ولمنع ظهور ميليشيات مسلحة جديدة يمكن أن تتحدى حكم ما بعد الأسد، تسعى أنقرة إلى أن يتواصل زعيم هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، مع الأقليات، بما في ذلك الأكراد والعلويين. ومع ذلك، لا يزال من غير المؤكد مدى نجاح هذا الجهد.
وعلى الجانب المدني، تخطط أنقرة للاستفادة من كبار الشخصيات السورية الذين كانوا جزءاً من المعارضة التي تتخذ من إسطنبول مقرّاً لها، والتي أنشئت بدعم وتوجيه من حكومة أردوغان وجهاز استخباراته، في عام 2011. ومن بين الأسماء المتداولة بالفعل أحمد معاذ الخطيب، الإمام السابق للجامع الأموي في دمشق، والذي قاد كتلة المعارضة السورية، المجلس الوطني السوري، من تركيا ما بين عامي 2012 و2013.
ومن الشخصيات الرئيسة الأخرى رياض فريد حجاب، رئيس الوزراء السوري السابق الذي انشق إلى تركيا في عام 2012، وتولى فيما بعد منصب رئيس المعارضة السورية لقيادة المفاوضات في عملية جنيف في عام 2015، قبل أن يستقيل من هذا المنصب. وخالد خوجة، وهو سوري تركماني حصل على الجنسية التركية وغير اسمه إلى ألبتكين هوجا أوغلو.
وكان خوجة زعيماً لجماعة المعارضة التي تتخذ من إسطنبول مقرّاً لها، المجلس الوطني السوري، ما بين عامي 2015 و2016. ومع ذلك، قد تكون علاقته مع أردوغان متوترة، حيث انضم خوجة لاحقاً إلى حزب المستقبل التركي بقيادة أحمد داود أوغلو، الذي انفصل عن أردوغان.
جورج صبرا، السياسي السوري المسيحي الذي قاد المجلس الوطني السوري في عام 2012، هو اسم آخر تدرسه الحكومة التركية. غادر صبرا المجلس الوطني السوري في عام 2018، ويقيم حالياً في باريس. قد يعزز إدراجه المحتمل في الحكومة المؤقتة شرعيتها ويساعد على مواجهة الانتقادات التي تفيد بأن سوريا معرضة لخطر حكم شخصيات جهادية.
ويقيم عارف دليلة، وهو خبير اقتصادي سوري ينتقد نظام الأسد على الرغم من أنه ينتمي إلى نفس الخلفية العلوية، في الإمارات العربية المتحدة. وفي حين أنه من غير الواضح ما إذا كان دليلة على استعداد للمشاركة، فإن اسمه قيد الدراسة في أنقرة. كما يحظى عبد الباسط سيدا، وهو سياسي كردي سوري قاد المجلس الوطني السوري لفترة وجيزة، بقبول حكومة أردوغان بسبب معارضته لحزب العمال الكردستاني وفروعه في سوريا.
لقد قامت تركيا بالفعل بتجميع مجموعة من السوريين الذين تم انتقاؤهم من بين عدد كبير من اللاجئين السوريين في البلاد، والذين يبلغ عددهم حوالي ثلاثة ملايين لاجئ، مع خطط لإعادتهم إلى سوريا. وقد تم تشجيع العديد منهم على العودة والانتشار في المحافظات والمدن والبلدات للمساعدة على تعزيز مكاسب القوات المتمردة. ووفقاً لوزارة الداخلية التركية، عاد 7621 سورياً إلى سوريا في الفترة من 9 إلى 13 ديسمبر / كانون الأول، ومن المتوقع عودة المزيد في الأيام المقبلة.
وتدرس تركيا الآن خطوة أخرى تتلخص في التوصل إلى اتفاق سريع مع الحكومة المؤقتة لإضفاء الشرعية على وجود قواتها في الأراضي السورية. وسوف يتبع ذلك اتفاق شامل للتدريب العسكري والتعاون الدفاعي، مما يسمح لتركيا بالمساعدة على إعادة هيكلة الجيش السوري الذي يتم تشكيله الآن. وفي استعراضه السنوي مع الصحافيين الأسبوع الماضي، أشار وزير الدفاع التركي يشار جولر إلى أن مثل هذه الاتفاقيات قيد الإعداد بالفعل.
وهناك خطوة أخرى في الخطة التركية، تتمثل في إنشاء لجنة دستورية مكلفة بصياغة ميثاق أساسي لسوريا الجديدة وتحديد وضع الأقليات، وخاصة الأكراد. ولتبسيط هذه المهمة، تسعى تركيا إلى اقتراح إنشاء لجنة مصالحة من شأنها تسهيل عملية الانتقال وتوحيد الجماعات المهمشة. ويُنظَر إلى هذه الخطوة بوصفها أمراً بالغ الأهمية لضمان شرعية أي حكومة سورية مستقبلية.
ولكن التحدي الأساسي يظل قائماً في كيفية تمويل الاقتصاد السوري، الذي دمره الصراع الداخلي والفساد المستشري والعقوبات الدولية. وتأمل تركيا في تجنيد حليفتها الوثيقة، قطر الغنية، وربما دول أخرى لتمويل هذه العملية. وقد كُلِّفت وزارة الخارجية التركية بالفعل بتنظيم مؤتمر دولي للمانحين لدعم هذه الجهود.
وفي حين أنه من المرجح أن تقدم أنقرة بنود هذه الخطة إلى الشركاء الدوليين والإقليميين من خلال نقاط حوار مصممة بعناية في إطار خطاب التعاون الدولي والإقليمي؛ فإن الواقع هو أن الرئيس أردوغان يهدف إلى تشكيل سوريا جديدة على صورته، مع الدين والهوية التركية والنزعة العثمانية الجديدة بوصفها خصائص مهيمنة.
إن المناطق الواسعة التي احتلها الجيش التركي والجماعات المتمردة [الجهادية] المدعومة من الحكومة التركية في شمال وشمال شرق سوريا على مدى السنوات الخمس الماضية تقدم شواهد على رؤية أنقرة لسوريا المستقبلية. ففي مدن مثل تل أبيض ورأس العين، وهي مناطق السيطرة العسكرية التركية، تم تعيين نواب المحافظين الأتراك من المحافظات الحدودية كحكام فعليين، على الرغم من تقديم شخصيات سورية رسمية كحكام. وكان نواب المحافظين الأتراك هم من يتخذون القرارات خلف الكواليس.
ويتم الحفاظ على الأمن في هذه المناطق من خلال الجهود المشتركة للجيش التركي والجيش الوطني السوري والمخابرات التركية والجماعات المتمردة [الجهادية] التابعة لها. وقد تحركت تركيا بسرعة لإعادة تقديم الخدمات العامة الأساسية، بما في ذلك المياه والكهرباء والرعاية الصحية والتعليم والاتصالات والبنية التحتية، من أجل ضمان ولاء السكان المحليين. وتم نشر مئات الخبراء والمستشارين من الحكومة التركية للإشراف على العمل في مختلف القطاعات، إلى جانب توفير الإمدادات اللوجستية والتمويل.
إن الإدارة في هذه المناطق مفوضة رسمياً إلى المجالس المحلية للمدن والبلدات من أجل الحفاظ على الشرعية أمام السوريين، على الرغم من أن القرارات الحقيقية يتخذها مسؤولون أتراك يعملون خلف الكواليس. كان هذا النهج جزءاً من الخطة الأصلية التي وضعتها تركيا في عام 2011، عندما قررت حكومة أردوغان الإطاحة بنظام الأسد بالقوة. لم تعمل تركيا على تشكيل جيش متمرد عُرف آنذاك باسم الجيش السوري الحر فحسب، بل أنشأت أيضاً مجالس محلية موازية لحكم البلدات والمدن والمحافظات السورية.
وقد تم اختيار أعضاء هذه المجالس من بين السوريين الموالين للحكومة التركية أو أولئك الذين لن يتمردوا على الحكم التركي في مقابل الحصول على امتيازات وفوائد في سوريا الجديدة. ومع ذلك، تعطلت خطط تركيا مع التدخل الروسي والتعاون الأمريكي مع الجماعات الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني المحظور في عام 2015. ونتيجة لذلك، اضطر العديد من أعضاء المجالس المعينين إلى التواري عن الأنظار.
وتسعى حكومة أردوغان إلى إحياء هذه الخطة الآن بعد أن أصبحت دمشق تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، التي تعاونت منذ فترة طويلة مع وكالة الاستخبارات التركية، وتلقت التمويل والإمدادات عبر الحدود التركية السورية لسنوات. ويشكل الظهور العلني لرئيس الاستخبارات التركية إبراهيم كالين مع أحمد الشرع (الجولاني) في دمشق والصلاة معاً في المسجد الأموي تعبيراً واضحاً عن هذه الشراكة التي ظلت سرية لسنوات بين جهاز الاستخبارات التركي وهيئة تحرير الشام.
وفي المناطق الخاضعة بالفعل لسيطرة الجيش التركي، واصلت حكومة أردوغان ما أسماه البعض مشروع “التتريك”، بتغيير أسماء الطرق والساحات العامة إلى أسماء تركية وعثمانية. على سبيل المثال، تم تغيير اسم ساحة عفرين إلى ساحة رجب طيب أردوغان، وتم تغيير اسم الحديقة العامة في إعزاز إلى حديقة الأمة العثمانية.
وقد تأثرت المناهج الدراسية في هذه المناطق بشكل كبير بمناهج وزارة التعليم الوطني التركية، مع إعادة النظر في تاريخ سوريا في ظل الحكم العثماني. كما أنشأت الجامعات الحكومية التركية فروعاً محلية لها، وأصبح التعليم العالي في هذه المناطق مرتبطاً الآن بمجلس التعليم العالي في أنقرة. علاوة على ذلك، تم إنشاء مراكز ثقافية تركية لتعليم اللغة والثقافة والتاريخ التركي للسكان المحليين.
في الوقت نفسه، فرضت حكومة أردوغان الليرة التركية كعملة للتجارة في السوق لتحل محل الليرة السورية. وفتحت البنوك الحكومية التركية فروعاً محلية، كما أنشأت هيئة البريد التركية، التي تدير توزيع الرسائل والطرود فضلاً عن تقديم الخدمات المالية مثل التحويلات البرقية، مكاتب في هذه المناطق.
علاوة على ذلك، أنشأ المسؤولون الحكوميون الأتراك إدارات (تركية) جديدة للسجل المدني للإشراف على الخدمات المقدمة للسكان المحليين في هذه المناطق، واستبدال السجلات الصادرة عن السوريين، حتى إن الحكومة التركية أصبحت تصدر وثائق الهوية، كما أن الأمور القضائية تُدار جزئيّاً من قبل تركيا. في عفرين، على سبيل المثال، أعيد تصميم محكمة محلية لاستيعاب المدعي العام التركي المنتدب من تركيا.
وأصبح تعليق صور الرئيس التركي أردوغان في مكاتب المباني الرسمية أمراً شائعاً، كذلك أنشأ حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه أردوغان مكاتب محلية في هذه المناطق.
كما اتُهمت حكومة أردوغان بتغيير التركيبة السكانية في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش التركي من خلال إجبار السوريين غير الموالين لتركيا على المغادرة. وفي الوقت نفسه، تم جلب النازحين من تركيا وأجزاء أخرى من سوريا للاستقرار في المناطق التي أخلاها أولئك الذين فروا من المنطقة خوفاً من الحكم التركي أو أجبروا على المغادرة تحت التهديد.
كما أسست مديرية الشؤون الدينية التابعة للحكومة التركية (ديانت) هياكلها في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية، حيث تقوم بتدريب وتجنيد الأئمة الذين يلتزمون بأيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين، فضلاً عن الأيديولوجيات الجهادية المتطرفة الأخرى. ويدير المساجد في هذه المناطق أفراد تم فحصهم والموافقة عليهم من قبل مديرية الشؤون الدينية (ديانت).
في منطقة صغيرة نسبياً بالقرب من الحدود التركية، ربما نجحت أنقرة في خلق نموذجها التركي في شمال شرق سوريا. ولكن تكرار هذه العملية على نطاق أوسع لتشمل كل أنحاء سوريا ليس بالمهمة السهلة، وهو ما قد يؤدي إلى إثارة استياء شديد وردود فعل قوية من قبل السوريين.
في كل الأحوال، فإن استقرار سوريا يتطلب تعاون تركيا مع الجيران والقوى الإقليمية واللاعبين الدوليين الرئيسيين، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين. وإذا لم يتم التوصل إلى صفقة كبرى بين هذه الأطراف وأصرت أنقرة على متابعة سياسة “الوصاية” هذه بمفردها، فقد تواجه سوريا عقداً آخر من الصدامات العنيفة والتمردات والصراعات المسلحة.
المصدر: موقع “نورديك مونيتور”