تقارير ودراسات

النفوذ الإيراني المتزايد في العراق: القوى بالوكالة والسياسة والسلطة

لقد تطور العراق على مدى العقدين الماضيين من عدو إلى موقع استراتيجي حاسم لطموحات إيران الإقليمية، وأصبح أحد المراكز الرئيسة في “محور المقاومة” ومنصة استراتيجية لنفوذ إيران الإقليمي.

إن الدولة التي خاضت في عهد صدام حسين حرباً مدمرة ضد إيران، أصبحت الآن قاعدة أساسية لإظهار قوة الجمهورية الإسلامية ضد المنافسين الإقليميين والعالميين.

ولم يقتصر سقوط صدام حسين في عام 2003 على تغيير النظام الداخلي في العراق، بل فتح الأبواب أيضاً أمام الدول الإقليمية، بما في ذلك الجمهورية الإسلامية، لممارسة نفوذها.

ومن خلال التدخل في السياسة والأمن، أثرت طهران على الصراعات الداخلية في العراق، ولعبت دوراً رئيساً في تشكيل المقاومة ضد الولايات المتحدة.

لقد اتبع المسؤولون الإيرانيون استراتيجية معقدة في العراق، شملت دعم الميليشيات الشيعية، وبناء علاقات قوية مع الزعماء السياسيين المحليين، وتشكيل الجوانب الثقافية والاجتماعية للبلاد.

وسرعان ما أدى هذا النهج إلى تحويل إيران إلى واحدة من اللاعبين الأكثر نفوذاً في العراق.

ووصل الأمر ببعض قادة الحرس الثوري الإيراني إلى الإشارة إلى العراق بوصفه “إحدى محافظات إيران”.

وقد حاول مسؤولو الجمهورية الإسلامية باستمرار تبرير تدخلاتهم في العراق وسوريا بوصفها مشروعة.

وقال رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف في 8 ديسمبر/ كانون الأول: “ذهبنا إلى العراق وسوريا بناء على طلب الحكومات؛ لأن مجتمعنا الإسلامي وأمننا القومي كانا في خطر”.

ومع ذلك، حتى في ظل انتقادات بعض المسؤولين الحكوميين أو الاحتجاجات في الشوارع، فإن الجمهورية الإسلامية لم تتراجع عن دعم الجماعات التابعة لها.

واليوم، تشعر إيران أكثر من أي وقت مضى بالقلق إزاء التطورات في العراق؛ إذ تلوح في الأفق ظلال التجربة السورية، حيث كان سقوط بشار الأسد بمثابة ضربة مؤلمة واستراتيجية لطهران.

وقال هاشم الحيدري، الأمين العام لحركة عهد الله العراقية، التي تربطها علاقات وثيقة بالجمهورية الإسلامية: “نحن ما زلنا في بداية الحرب. لقد كنت أقول في خطاباتي على مدى الشهرين أو الثلاثة الماضية إن سوريا هي التالية بعد لبنان، وبعد سوريا العراق هو التالي”.

تشكيل قوات بالوكالة في العراق

إن تفاصيل دخول القوات العسكرية للجمهورية الإسلامية إلى العراق بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 لتوحيد البلاد مع سياسات إيران، على غرار الدول الأخرى المشاركة في “محور المقاومة”، لا تزال غير واضحة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الأدلة تشير إلى أن إيران حاولت ممارسة نفوذها في العراق قبل سقوط صدام حسين.

وبعد سقوط صدام، أصبح هذا الوجود أكثر وضوحاً. وتشير تقارير ويكيليكس إلى أن قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني بدأت عملها في العراق بإرسال قوات تحت ستار الهلال الأحمر.

وفي حين بدا أن هذه القوات منشغلة بتقديم المساعدات الإنسانية، كانت في الواقع تنشئ البنية التحتية اللازمة للتدريب العسكري وتخزين الأسلحة.

وبحسب وثائق ويكيليكس، فإن أحد الأهداف الأساسية لفيلق القدس في العراق كان تنفيذ عمليات تستهدف الطيارين الذين قاتلوا ضد إيران خلال الحرب العراقية الإيرانية.

إن فراغ السلطة الذي خلفه سقوط صدام حسين أتاح الفرصة لإيران لتحقيق الكثير من أهدافها.

فضلاً عن ذلك، كان بعض اللاعبين السياسيين في العراق مرتابين في الولايات المتحدة، التي سعت إلى إنشاء ديمقراطية علمانية. وقد قوبل الوجود الأمريكي بمعارضة من جانب الجماعات الشيعية المدعومة من طهران.

كما عملت إيران على زيادة نفوذها في العراق من خلال إرسال مستشارين عسكريين، والمساعدة على إعادة بناء البنية التحتية التي دمرتها الحرب.

وكان من أهم الإجراءات التي تم اتخاذها تمويل مشاريع التنمية وإنشاء المستشفيات والمراكز الطبية في المناطق ذات الأغلبية الشيعية.

وكان الهدف من هذه الإجراءات حشد الدعم الشعبي وتوسيع النفوذ الإيراني بين الشعب العراقي، وخاصة المجتمع الشيعي.

ومع انسحاب القوات الأمريكية في عام 2011، اكتسبت الجماعات المدعومة من إيران موطئ قدم أقوى في العراق.

وبحلول عام 2014، أصبح هذا النفوذ كبيراً إلى درجة أن محمد أحمد الكربولي، وهو ممثل السنة في العراق، قال: “إيران تسيطر الآن على العراق”.

لكن مسؤولين عراقيين آخرين قالوا إن سيطرة إيران لا ترجع فقط إلى حشد القوات، بل أيضاً إلى بيع الأسلحة.

وأفاد مسؤولون عراقيون أن التعاون العسكري بين إيران والعراق يعود إلى السنوات الأولى بعد سقوط صدام، وأن إيران باعت للعراق أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة تقارب عشرة مليارات دولار، مخصصة في المقام الأول للحرب في المدن، بما في ذلك بنادق هجومية، ومدافع رشاشة ثقيلة، وقاذفات صواريخ.

قوات الحشد الشعبي ضد داعش

بعد سنوات عديدة من سقوط صدام وانسحاب القوات الأمريكية، واجه العراق شكلاً جديداً من التطرف من جانب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وقد سيطرت الجماعة الإرهابية، التي انبثقت من تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، على مناطق واسعة من العراق وسوريا في عام 2014.

ومع إعلان الخلافة المزعومة، تحدى تنظيم داعش النظام الإقليمي بشكل علني.

وفي وقت قصير، تمكنت قوات داعش من السيطرة على مدن مثل الموصل وتكريت والرمادي، ووسعت نطاق وصولها إلى الموارد المالية والعسكرية.

وعلى النقيض من المواجهة المحدودة نسبياً بين إيران وتنظيم داعش في سوريا، خاضت الميليشيات العراقية المدعومة من طهران معركة شرسة ضد التنظيم.

وتزعم إيران أن فيلق القدس لعب دوراً فعالاً في مواجهة تقدم داعش من خلال تجهيز القوات المحلية وتوفير المعلومات الاستخباراتية الاستراتيجية.

وذكرت الجمهورية الإسلامية أنها من أجل مواجهة داعش في العراق، شكلت مجموعات مثل الحشد الشعبي، على الرغم من أن هذا الادعاء لا ينطبق على جميع الجماعات الشيعية الموالية لطهران.

وقال المسؤول الإيراني السابق علي أكبر محتشمي بور، بشأن تأسيس قوات الحشد الشعبي عام 2015: “إن فتوى آية الله السيستاني للتطوع لاقت صدى واسعاً بين الشباب العراقي”.

وأضاف: “استجابة لهذه الدعوة، سجل أكثر من مليوني شخص في غضون أيام قليلة. وقد أرعبت هذه الموجة الضخمة من المتطوعين تنظيم داعش وأنصاره ومنعته فعلياً من دخول المدن المقدسة سامراء والنجف وكربلاء”.

وجاءت فتوى السيستاني في وقت سيطر تنظيم داعش فجأة على مدن مثل الموصل وتكريت وبلد والرمادي.

ففي 13 يونيو/ حزيران 2014، أصدر السيستاني فتوى بـ “وجوب الجهاد”، داعياً العراقيين إلى الانضمام إلى قوات الأمن لمواجهة تهديد تنظيم الدولة الإسلامية.

وقال ممثله خلال خطبة جمعة إن واجب الدفاع عن الوطن والشعب والمقدسات مسؤولية وطنية ودينية على كل العراقيين وليست مقتصرة على طائفة معينة.

وحث أيضاً الزعماء السياسيين على وضع خلافاتهم جانباً.

نفوذ إيران في العراق عبر الميليشيات الشيعية

دعمت الجمهورية الإسلامية تشكيل وتوسيع العديد من الميليشيات الشيعية في العراق، بما في ذلك كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، والحشد الشعبي، وحركة حزب الله النجباء، ولواء أبو الفضل العباس، ولواء ذو ​​الفقار، وسرايا الخراساني.

وقد تلقت هذه المجموعات التدريب والتمويل وبعض الأسلحة من إيران، وعملت بما يتوافق مع أهداف طهران الإقليمية.

وبحلول عام 2014، ارتفع عدد المسلحين المدعومين من إيران في العراق من نحو 4 آلاف في عام 2010 إلى أكثر من 60 ألفاً. وفي عام 2018، أعلن محمد علي جعفري، القائد العام للحرس الثوري الإيراني آنذاك، أن عدد هؤلاء المقاتلين بلغ 100 ألف.

إن دعم إيران للميليشيات الشيعية في العراق مكّنها من تعزيز نفوذها في البلاد، وسمح لطهران بإنشاء ممر استراتيجي يبدأ من إيران، ويمر عبر العراق وسوريا، ويصل إلى حزب الله في لبنان.

وقد ساهم هذا الممر في تسهيل نقل الأسلحة والأفراد والموارد اللوجستية، مما أدى إلى تعزيز “محور المقاومة”.

لكن بعض قادة الحشد الشعبي يرون أن دور إيران أكثر محدودية مما يروَّج له في العلن.

وقال أحد القادة: “لا نتلقى أي شيء من إيران. لقد دُعينا إلى طهران وذهبنا وتحدثنا. كان سليماني [القائد السابق لفيلق القدس] مستشاراً ليس أكثر. الحكومة العراقية تزودنا بالأسلحة وتغطي تكاليف مقاتلينا”.

وأضاف قائد آخر: “العراق يشتري الأسلحة اللازمة بنفسه، كما يساعد التجار العراقيون في التمويل. والآن، تغطي الحكومة العراقية ومرقد الإمام الحسين نفقاتنا. ومن بين 5000 مقاتل تحت قيادتي، يتلقى 3200 منهم راتباً شهرياً قدره 800 دولار”.

الكاتب: عطا محمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى