تقارير ودراسات

المحور الحوثي في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: قوة إقليمية في طور النشوء؟

في التطورات الأخيرة، وجه المتمردون الحوثيون في اليمن اتهامات للولايات المتحدة والمملكة المتحدة، زاعمين تورطهما في مقتل عشرات المدنيين اليمنيين خلال الضربات الهجومية التي استهدفت ردع المسلحين المدعومين من إيران عن تهديد سفن الشحن في البحر الأحمر. وقد عبر الحوثيون عن هذه الادعاءات عبر منصة تلفزيونية تابعة لهم في أعقاب بدء الضربات المتعددة من قبل الدول الغربية ضد مواقع محددة في اليمن. ووفقاً للقيادة المركزية للجيش الأمريكي، فإن هذه العمليات نجحت في تحييد سرب طائرات من دون طيار تابع للحوثيين داخل اليمن وفي محيط البحر الأحمر، والذي اعتُبر أنه يشكل تهديداً للقوات الأمريكية وقوات التحالف، وكذلك للسفن التجارية العاملة في المنطقة.

في خضم واحدة من أكثر الصراعات العالمية والأزمات الإنسانية تدميراً التي شهدها القرن الحادي والعشرين، اضطرت القوى العالمية إلى التعامل مع تهديد الصراع الإقليمي المتصاعد الذي يعرض للخطر الطبيعة المراوغة للسلام السائد في الشرق الأوسط. لقد أثار الهجوم الذي شنه مسلحو حماس في 7 أكتوبر / تشرين الأول 2023، والذي أسفر عن مقتل 1200 شخص في إسرائيل، والرد الإسرائيلي اللاحق بشن ضربات صاروخية وحصار الناس والسلع الأساسية في قطاع غزة الفلسطيني، ردود فعل عسكرية عالمية، منها تدخل المتمردين الحوثيين في اليمن.

منذ 19 نوفمبر/ تشرين الثاني، شنت قوات الحوثيين، المدعومة من إيران، هجمات بصواريخ موجهة بدقة على سفن شحن وسفن بحرية مرتبطة بإسرائيل تمر عبر البحر الأحمر. وفي “أزمة البحر الأحمر” الحالية، أصدرت قوات الحوثيين تحذيرات بالانتقام لما تراه “إبادة جماعية” في غزة من قبل القوات الإسرائيلية. ويشمل ردهم نشر طائرات من دون طيار وصواريخ تستهدف إسرائيل، مع وعد بمهاجمة جميع السفن المتجهة إلى إسرائيل، بغض النظر عن جنسيتها. وردّاً على ذلك، نفذت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ضربات انتقامية على قواعد عسكرية للحوثيين. وقد أثارت هذه الإجراءات مخاوف عالمية بشأن تصعيد محتمل للأزمة في المنطقة وما ينتج عن ذلك من تعطيل للتجارة الدولية على طول أقصر طريق شحن بين أوروبا وآسيا.

نشأة حركة الحوثي

إن دوافع الحوثيين تمثل أيديولوجيتهم الراسخة المتمثلة في الأصولية الإسلامية التي تدعو إلى “الموت لأمريكا وإسرائيل”. وفي حين برزت ميليشيا الحوثي في البداية كحركة إحياء ثقافي متجذرة في الزيدية التي تدعو إلى سيادة الإمام كرمز روحي وسياسي؛ فقد تحولت بشكل متزايد إلى تمرد اجتماعي وسياسي ضد سوء الإدارة واسع النطاق في الحكومة اليمنية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وبلغ تبلور التمردات الجماعية ذروته خلال ثورة الربيع العربي في عام 2011، والتي دعت إلى استقالة الرئيس علي عبد الله صالح، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد لمدة 30 عاماً. وقد أدى تحول القيادة إلى عبد ربه منصور هادي المدعوم من السعودية كرئيس جديد إلى مزيد من المعارضة من المسلمين الزيديين، الذين شعروا بالإحباط بشكل متزايد من النفوذ المتزايد للإسلام السني السلفي في البلاد.

لقد حولت الحرب الأهلية التي تلت ذلك، والتي بدأت في عام 2014، اليمن إلى ساحة معركة بالوكالة بين القوات المدعومة من إيران والسعودية، مما تسبب في إفقار جماعي ووفيات في البلاد. في سبتمبر / أيلول 2014، استولى الحوثيون على العاصمة صنعاء، مما دفع تحالفاً مدعوماً من الغرب بقيادة المملكة العربية السعودية إلى التدخل في عام 2015. أدى إعادة التوجيه الاجتماعي والسياسي نتيجة للحرب إلى إنشاء نظام للحوثيين في الجزء الشمالي من البلاد ومعظم المراكز السكانية الكبرى الأخرى، بينما تمركزت الحكومة المدعومة من السعودية في عدن. لقد ترك عقد من الصراع البلاد واقتصادها في حالة ركود، مما أدى إلى مبادرة سلام أقرتها الأمم المتحدة. كان المثال الأكثر وضوحاً للجهود الدبلوماسية الرامية إلى التفاوض على هدنة بين الجانبين عندما أعلن الرئيس جو بايدن أن الحرب في اليمن “كارثة إنسانية واستراتيجية”، مشيراً إلى ضرورة خفض التصعيد.

الصراع المشتعل: توسع الحوثيين المسلح في المنطقة

منذ عام 2016، سعت ميليشيا الحوثي باستمرار إلى توسيع قوتها البحرية من خلال الاستيلاء على ميناء الحديدة على الساحل الغربي واستخدامه استراتيجياً كمنصة لإطلاق الصواريخ، وخاصة ضد السفن الحربية الأمريكية. يعكس النطاق الواسع للقدرات الحربية التي تمكنت الميليشيا من اكتسابها في السنوات الأخيرة الدرجة الكبيرة من الاستثمار السياسي والعسكري الإيراني في أنشطة الحركة كجزء من “محور المقاومة”. اكتسب النفوذ الإيراني، على الرغم من إهماله خلال السنوات الأولى للحركة، أهمية بالغة خلال حملة التحالف الذي دعمته السعودية ضد الحوثيين في عام 2015. وبينما نجح الحوثيون في بعض الأحيان في إرساء سيطرة مستقلة على عملياتهم، فإن العلاقة المتنامية بين الحليفين، والتي تيسرها إلى حد كبير العلاقات المتنامية مع وكلاء إيران الآخرين مثل حزب الله اللبناني، فتحت قنوات لتهريب الأسلحة، مما أدى إلى دمجهم أكثر في “محور المقاومة”.

إن هجمات الحوثيين على إسرائيل، على الرغم من كونها مصدراً هامشياً للتهديد بالنسبة للأخيرة، فإنها استمرت لفترة طويلة. في 31 أكتوبر / تشرين الأول 2023، أعلن المتحدث العسكري الحوثي يحيى سريع أن “المزيد من الضربات ستتوالى حتى يتوقف العدوان الإسرائيلي وينتصر الفلسطينيون”. وهذا يتماشى مع التمثيل الاجتماعي والديني الأوسع للميليشيا التي تعتبر نفسها “المدافع الحقيقي” عن عقيدة الإسلام. في عام 2022، في أعقاب اتفاق التطبيع الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، أصدرت ميليشيا الحوثي بيانات تدين “الخيانة” للقضية الفلسطينية أثناء شنّ ضربات صاروخية أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص في أبو ظبي. دافع زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، عن الهجمات بينما انتقد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لانحيازهما المزعوم إلى “العدو الرئيسي للعالم الإسلامي”.

كشف طموحات الحوثيين في الصراع

وهكذا برزت اليمن كنقطة انطلاق لمواجهة أكبر بكثير تهدد بإغراق المنطقة في صراع دامي من خلال دفع إسرائيل وإيران إلى حرب مباشرة. علاوة على ذلك، شكل الموقع الجيوسياسي الفريد للبلاد من حيث قربها من البحر الأحمر، الذي يمثل مع قناة السويس ما يقرب من 12٪ من حجم التجارة العالمية، تهديداً أمنياً للمصالح الأمريكية لعقود من الزمن. وتراقب القوات الإسرائيلية عن كثب أنشطة الحوثيين، بما في ذلك التجنيد والتدريب لأكثر من 200 ألف مقاتل جديد منذ بداية الحرب كما أفاد المتحدثون باسم الحركة.

وتقول بتول دوغان عكّاس، الباحثة في شؤون الخليج العربي بجامعة دورهام، إن استراتيجية الحوثيين لا تقتصر على “إعادة تموضعهم كداعم إقليمي رئيس للمقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي”، بل تشمل أيضاً “تعزيز سلطتهم السياسية في اليمن، وخاصة في ظل المفاوضات الأخيرة مع المملكة العربية السعودية لإنهاء الحرب رسمياً”، كما قدمت المحللة البارزة أليسون ماينور من مؤسسة بروكينجز استراتيجية ثلاثية الأبعاد للحوثيين تتضمن المبادئ التالية:

  1. تعزيز أجندتهم الأيديولوجية القائمة على شعار “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”.
  2. تعزيز حضورهم داخل اليمن من خلال حشد المواطنين حول قضية الأخوة الإسلامية ونصرة الفلسطينيين.
  3. تقديم أنفسهم كلاعبين إقليميين رئيسيين داخل الكوكبة المسلحة الإيرانية، وهو ما يؤكدونه من خلال بياناتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تسلط الضوء على “التنسيق الكامل” للحركة مع “محور المقاومة” الإيراني.

إن ظهور الحوثيين في الخط الأمامي يعمل كآلية استراتيجية لتحويل تركيز إسرائيل بعيداً عن أراضيها نحو جبهات متعددة. وهذا النهج لديه القدرة على استنزاف الموارد الإسرائيلية وخلق غلاف نفسي يهدف في نهاية المطاف إلى إجبار حكومة نتنياهو على الاستسلام تحت الضغوط الإقليمية.

اليمن: جبهة جديدة في الحرب؟

إن الفاعل الحوثي في ​​سياق الحرب الحالية يمثل عنصراً أكثر تقلباً من كونه معارضة مستمرة للمصالح الإسرائيلية؛ فقد أدت المسافة التي تبلغ ألف ميل بين إسرائيل واليمن، إلى جانب عدم الاستقرار الداخلي في البلاد، إلى تقييد قدرة الحركة على الاعتماد على موقعها الجغرافي لتهديد سلاسل الإمداد البحرية العالمية. وقد أجبر قرار الحركة بحصار التجارة الدولية سفن الشحن على إعادة توجيه مسارها من خلال المرور حول رأس الرجاء الصالح في إفريقيا، مما أضاف ما يقرب من 30 يوماً إلى المدة الأصلية للشحن وزاد التكلفة بنسبة 35% وفقاً لفريق البحث التابع لمجموعة بورصة لندن. وقد دفع شل طريق تجاري حيوي الإدارة الأمريكية إلى الموافقة على عملية بحرية دولية لحماية السفن التجارية في البحر الأحمر، في حين أصدر العديد من الحلفاء الغربيين إنذاراً نهائياً للحوثيين بسبب “الآثار غير القانونية وغير المقبولة والمزعزعة للاستقرار بشكل عميق” لهجماتهم.

وعلى هذا، يبدو من غير المرجح أن تكون حركة التمرد الحوثية، التي تتمتع بقدرات مواجهة محدودة للغاية، قادرة على الانخراط في حرب مباشرة مع القوات الإسرائيلية ومجموعات الطائرات الأمريكية، وبالتحديد حاملة الطائرات الأمريكية جيرالد فورد في البحر الأبيض المتوسط ​​وحاملة الطائرات الأمريكية دوايت أيزنهاور في البحر الأحمر. كما تعمل الديناميكيات الاجتماعية والسياسية الداخلية على كبح جماح الحركة عن متابعة سياسة متهورة لتعزيز عدم الاستقرار الإقليمي في وقت يسود السلام الهش في اليمن نتيجة للهدنة غير الرسمية التي تم التفاوض عليها بين الحركة والتحالف الذي تقوده السعودية. ومع ذلك، يمثل ظهور قوة إقليمية محتملة جديدة في هيئة المتمردين الحوثيين تحدياً للقوى الغربية. فقد أظهر هؤلاء المتمردون مؤخراً قدرة متزايدة على إنتاج الطائرات من دون طيار والصواريخ المحلية، بتسهيل من شبكة متطورة لتهريب الأسلحة والتمويل تشرف عليها قوة إقليمية كبرى، إيران. ويشكل المتمردون الحوثيون، الذين يقعون في فضاء جيوسياسي مقاوم تاريخياً للتأثير الخارجي وغير متعاطف مع المصالح الغربية، تهديداً كبيراً للاستقرار الإقليمي.

ونظراً لاستعدادهم لمواجهة القوى القائمة، فمن الضروري أن تتعامل الولايات المتحدة وغيرها من الدول الكبرى مع المتمردين الحوثيين باستراتيجية دبلوماسية حذرة. إن ميلهم إلى تصعيد الصراعات وتأكيد شرعيتهم المزعومة في معارضة ما يعتبرونه قوى “شريرة” يؤكد على الحاجة إلى اليقظة في إدارة هذا الوضع.

الرابط:

https://usanasfoundation.com/the-houthi-nexus-of-the-israel-palestine-conflict-a-regional-power-in-the-making

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى