الطريق إلى السابع من أكتوبر: كيف شكلت إيران وأدارت “محور المقاومة” الفلسطيني ـ 6

خلاصة
من الممكن أن تكون إيران قد فوجئت بالنجاح الكارثي الذي حققه هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. وربما لم تكن تتوقع أن توجه حماس ضربة قاتلة إلى إسرائيل كما حدث. ولكن ليس هناك شك في أن المساعدات المالية التي قدمتها طهران، وتنظيم المجموعات التابعة لها في فصائل مسلحة أكثر تماسكاً، ثم في منظمات مظلية، ودعمهم عسكريًّا من خلال توريد الأسلحة، كل ذلك أدى إلى زيادة فتك وتطرف وكلائها الفلسطينيين. ومن الواضح أيضاً أنه لولا المساعدة والرعاية الإيرانية، لما كانت حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية في وضع يسمح لها بضرب إسرائيل، كما فعلت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، بنفس القدر من النجاح الذي أظهرته.
لقد تم تهريب القدرات العسكرية التي قدمتها إيران، مثل مجموعة متنوعة من تصميمات الطائرات من دون طيار والصواريخ والعبوات الناسفة وغيرها من الذخائر، إلى غزة واستخدامها بشكل مميت في هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. وقد سمحت المساعدات الإيرانية لوكلائها الفلسطينيين بحشد القوة النارية والخبرة والكثير من المعدات التكنولوجية المتطورة اللازمة لتنفيذ الهجوم والدعاية له. لقد فعلت المساعدات المالية التي قدمتها إيران أكثر من مجرد إبقاء حماس كهيئة حاكمة في غزة؛ إذ تم ضخها مباشرة إلى الجهاز العسكري للحركة.
كما صقل التدريب الذي تلقاه مقاتلو حماس والوكلاء الآخرون قدراتهم على تنفيذ هجوم السابع من أكتوبر / تشرين الأول، وكما قال الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة طلال ناجي لوكالة العالم الإيرانية في أغسطس / آب 2021: “في بعض الأحيان، كان التدريب يجري في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأحياناً في سوريا، وأحياناً في لبنان مع الإخوة في حزب الله الذين يخوضون الجهاد”. وفي حين أنه من غير المعروف حالياً كيف سافر مقاتلو حماس أو الجماعات الفلسطينية الأخرى إلى إيران ولبنان وسوريا، يمكن افتراض أن ذلك تم عبر شبكة واسعة من الأنفاق في غزة، أو عن طريق البحر، أو من خلال الرحلات الجوية التي يمكن لسكان غزة أن يستقلوها من خارج إسرائيل.
وأكد ناجي أيضاً أنه “كما تعلمون نحن محور، محور مقاومة. كان يشرف عليه [قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني] بنفسه”، مضيفاً أن الأسلحة التي قدمتها إيران، مثل صاروخ كورنيت المضاد للدبابات الموجه بالليزر روسي الصنع، عززت قدراتهم.
وتسمح إيران بمستوى من الاستقلالية في اتخاذ القرار بين وكلائها، ولكن كما أوضح هذا المقال، فقد تحركت طهران مراراً وتكراراً لمعاقبة المجموعات غير المطيعة بشكل كاف، مما أدى بها إلى التفكك، أو هندست الانشقاقات لإضعافها أو الضغط عليها للامتثال.
لقد كان استيلاء حماس على غزة بمثابة الوسيلة التي استوعبت بها إيران الفصائل المنشقة عن حركة فتح في فلكها. وحتى لو لم يكن من الممكن السيطرة على هذه الفصائل بالكامل، فإن خلق الاعتماد على أسلحة إيران وأموالها وأشكال أخرى من الدعم السياسي سهّل إعادة تشكيلها تحت مظلة إيران. ومن خلال تنمية العلاقات مع الفصائل المسلحة التي تختلف مع فتح التي يتزعمها عباس، تمكنت إيران من تجنيد القوى البشرية لـ”محور المقاومة” وإنشاء نقطة ضغط داخل الحركة. علاوة على ذلك، منح الوجود المستمر لمقاتلي فتح المنشقين في غزة لإيران نفوذاً لضمان طاعة حماس والجهاد الإسلامي. وقد قامت إيران برعاية مجموعات صغيرة وأقل شعبية مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين كجزء من مظلة أكبر من الجماعات المتحالفة مع طهران، ولكن من المرجح أنها كانت تؤدي في الوقت نفسه أدواراً أخرى، بما في ذلك مواجهة السلطة الفلسطينية، وإذا لزم الأمر ممارسة الضغط على حماس والجهاد الإسلامي.
ومع استمرار الهجوم الإسرائيلي على غزة، فمن الممكن أن تضطر بعض الجماعات الفلسطينية المسلحة إلى تحويل مركز ثقلها إلى لبنان، وهذا من شأنه أن يعرضها لنفوذ إيراني أعمق. في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول 2023، أصدر فرع حماس في لبنان بياناً يدعو إلى إنشاء “طلائع طوفان الأقصى”، وهي مجموعة تركز على “مقاومة الاحتلال [الإسرائيلي]”. ونظراً لأن أي أنشطة مسلحة من جانب حماس في لبنان يجب أن تتم بالتنسيق مع حزب الله، فإن هذه المجموعة ستخضع أيضاً لدرجة من السيطرة من قبل صناع القرار الإيرانيين الذين يمارسون نفوذهم على حزب الله. وكما رأينا سابقاً مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، فإن الجماعات التي تعتمد على استخدام لبنان أو سوريا كمناطق انطلاق أصبحت أكثر خضوعاً لرعاتها في دمشق أو طهران.
وحتى لو هُزِمت حماس والجهاد الإسلامي عسكريًّا في غزة في الأشهر المقبلة، فسوف يظل أمام إيران العديد من الخيارات للعمل في غزة والضفة الغربية. وكما ذكر إيان بريمر من “مجموعة أوراسيا للأبحاث” في مقال له في الحادي والثلاثين من أكتوبر/ تشرين الأول: “إن الحرب تعمل على استقطاب وتجنيد أعداد أكبر كثيراً من الفلسطينيين مقارنة بما قد تفعله دعاية حماس”. ومن المرجح أن تحاول إيران إعادة بناء شبكتها في غزة من الفلسطينيين المتطرفين حديثاً، بما في ذلك بين الجهات الفاعلة اليسارية والإسلاموية والفصائل الأصغر حجماً التي تستطيع إيران السيطرة عليها بشكل أقوى.
وفي هذا السيناريو، ينبغي لنا أن نتوقع أن تستمر إيران أيضاً في تفكيك مجموعات من فتح / السلطة الفلسطينية. ففي الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني، ظهرت مجموعة غامضة تزعم أنها تمثل أعضاء داخل أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية. وطالبت المجموعة التي أطلقت على نفسها اسم “أبناء أبو جندل” (أبو جندل، الذي سمّيت هذه المجموعة باسمه، هو يوسف أحمد ريحان، كان قائداً ميدانياً في معركة مخيم جنين عام 2002، وأعدمته إسرائيل رمياً بالرصاص) محمود عباس وقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بالانخراط في أعمال عنف ضد إسرائيل أو الثورة ضد عباس. وعلى الرغم من أنه لم يتم إثبات أي صلة بين المجموعة وإيران حتى الآن، وعلى الرغم من أن المجموعة هدأت منذ ذلك الحين، فإن طهران استغلت هذا النوع من المجموعات المنشقة في الماضي.
في الأشهر المقبلة، من المرجح أن تستمر إيران في استخدام الجزرة (على سبيل المثال، التمويل) والعصا (على سبيل المثال، رعاية الجماعات المنشقة) من أجل ضمان وتعميق سيطرتها على الجماعات التي تشكل “محور المقاومة” الفلسطيني. ومع فرض الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة ضغوطاً متزايدة على هذه الجماعات، فإن نفوذ إيران سوف يتأكد أكثر. ونظراً لأن إيران تهدف إلى تقديم الدعم لمجموعة واسعة من الجماعات الجديدة والراسخة، وخاصة تلك التي لديها توجهات أكثر عنفاً، فإن التأثير المتطرف للحرب على الفلسطينيين يوفر أرضاً خصبة لطهران للمضي قدماً في مخططها لإشعال التوترات في المنطقة.
الكاتب: فيليب سميث
