ترسيخ التطرف: أجندة طالبان في أفغانستان

أفغانستان هي الدولة الوحيدة في العالم التي يُحظر فيها على النساء والفتيات التعليم والعمل في أغلب القطاعات، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية. وفي حين حظيت القيود المفروضة على النساء والفتيات بقدر من الاهتمام الدولي، فإن أحد الجوانب المهمة لنظام طالبان القمعي الذي لم يحظ باهتمام كاف هو التلقين المنهجي للأولاد، ومؤخراً الفتيات الصغيرات في بعض المحافظات، من خلال التعليم.
لقد شمل النظام التعليمي الذي تأسس في أفغانستان في ظل الحكومة السابقة المعترف بها دوليًّا، وخاصة المناهج المدرسية والجامعية، العديد من المواد والتعاليم الدينية. وقد أثار انتشار الدراسات الإسلامية على نطاق واسع في كل المؤسسات التعليمية مخاوف بشأن تأثيرها المحتمل على التطور الإيديولوجي للطلاب. وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن النهج المتبع في التعليم الإسلامي في المدارس والجامعات ربما ساهم في تطرف بعض الطلاب، مما دفعهم إلى الانضمام إلى منظمات متطرفة مثل طالبان وغيرها من الجماعات الإسلاموية المتطرفة.
ومع ذلك، فإن التفسير الصارم للإسلام الذي تتبعه طالبان دفعهم إلى النظر إلى نظام التعليم السابق على أنه “إسلامي” بدرجة غير كافية، مما حملهم على إدخال تغييرات شاملة على المناهج الدراسية. في ديسمبر / كانون الأول 2022، نُشر مخطط منقح لمنهج طالبان المدرسي، والذي اقترح استبدال المواد المدنية بالمواد الدينية. وعلى وجه الخصوص، اقترحت الخطة إلغاء ثلاثة مواد: الفنون الجميلة، والتربية المدنية، والدراسات الثقافية، حيث اعتبرت أن الفن “عديم الفائدة”، وأن التربية المدنية – التي تضمنت موضوعات مثل دستور البلاد لعام 2004، والديمقراطية، وحقوق الإنسان – “ضارة”، وأن الدراسات الثقافية “غير ضرورية”.
وتضمن مخططهم التعديلي أيضاً، إزالة صور الكائنات الحية من الكتب المدرسية؛ لأنهم يعتقدون أن تصوير الحيوانات والبشر مخالف للتعاليم الإسلامية. كما يصرون على أن الصور قد تكون ضارة بعقول الطلاب الصغار، ويصفون صور الرياضيين المطبوعة في الكتب المدرسية بأنها “شبه عارية”. وتؤكد الخطة بشكل خاص على إدراج الجهاد والمفاهيم الجهادية في المناهج الدراسية، مع التركيز على أن “جوهر مفهوم الجهاد هو القتال بالسيف”.
بالإضافة إلى التغييرات التي طرأت على المناهج الدراسية، أعلن زعماء طالبان مراراً وتكراراً عن خطتهم لتوسيع عدد المدارس الدينية في أفغانستان. وكانت المدارس الدينية في الماضي مراكز مخصصة للذكور فقط، حيث يتم تدريس مواد مثل القرآن الكريم وتفسيره واللغة العربية والإسلام. وعادة لا تتطلب هذه المدارس شروطاً خاصة، كما توفر الطعام والسكن مجاناً لطلابها.
في أكتوبر / تشرين الأول 2023، أفاد تقرير للمفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان (سيجار) أن سياسات طالبان التعليمية تهدف إلى التحكم في التعليم من خلال الحد من المواد المدنية التي تُدرَّس للطلاب، حيث خططت طالبان لإزالة بعض المواد [المدنية] من جميع المستويات والتركيز فقط على الدراسات الإسلامية بما يتماشى مع تفسيرها للإسلام. وأضاف التقرير: “حولت طالبان مرافق تدريب المعلمين والمدارس الابتدائية والثانوية في العديد من المحافظات إلى مدارس دينية، وأعربت عن نيتها تحويل المزيد، وبدأت في تجنيد المعلمين بنشاط للمدارس الدينية”. لقد حولت طالبان بالفعل العديد من المدارس العامة إلى مثل هذه المدارس الدينية. ومن الأمثلة على ذلك، مدرسة عبد الحي حبيبي الثانوية في مدينة خوست، والتي كان بها ذات يوم حوالي 6000 طالب.
وعلى عكس الحكومة الأفغانية السابقة، التي استثمرت في المقام الأول في المدارس والجامعات العامة وظلت غير مهتمة بالمدارس الدينية، تخطط طالبان للاستثمار بشكل كبير في هذه الأخيرة. ففي مرسوم صدر في أوائل يونيو/ حزيران 2022، حدد زعيم طالبان الملا هبة الله الخطوط العريضة لإنشاء وتمويل المدارس الدينية الجهادية في أفغانستان. وشددت المادة الأولى من المرسوم على أن “جميع المدارس الدينية الجهادية يجب أن تتبع المنهج الذي وافقت عليه طالبان”. وتهدف طالبان إلى إنشاء ما يصل إلى عشر مدارس دينية في كل من مقاطعات أفغانستان البالغ عددها 420 مقاطعة.
خلال الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، درس العديد من قادة طالبان الأفغان في المدارس الدينية، مثل دار العلوم حقانية في باكستان. ويقال إن هناك أكثر من 30 ألف مدرسة دينية في باكستان. ودار العلوم حقانية، التي تعدّ الأكبر، هي المدرسة التي يشغل خريجوها مناصب رئيسة في حكومة طالبان. ومن بين الذين درسوا في دار العلوم حقانية: سراج الدين حقاني، وزير داخلية طالبان، وأمير خان متقي، وزير الخارجية، وعبد الباقي حقاني، وزير التعليم العالي السابق.
وعلى الرغم من أن أولئك الذين يشغلون مناصب رئيسة في حكومة طالبان ربما لم يتلقوا تدريباً عسكرياً في المدارس الدينية التي التحقوا بها، فإن لديهم خطة لإدراج التدريب العسكري والمفاهيم الجهادية ضمن مناهجهم الدراسية. ففي حفل تخرج أقيم مؤخراً لمدرسة دينية جهادية في ولاية باكتيا بأفغانستان، أكد خليل الرحمن حقاني، القائم بأعمال وزير شؤون المهاجرين والعائدين في حكومة طالبان، أن المدارس الدينية يجب أن “تدرس أيضاً المفاهيم الجهادية والعسكرية”.
وتولي حركة طالبان اهتماماً خاصًّا للمناطق الأفغانية المناوئة لأيديولوجيتها. فوفقاً لقادة الحركة، فإن هذه المناطق تأثرت بشكل أكبر بـ “الاحتلال”. ومن خلال إنشاء العديد من المدارس الدينية هناك، تهدف طالبان إلى تقليل احتمالات التمرد على سلطتها. وتعد كابول وبلخ وبنجشير من بين المقاطعات التي استثمرت فيها طالبان أكثر من غيرها في العامين الماضيين، حيث أنشأت مدارس دينية للبنات والبنين في عدة مناطق.
وقد أثار قرار طالبان إغلاق مدارس البنات وتهافتها السريع على إنشاء المدارس الدينية في جميع أنحاء أفغانستان، مثل بناء 95 مدرسة دينية جديدة في ولاية بنجشير وحدها، مخاوف جدية بشأن ما تخطط له، خاصة وأنها بدأت أيضاً في تقييد فرص الطالبات والطلاب في مواصلة تعليمهم في الخارج. ففي أغسطس/ آب 2023، على سبيل المثال، منعت طالبان 100 طالبة من السفر إلى الإمارات العربية المتحدة لمواصلة دراستهن الجامعية. وعلى نحو مماثل، رفض وزير التعليم العالي في حكومة طالبان منح تصاريح السفر لمجموعة من 500 طالب من الذكور الذين حصلوا على منح دراسية للدراسة في روسيا، قائلاً: “يذهبون مسلمين ويعودون شيوعيين”.
وبصفتها جماعة معروفة بدعمها للتفجيرات الانتحارية والاعتناء بأسر الانتحاريين مالياً، يبدو أن طالبان ملتزمة بنشر أيديولوجيتها في جميع أنحاء البلاد وليس فقط بين صفوفها. فمع عودتها إلى السلطة، أصبحت أفغانستان الدولة الوحيدة في العالم التي أدرجت رسمياً وحدة انتحارية في هيكلها العسكري. وهذا التطور المزعج، الذي يثير بالفعل مخاوف بشأن عدم الاستقرار في المستقبل، لا يقل إثارة للقلق عن خطة طالبان لتشكيل جيل من الجهاديين من خلال تدريبهم في المدارس الدينية الجهادية.
وعلى الرغم من أن المدارس الدينية كانت تقليدياً مراكز مخصصة للذكور فقط، فقد بدأت الفتيات في السنوات الأخيرة في الالتحاق بها في مناطق معينة من البلاد. ففي قندوز، على سبيل المثال، التحقت نحو 6000 فتاة بالدراسة بدوام كامل في مدرسة “أشرف المدارس”، وهي المدرسة التي اتُهمت أيضاً باستقطاب النساء إلى التطرف.
توضح التطورات الأخيرة نية طالبان تعزيز المدارس الدينية كبديل للمدارس العامة للفتيات أيضاً. ومؤخراً، أعلن مسؤولو الحركة أنه سيُسمح لجميع الفتيات الأفغانيات، بغض النظر عن أعمارهن، بالدراسة في المدارس الدينية. وفي 20 ديسمبر/ كانون الأول 2023، قالت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان (يوناما)، روزا أوتونباييفا: “إن توجههم [طالبان] هو في الحقيقة إلحاق المزيد من الأطفال بالتعليم، ولهذا فقد أنشاوا المدارس الدينية لتحل محل المدارس المدنية بالمفهوم الغربي”. وعلى الرغم من أن الأمر لم يحظ باهتمام عالمي، فإن الارتفاع الأخير في عدد المدارس الدينية الجهادية أثار مخاوف المطلعين على القضية في أفغانستان. على سبيل المثال، يحذر الباحث الديني محمد محيِّق من أن توسع المدارس الدينية الطالبانية من شأنه أن يحول أفغانستان إلى أرض خصبة للتطرف الديني. ويضيف: “أي شخص لديه فهم معقول لأفغانستان والعالم يدرك أن نمو المدارس الدينية في أفغانستان يعادل حفر قبر للبلاد. فالمدارس الدينية في رؤية طالبان سوف تحول أفغانستان إلى مستودع ضخم للمتفجرات الدينية، مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تفجير البلاد”.
وعلى نحو مماثل، أوضح شاه جول رضائي، وهو مدرس وعضو سابق في البرلمان الأفغاني، أن هدف طالبان من تحويل المدارس العامة إلى مدارس دينية يتلخص في شقين: أولاً، نشر التطرف الديني والتفسير المشوه للتعاليم الإسلامية. وثانياً، من خلال إلحاق الفتيات بالمدارس الدينية، وهو ما حدث في بعض المناطق، تريد طالبان خداع المجتمع الدولي وإقناعه بأنها تدعم تعليم الفتيات فتحصل بذلك على الاعتراف الدولي. ويحذر رضائي قائلاً: “إذا نجحت طالبان في استبدال المدارس العامة بالمدارس الدينية، فسوف يكون لذلك عواقب وخيمة ليس فقط على أفغانستان، بل وأيضاً على المنطقة والعالم”.
إن خطة طالبان لتوسيع المدارس الدينية الجهادية في أفغانستان تثير القلق. أولاً، من دون تعليم مدني شامل يشمل التكنولوجيا والعلوم والآداب والفنون، لن يتم تزويد الطلاب بالمهارات اللازمة للمساهمة في بناء المجتمع أو كسب العيش. وقد يؤدي هذا إلى إضعاف الاقتصاد في أفغانستان، حيث يعاني أكثر من نصف السكان بالفعل من انعدام الأمن الغذائي وفقاً لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة. علاوة على ذلك، إذا تُرِك الأمر دون رادع، فقد يؤدي أيضاً إلى حلقة لا نهاية لها من العنف في البلاد ويكون عاملاً مزعزعاً للاستقرار في المنطقة. وحتى لو لم تنتج المدارس الدينية التابعة لطالبان جيلاً من الجهاديين [الآن]، فإنها قادرة على خلق مجتمع يتسم بنظرة عالمية مشوهة تنشر الكراهية ضد النساء وأتباع الديانات الأخرى، وهذا لوحده يشكل معضلة [في المستقبل].
الكاتب: علي كوشا*
* طالب دكتوراه في جامعة سانتياغو دي كومبوستيلا بإسبانيا. يركز في أبحاثه على القيود التي تواجه بناء الدولة في أفغانستان.
