تجدد دعوى قضائية أمريكية ضد بنك تركي بسبب دعمه لحماس

أصدر قاض أمريكي حكماً بإحياء دعوى قضائية ضد البنك الكويتي التركي “كويت ترك كاتيليم بانكاسي إيه.ش” بشأن اتهامات بالإرهاب تتعلق بدعمه لحركة حماس الفلسطينية، وهو ما يشير إلى مشاكل قانونية محتملة لحكومة رجب طيب أردوغان التي تدير البنك وتمتلك حصة كبيرة في محفظته.
ففي 15 يناير/ كانون الثاني، أصدر القاضي الأمريكي في المنطقة الشرقية من نيويورك براين م. كوجان حكماً يقضي بالسماح للمدعين بجمع الأدلة المتعلقة باتصالات البنك بالأنشطة الإرهابية، وهو ما ألغى حكماً سابقاً بالرفض.
المدعون في القضية هم ناجون وورثة ضحايا قُتلوا في هجمات في الضفة الغربية ما بين 2015 و2018، وهم يزعمون أن بنك “كويت ترك” قدم عن علم مساعدة كبيرة لحماس من خلال الاحتفاظ بحسابات مصرفية لكيانات وأفراد مرتبطين ارتباطاً وثيقاً بالحركة وتسهيل معاملات اليورو دولار التي تتطلب مراسلة مصرفية في الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، يتهمون البنك التركي بانتهاك القوانين الأمريكية، بما في ذلك قانون مكافحة الإرهاب وقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا).
ومن بين الكيانات المذكورة في الدعوى القضائية مؤسسة حقوق الإنسان والحريات والإغاثة الإنسانية، وهي منظمة تعمل بشكل وثيق مع وكالة الاستخبارات التركية، وترتبط بجماعات جهادية متطرفة، بما في ذلك تنظيم القاعدة وحماس.
وتقوم المنظمة الإنسانية التركية بجمع أموال ضخمة لصالح حماس، وخاصة في تركيا، كما تقدم الدعم اللوجستي للحركة المسلحة، وهي عضو في ائتلاف الخير للإغاثة الإنسانية، الذي صنفته وزارة الخزانة الأمريكية منظمة إرهابية عالمية محددة بشكل خاص في عام 2008.
وتنشط هيئة الإغاثة الإنسانية التركية، بدعم مفتوح من حكومة أردوغان، في 123 دولة حول العالم، وتضم نحو 100 ألف متطوع. وفي العام الماضي، خصصت جزءاً كبيراً من ميزانيتها البالغة 1.2 مليار ليرة تركية لدول مثل سوريا وأفغانستان والصومال وفلسطين وباكستان واليمن والسودان والنيجر وبنجلاديش، حيث يشتبه في أن الأموال كانت موجهة نحو جماعات متطرفة.
وبحسب تقييم قدمه علي فؤاد يلمزر، رئيس قسم الاستخبارات السابق في الشرطة والمتخصص في الجماعات الدينية المتطرفة، خلال جلسة استماع في محكمة تركية في عام 2016، فإن “حملات هيئة الإغاثة الإنسانية التركية تهدف إلى تقديم المساعدة للجهاديين المنخرطين في الإرهاب في جميع أنحاء العالم وتوفير المساعدات الطبية والتمويل والخدمات اللوجستية والموارد البشرية للجهاديين”. واجه يلمزر ردود فعل عنيفة من حكومة أردوغان بسبب التحقيق الذي أجراه مع مؤسسة حقوق الإنسان والحريات والإغاثة الإنسانية وغيرها من المنظمات الإسلامية المتطرفة في تركيا، وتم فصله من منصبه ثم سجنه فيما بعد بتهم ملفقة.
وقد حددت روسيا منذ فترة طويلة مؤسسة حقوق الإنسان والحريات والإغاثة الإنسانية كمنظمة متورطة في تهريب الأسلحة إلى الجماعات الجهادية في سوريا؛ وذلك وفقاً لوثائق استخباراتية قدمت إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 10 فبراير/ شباط 2016. وتضمنت وثائق الاستخبارات الروسية تفاصيل وأرقام لوحات الشاحنات التي أرسلتها المؤسسة، والتي كانت محملة بالأسلحة والإمدادات الموجهة إلى جماعات تابعة لتنظيم القاعدة، بما في ذلك جبهة النصرة.
الكيان الآخر المذكور في الدعوى القضائية الأمريكية هو الجامعة الإسلامية في غزة، والتي تم تحديدها كمؤسسة مهمة لحماس وعملياتها. ووُصفت الجامعة بأنها مركز حيوي للحركة، حيث تعمل كمركز تجنيد لجناحها العسكري، كتائب القسام. وقد صنفت وزارة العدل الأمريكية الجامعة الإسلامية في غزة في السابق على أنها جزء من البنية التحتية لحماس، وتشير التقارير إلى أن الجامعة استُخدمت لتخزين الأسلحة وعقد اجتماعات قادة حماس.
أحد أهداف الدعوى هو القيادي في حماس باسم جهاد يغمور. يغمور هو قاتل مدان شارك في اختطاف وقتل جندي إسرائيلي عام 1994. بعد إطلاق سراحه في صفقة تبادل أسرى بين حماس وإسرائيل، أصبح وسيطاً بين الحركة والسلطات التركية، حيث حضر اجتماعات سياسية رفيعة المستوى إلى جانب قادة حماس البارزين.
وهو يرأس منظمة غير حكومية تسمى جمعية القدس وتاريخنا (قتاد) ويمارس أنشطته تحت ستار هذه الجمعية. ويتلقى تمويلاً من البلديات الخاضعة لحكم حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه الرئيس أردوغان.
إن القضية الأمريكية لها تاريخ إجرائي معقد. ففي البداية، رفضت المحكمة الدعوى بسبب عدم وجود ولاية قضائية على بنك “كويت ترك”، وهو ما يعني أن المحكمة قررت أنها لا تملك السلطة للنظر في القضية ضد البنك. بالإضافة إلى ذلك، رفضت المحكمة طلب الكشف القضائي، والذي كان من شأنه أن يسمح للمدعين بجمع المزيد من الأدلة لدعم ادعاءاتهم.
ولكن المدعين نجحوا في تقديم طلب لإعادة النظر. وأبطلت المحكمة قرارها السابق برفض الدعوى وحكمت بالسماح للمدعين بجمع الأدلة المتعلقة بارتباطات البنك بالأنشطة الإرهابية.
ويؤكد الحكم الأخير الذي أصدرته المحكمة على أهمية دفوعات المدعين، مما يشير إلى أن ادعاءاتهم قوية بما يكفي لتبرير المزيد من التحقيق [والمحاكمة المحتملة]. وستكون هذه المرحلة من العملية حاسمة في تحديد ما إذا كانت المحكمة لديها سلطة قضائية على البنك وما إذا كانت القضية يمكن أن تستمر.
حتى الآن، نفى البنك تورطه في أي علاقات مشبوهة، وزعم أنه لم يكن على علم بأن أياً من عملائه يخضع لعقوبات من جانب الولايات المتحدة، وطلب رفض القضية. وذكر أن الشكوى تفتقر إلى إثباتات واقعية كافية بشأن معرفة بنك “كويت ترك” بأي صلات إرهابية بين عملائه. كما أشار إلى أن المدعين لم يستوفوا المعايير القانونية لإثبات أن البنك قدم مساعدة مباشرة للإرهابيين المتورطين في الهجوم، وزعم أن بعض المدعين ليسوا مواطنين أمريكيين، ولا يحق لهم الانضمام إلى الدعوى بموجب القانون الأمريكي.
إن هذه القضية جديرة بالملاحظة ليس فقط بسبب الاتهامات المحددة الموجهة إلى بنك “كويت ترك”، بل وأيضاً بسبب تداعياتها الأوسع نطاقاً فيما يتصل بمسؤوليات المؤسسات المالية العاملة في تركيا وغيرها من البلدان. وهي تثير تساؤلات مهمة حول مدى إمكانية تحميل البنوك الأجنبية المسؤولية بموجب القانون الأمريكي عن تسهيل المعاملات المالية المرتبطة بالمنظمات الإرهابية.
وتفرض الدعوى القضائية أيضاً تحديات على حكومة أردوغان، التي لم تساعد وتشجع كيانات ونشطاء حماس فحسب، بل سهلت أيضاً معاملاتهم المالية والمصرفية في تركيا. علاوة على ذلك، قامت الحكومة بحماية الأفراد والكيانات المرتبطة بحماس من أي تحقيقات جنائية أو إدارية في تركيا.
ويقيم العديد من شخصيات حماس، بما في ذلك بعض كبار القادة، في تركيا ويمارسون نشاطهم فيها بدعم كامل من حكومة أردوغان. وقدمت وكالة الاستخبارات التركية الحماية الشخصية لبعض قادة حماس ولعبت دوراً في إنشاء مقر قيادة الحركة في إسطنبول.
وعلى الرغم من أن بعض شركات الواجهة التي تستخدمها حماس تعرضت لعقوبات من جانب الولايات المتحدة، فإنها تواصل العمل والوصول إلى النظام المالي والمصرفي التركي دون عائق. حتى أن بعض مسؤولي حماس غيروا أسماءهم في تركيا بعد الحصول على الجنسية لإخفاء هوياتهم.
وتمتلك الحكومة التركية حصة مباشرة في بنك “كويت ترك” من خلال وكالتها الحكومية الرسمية، المديرية العامة للأوقاف، التي تمتلك 24.49% من أسهم البنك. وتخضع هذه المديرية لوزارة الثقافة والسياحة في حكومة أردوغان. ومن بين المساهمين الآخرين بيت التمويل الكويتي بنسبة 57.81%، والبنك الإسلامي للتنمية بنسبة 8.36%، وشركة وفرة للاستثمار الدولي بنسبة 8.36%.
المصدر: نورديك مونيتور
