تقارير ودراسات

الطريق إلى السابع من أكتوبر: كيف شكلت إيران وأدارت “محور المقاومة” الفلسطيني ـ 5

الجزء الخامس: استراتيجية طهران في بناء وحدة وتماسك وكلائها من خلال المجموعات المظلية وغرف العمليات المشتركة

لقد كانت المجموعات المظلية وغرف العمليات المشتركة سمة معتادة في الساحة الفلسطينية لعقود من الزمن، وقد صُنعت بانتظام من قبل جهات فلسطينية مختلفة. في الواقع، عملت منظمة التحرير الفلسطينية نفسها كمجموعة مظلية. وكان عمر بعضها أقصر من غيرها. في الآونة الأخيرة، تشير المجموعات المظلية التي تضم وحدات شبكة وكلاء إيران الفلسطينية في غزة إلى مستوى معين من النفوذ والتوجيه الإيراني. لقد أظهرت إيران بانتظام رغبتها في بناء مظلات لوكلائها لتنظيم مجموعات مختلفة أيديولوجيًّا ودينيًّا تمارس عليها مستويات متفاوتة من السيطرة.

قبل مناقشة استخدام إيران للمظلات في السياق الفلسطيني، من المفيد عرض استخدام طهران السابق لهذه الاستراتيجية في أماكن أخرى. ففي عام 1997، أنشأ حزب الله اللبناني سرايا المقاومة اللبنانية، وهي ميليشيا غير طائفية تعمل كمساعد للقوات الشيعية الرئيسة التابعة لحزب الله. كما امتد نشاطها إلى أن تصبح وسيطاً بين حزب الله وإيران والجماعات المسلحة المناهضة لإسرائيل في لبنان. ووفقاً لكريس زامبيليس، فإن المجموعة كانت “تعمل على إقامة علاقات عملياتية مع الميليشيات غير الإسلامية التي تتبنى مجموعة من الأيديولوجيات المختلفة ولكنها مع ذلك تعمل تحت مظلة المقاومة. ويشمل هذا المسلحين الذين يروجون لأيديولوجيات علمانية وقومية واشتراكية ويسارية”.

وعلى الرغم من أن سرايا المقاومة اللبنانية لم تكن مجموعة مظلية بحد ذاتها، فقد سمحت لحزب الله ببناء هياكل مظلية غير رسمية مع مجموعات أخرى حافظت على أيديولوجياتها ومستويات استقلالها الخاصة. وكنتيجة جزئية لهذه التطورات الشبكية، في مايو/ أيار 2008، عندما هددت السلطات اللبنانية شبكة الاتصالات التابعة لحزب الله بالإغلاق، لم يحشد الحزب حلفاء طائفيين مثل حركة أمل فحسب، بل حشد أيضاً مجموعات علمانية مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي. ثم اقتحمت هذه المجموعات بيروت. وفي عام 2013، نسقت وحدات من الحزب السوري القومي الاجتماعي مع حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية في سوريا وقاتلت إلى جانبهم. بل إن العلاقة توثقت إلى درجة أن الحزب السوري القومي الاجتماعي العلماني تبنى الخطاب الطائفي لحزب الله.

وفي العراق، تشكل قوات الحشد الشعبي مثالاً آخر للشبكات المظلية الإيرانية. فمنذ تشكيله في عام 2014، كانت تهيمن عليه بشكل ساحق مجموعات الميليشيات الشيعية والقادة المدعومين من إيران. ومع ذلك، ضم الحشد الشعبي أيضاً أعضاء موالين لفصائل تتعارض مع المصالح والأيديولوجية الإيرانية.

وكما سبق أن أشرنا، فإن الجماعات شديدة الولاء لإيران، مثل منظمة بدر، تشكل أكبر قوة في قوات الحشد الشعبي. كما نشأ العديد من قادة الحشد الشعبي في صفوف جماعة أخرى موالية لإيران، وهي كتائب حزب الله. وبمرور الوقت، أسقط الإيرانيون بعض المجموعات بسبب قضايا تتراوح بين الولاء، ومستويات الإجرام غير المقبولة، أو لأنها عارضت إيران علناً. وقد أظهر هذا نفوذ إيران على مختلف الميليشيات الشيعية وقدرتها على بناء مجموعة أساسية من الشركاء الفعالين داخل الفصائل المختلفة.

بالانتقال إلى السياق الفلسطيني، وعلى أمل جمع مختلف الفصائل المنشقة عن فتح، والمجموعات اليسارية والإسلامية، في شبكة أكثر ولاءً وتماسكًا عسكرياً وسياسياً، كان من مصلحة إيران تشكيل مظلات جديدة لشبكتها غير التقليدية من الوكلاء الفلسطينيين. ومن الأمثلة المبكرة على ذلك منظمة المقاومة العشرة، التي أنشئت في عام 1991 في المؤتمر العالمي الذي نظمته إيران لدعم الثورة الإسلامية في فلسطين. وقد أنشأت حماس والجماعات الفلسطينية اليسارية هذه المجموعة المظلية احتجاجاً على المفاوضات بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.

وفي سبتمبر/ أيلول 2023، قبل أيام من هجوم السابع من أكتوبر / تشرين الأول، أسست حماس والجهاد الإسلامي أيضاً غرفة عمليات مشتركة في بيروت. ووفقاً لوكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية الرسمية، أشاد وزير الخارجية الإيراني بالمجموعة و”أكد على الحاجة إلى الوحدة بين جميع الفصائل الفلسطينية”.

وتضمنت غرفة عمليات مشتركة أخرى، كانت تعمل منذ عام 2021، حزب الله اللبناني وحماس. واستخدمت غرفة العمليات المشتركة هذه حزب الله كمنسق بين طهران ووكلاء إيرانيين آخرين في العراق وسوريا واليمن وفلسطين. وقال إبراهيم الأمين، الكاتب في صحيفة الأخبار الموالية لحزب الله، لصحيفة المنار التابعة للحزب، إن غرفة العمليات المشتركة في بيروت ضمت في عام 2021 فصائل فلسطينية غير حماس، واستخدمت حزب الله لتهريب عملاء حماس الميدانيين في غزة إلى بيروت، وأن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني قام بزيارتين إلى مكاتب المجموعة خلال أسبوعين من القتال بين القوات الفلسطينية في غزة والضفة الغربية في مايو/ أيار من ذلك العام.

كان المشروع الفلسطيني الرئيس لإيران، والذي كان بمثابة مظلة، قد نما في غزة والضفة الغربية، وهو غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية. في البداية، تأسست غرفة العمليات المشتركة هذه كشراكة بين حماس والجهاد الإسلامي في عام 2006. ثم أضيف إليها عشر منظمات مسلحة أخرى، بما في ذلك منشقون عن حركة فتح وجماعات يسارية، بين يناير / كانون الثاني 2017 ويوليو / تموز 2018. في نوفمبر / تشرين الثاني 2018، أشار يحيى السنوار، زعيم حماس السابق في غزة والقائد العسكري البارز، إلى غرفة العمليات المشتركة باعتبارها هيئة من شأنها أن تشكل “نواة لجيش التحرير”. وبحلول ديسمبر/ كانون الأول 2018، بدأت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وخاصة كتائب أبو علي المصطفى، في إحالة أمر تنفيذ عمليات مسلحة إلى غرفة العمليات المشتركة. وقد برزت الغرفة بشكل أكثر جرأة مع شن هجمات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، وجولة من الهجمات الصاروخية من غزة في عام 2019. كما عرضت مواد تسويقية جديدة، بما في ذلك الأيقونات وملصقات الدعاية، بدءاً من عام 2020.

كانت جميع المجموعات المشاركة في غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية تتمتع بمستويات عالية من الدعم الإيراني وتم تسويقها ظاهريًّا على أنها قوة أكثر توحداً. “بقوة الله، نقاتل معاً و[سوف] ننتصر معاً”، كما جاء في بيان صادر عن الغرفة في ديسمبر / كانون الأول 2020. في هذا التاريخ، أعلنت غرفة العمليات المشتركة عن سلسلة جديدة من التدريبات المسلحة “لتعزيز التعاون والإجراءات المشتركة … [لـ] رفع جاهزيتها القتالية بشكل دائم ومستمر”. نشرت الغرفة دعاية مصقولة للغاية حول التدريبات التي تضمنت إطلاق الصواريخ، ومحاكاة أخذ رهينة من الجيش الإسرائيلي من دبابة، ومداهمة هياكل صغيرة، ونشر ما كان على الأرجح صواريخ دفاع جوي محمولة من طراز ميساغ إيرانية الصنع، واستخدام بنادق اي ام50 إيرانية الصنع. في مقاطع فيديو أخرى من التدريبات، قام غواصون مقاتلون بمحاكاة مداهمة أهداف ساحلية واعتراض قوات بحرية إسرائيلية وهمية. تم استخدام كل هذه التكتيكات لاحقاً في هجمات السابع من أكتوبر / تشرين الأول. وأشار المحلل جو تروزمان إلى أن عملية التدريب هذه كانت “الأولى من نوعها وهي جهد بالغ التعقيد لإعداد الجماعات المسلحة الفلسطينية لمواجهة صراع عسكري محتمل ضد إسرائيل”. وقد اتبعت الدعاية التي أنتجتها غرفة العمليات المشتركة نماذج التصوير والرسومات وحتى النصوص التي تستخدمها إيران ووكلاؤها الآخرون في المنطقة.

في أعقاب الاشتباكات التي وقعت في مايو/ أيار 2023 بين غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، وجه قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني تحية خاصة إلى الغرفة، مضيفاً أن عملياتهم “أثبتت مرة أخرى أنه بالاعتماد على الله تعالى والعزيمة القوية والإدارة الحكيمة، [كانت هذه القوات] قادرة على كسر قوة العدو”. وفي خطوة تكشف وضع غرفة العمليات المشتركة كوكيل لإيران، خصص الإعلام الإيراني الغرفة بتغطية منتظمة وإشادة عالية. ومع ذلك، بحلول سبتمبر/ أيلول 2023؛ أي قبل شهر من عمليات “طوفان الأقصى”، بدا أن غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية توقفت عن النشاط. لم تظهر أي منشورات على تطبيقها على تيليجرام، واختفت أخبارها. ومن المحتمل أن يكون هذا راجعاً لأسباب تتعلق بالأمن العملياتي أو لأسباب أخرى تتعلق بالهجوم الوشيك في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. لقد شاركت جميع المجموعات المكونة لغرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية تقريباً في الهجوم على إسرائيل في أكتوبر/ تشرين الأول، وقامت بذلك بطريقة تعاونية منسقة. ويبقى أن نرى ما إذا كان سيتم إحياء الغرفة في الأشهر المقبلة.

 

الكاتب: فيليب سميث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى