تقارير ودراسات

تراجع نفوذ إيران في العالم العربي

في السادس والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول، أصدرت جامعة الدول العربية، التي تتخذ من القاهرة مقرّاً لها وتضم 22 دولة، بياناً شديد اللهجة تندد فيه بطموحات إيران في سوريا، حيث جاء فيه: “إن جامعة الدول العربية ترفض التصريحات الإيرانية الأخيرة التي تهدف إلى التحريض على الفتنة بين الشعب السوري”. ويؤكد هذا البيان على تحول أوسع نطاقاً: إذ تفقد الجمهورية الإسلامية بشكل مطرد موطئ قدمها في منطقة استثمرت فيها بكثافة ـ مالياً وعسكرياً ـ لعقود من الزمن.

سوريا: من حليف إلى خصم

ويتوافق بيان جامعة الدول العربية مع موقف القيادة السورية الجديدة بقيادة زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، المعروف الآن باسم أحمد الشرع. وكان الجولاني قد اتهم إيران في السابق بتعزيز الطائفية والفساد في سوريا. وفي 24 ديسمبر/ كانون الأول، حث وزير الخارجية السوري الجديد أسعد حسن الشيباني طهران على احترام سيادة سوريا والتوقف عن التحريض على الفتنة، محذراً: “نحن نحملهم المسؤولية عن تداعيات التصريحات الأخيرة [يقصد تصريحات المرشد الأعلى ووزير الخارجية الإيراني بشأن سقوط الأسد]”.

لقد أتاحت الاشتباكات الأخيرة في عدة مناطق في سوريا، والتي يُزعم أن الميليشيات الموالية للأسد هي التي بدأتها، للسلطات الجديدة في دمشق فرصة لتحدي النفوذ الإيراني. وفي أعقاب الاشتباكات، تم اعتقال شخصيات رئيسة مرتبطة بنظام الأسد لمقاومتها نزع السلاح، من بينها فخري درويش، رئيس مكتب حلب لميليشيا لواء القدس المدعومة من طهران.

الديناميكيات المتغيرة في العراق

ويمتد هذا الاتجاه إلى العراق، حيث تواجه إيران أيضاً مقاومة. ففي 23 ديسمبر/ كانون الأول، كشف أحد زعماء ميليشيا النجباء المدعومة من طهران، والتي صنفتها الولايات المتحدة جماعة إرهابية، لصحيفة الأخبار اللبنانية أن الفصائل داخل قوات الحشد الشعبي وافقت على وقف الهجمات على إسرائيل وستظل محايدة بشأن سوريا. ويشير هذا الموقف، الذي تم التوصل إليه مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ـ وهو شخصية أخرى تربطها علاقات بطهران ـ إلى إعادة ضبط استراتيجية إيران الإقليمية في ضوء سقوط الأسد.

وفي انتكاسة أخرى لطهران، أجرى السوداني تعديلاً وزارياً بهدف الحد من النفوذ الإيراني في أجهزة الأمن العراقية. على سبيل المثال، تم استبدال عبد الكريم عبد الفضيل، وهو شخص تربطه علاقات وثيقة بالاستخبارات الإيرانية، كرئيس لجهاز الأمن الوطني العراقي في 19 ديسمبر/ كانون الأول. والتقى خليفته، حامد الشاطري، بالقيادة السورية الجديدة في 26 ديسمبر/ كانون الأول، مما يشير إلى أن السوداني يعطي الأولوية لعلاقات أوثق مع دمشق في حين ينأى بإدارته عن السيطرة الإيرانية.

التداعيات المحتملة في اليمن

على الرغم من هذه النكسات، لم تتخل إيران عن طموحاتها الإقليمية. فقد تعهد المرشد الأعلى علي خامنئي والحرس الثوري الإيراني باستعادة النفوذ الإيراني في سوريا مع السعي في الوقت نفسه إلى إيجاد أساليب جديدة لتهريب الأسلحة إلى لبنان. ومع ذلك، فإن تضاؤل ​​نفوذ إيران الحالي جعل وكلائها عُرضة للخطر، مع احتمال أن يكون الحوثيون في اليمن التاليين في قائمة اهتمام خصومهم.

وفي حين تواصل جماعة الحوثي المدعومة من طهران التهديد بشن هجمات ضد إسرائيل والولايات المتحدة، فإنها تواجه ضغوطاً متزايدة. ففي 26 ديسمبر/ كانون الأول، استهدفت الضربات الإسرائيلية مطارات وموانئ تسيطر عليها الجماعة وتُستخدم كمراكز لوجستية. وفي اليوم التالي، اعترضت منظومة دفاع جوي أمريكية الصنع صاروخاً أطلقه الحوثيون في أعقاب الضربات الأمريكية في 21 ديسمبر/ كانون الأول.

لقد فشلت محاولات إيران للتدخل إلى حد كبير. فقد نجحت القوات الإسرائيلية في تحييد مخزونات الصواريخ الإيرانية وأنظمة الدفاع الجوي ردّاً على الهجمات الصاروخية التي شنتها طهران. وقد أثار عدم استجابة النظام للضربات الإسرائيلية انتقادات محلية، حيث اعترف مسؤول كبير بأن الجيش الإيراني “يتعرض للسخرية” بسبب تقاعسه عن الرد.

ومع الإطاحة بالدكتاتور السوري بشار الأسد، وإضعاف حزب الله، وردع الميليشيات العراقية، قد يجد الحوثيون أنفسهم قريباً الهدف الرئيسي لحملة إسرائيلية / أمريكية مكثفة. ويبدو أن استراتيجية إيران الإقليمية أصبحت مجزأة على نحو متزايد، حيث تواجه طموحاتها مقاومة متصاعدة في مختلف أنحاء العالم العربي.

الكاتب: جوناثان سايح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى