الطريق إلى السابع من أكتوبر: كيف شكلت إيران وأدارت “محور المقاومة” الفلسطيني ـ 4
الجزء الرابع: تواصل إيران مع الجماعات اليسارية الفلسطينية

بسبب التهديد السياسي الذي شكلته الشيوعية لقوة الثورة الإسلامية في إيران، وكذلك لإلحادها، لا شك أن آية الله الخميني كان يكره الماركسية. ففي الفترة من 1982 إلى 1983، سعى الخميني إلى اعتقال وإعدام المعارضين الشيوعيين في حزب توده اليساري في إيران. وفي رسالته إلى رئيس الوزراء السوفييتي ميخائيل جورباتشوف في عام 1989، أشار المرشد الأعلى إلى أن “من الواضح للجميع أن الشيوعية يجب أن يُبحث عنها من الآن فصاعداً في متاحف التاريخ السياسي العالمية”.
ولكن الجمهورية الإسلامية تصرفت بشكل أكثر براجماتية في التعامل مع الجماعات اليسارية الفلسطينية، فانتشلتها من أزمتها وأعادت تأسيسها كوكلاء قابلين للاستمرار. كان انهيار الاتحاد السوفييتي، إلى جانب توقيع اتفاقات أوسلو في عام 1993، بمثابة وقت عصيب بالنسبة للمنظمات اليسارية الفلسطينية. فبعد أن تُركت من دون داعميها الشيوعيين، مع معاناتها من الشعور بالفشل الأيديولوجي ومن عقود من القتال والخسائر السياسية الداخلية بسبب الاقتتال الداخلي بين الفصائل، وعجزها عن التقدم بسبب جهاز قيادي متقدم في السن، واجه العديد من هذه الجماعات خياراً صعباً بين الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية التي يتزعمها عرفات، ثم إلى السلطة الفلسطينية في وقت لاحق، أو محاولة الحفاظ على مستوى معين من النضال مع قدرة متضائلة للغاية على تنفيذ أي هجمات، أو التلاشي في غياهب النسيان. وكانت محاولات إيران لكسب ولاء الجماعات اليسارية نابعة من نقاط الضعف هذه.
وبصرف النظر عن الاختلافات الأيديولوجية الأساسية الواضحة، هناك قواسم مشتركة بين الجماعات اليسارية الفلسطينية وأسلوب العمل الإيراني. فالعديد من الفصائل الماركسية الفلسطينية التي نشأت في الستينيات والسبعينيات كانت شديدة الجرأة عندما يتعلق الأمر بالأعمال العنيفة والهجمات الإرهابية. وكانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إحدى أقدم المنظمات وأقواها في تلك الفترة، رائدة في عمليات اختطاف الطائرات المدنية وتجنيد المقاتلين لمواجهة حلفاء الولايات المتحدة من الدول العربية المعتدلة.
كانت استراتيجية وتكتيكات العديد من الجماعات اليسارية الفلسطينية متوافقة في كثير من الأحيان مع الفكرة السائدة عن العنف بوصفه السبيل الوحيد لإقامة الدولة الفلسطينية. وقد توافق هذا بشكل جيد مع أيديولوجية “المقاومة الإسلامية” العنيفة التي دفعت بها إيران لصالح وكلائها من الإسلاميين الشيعة مثل حزب الله اللبناني. ومع تجذر خيار العنف في الساحة الفلسطينية، كان هناك المزيد من الجماعات المتشددة التي يمكن لإيران تجنيدها. علاوة على ذلك، ومن الناحية السياسية، عارض العديد من الجماعات اليسارية بشدة اتفاقيات أوسلو لعام 1993 أو حافظ على مواقف غامضة بشأنها. كما عارضت إيران ووكلاؤها الاتفاقيات، مما أدى إلى خلق تحالف بشأن هذه القضية. وفي حديثه إلى مصر اليوم في عام 2017، صرح أبو أحمد فؤاد، نائب زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومقره دمشق، “إن الجبهة [الشعبية لتحرير فلسطين] هي مثلث قوة يعارض النهج السياسي الذي تمثله القيادة الحالية لمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية”. لقد اعتبرت إيران الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أداة للتأثير على الشؤون الداخلية الفلسطينية. وكانت الجبهة وجناحها العسكري، كتائب الشهيد أبو علي مصطفى، التي تقدمت إلى داخل إسرائيل خلال هجمات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول [ولا تزال] أقوى جماعة يسارية فلسطينية تتودد إليها إيران. ومع ذلك، من المهم أيضاً أن نستعرض جهود إيران في بناء شبكة وكلاء بين المنظمات اليسارية الأصغر حجماً والأكثر تجاهلاً، والتي نشأ العديد منها من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وتولي هذه المقالة قدراً كبيراً من الاهتمام لهذه المنظمات.
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة: أول وكيل يساري لإيران
في السنوات الأخيرة، أشادت الجماعات اليسارية الفلسطينية بقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الراحل قاسم سليماني لاحتضان إيران للفصائل الفلسطينية المتباينة أيديولوجياً. في مقابلة أجريت عام 2021 مع مجلة العهد الرسمية لحزب الله، صرح نائب زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبو أحمد فؤاد بأن “الشهيد سليماني أزال تماماً قضايا التحيز عندما قال: سنضع جانباً أي خلافات أيديولوجية ونتشارك في هدف واحد، المقاومة لإزالة الكيان السرطاني [إسرائيل]”. في الواقع، كان سليماني يبني على محاولات إيرانية سابقة لإحراز تقدم مع الجماعات اليسارية الفلسطينية.
كانت المحاولة الأولى لإيران لاستقطاب جماعة يسارية فلسطينية تحت جناحها تتعلق بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة. تأسست الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة في عام 1968 على يد أحمد جبريل، وكانت نتيجة للانشقاق عن جماعتها اليسارية الأم: الجبهة الشعبة لتحرير فلسطين، واشتهرت المجموعة بهجماتها الإرهابية المتقدمة. حكم جبريل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة بقبضة من حديد حتى وفاته في عام 2021؛ وغالباً ما قُتل منشقون من مجموعته عقاباً على عدم الولاء. في ذلك الوقت، فضلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة العمل العنيف ونظرت بازدراء إلى الجهود التي تركز على العمل النظري مثل كتابة أوراق حول النظرية اليسارية، والتي كانت محور عمل العديد من الجماعات الفلسطينية اليسارية. وقد دفع هذا المجموعة إلى تنفيذ بعض الهجمات الجريئة في السبعينيات والثمانينيات. وفي عام 1987، تضمنت إحدى هذه الهجمات استخدام طائرتين شراعيتين آليتين وأسفرت عن مقتل ستة جنود إسرائيليين. ومن المرجح أن هذه العملية كانت بمثابة مصدر إلهام لاستخدام الطائرات الشراعية الآلية والطائرات الشراعية من قبل حماس في 7 أكتوبر / تشرين الأول. في الواقع، في 10 أكتوبر / تشرين الأول، نشرت صحيفة الميادين المؤيدة لحزب الله مقالاً يخلد ذكرى هجوم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة عام 1987. كما تبنت وحدات النخبة في الحرس الثوري الإيراني استخدام هذه المركبات الترفيهية كأسلحة، والتي، على سبيل المثال، أظهرت استخدامها في عام 2019.
لقد حافظت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة على علاقات وثيقة مع الزعيم السوري حافظ الأسد ثم ابنه بشار، وعملت كوكيل لسوريا طوال السبعينيات والثمانينيات، وخاصة أثناء الاقتتال الداخلي الفلسطيني. وقد لاحظ آدم دولنيك أن “علاقة المجموعة بسوريا كانت عاملاً رئيسياً في عدم تحقيق جبريل للمكانة البارزة التي يستحقها بناءً على تفوقه العسكري ومهاراته في تنفيذ الهجمات المذهلة”، حيث دفع عنف المجموعة ضد الجماعات الفلسطينية الأخرى واستعدادها للتماهي مع إرادة سوريا بعض المنتقدين الفلسطينيين إلى وصم أحمد جبريل والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة باعتناق “العدمية الثورية”.
وبدءاً من تسعينيات القرن العشرين، عززت إيران اتصالاتها مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة من خلال حزب الله اللبناني. ووفقاً لغاري جامبيل، “سُمح لبضعة مئات من مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة بالعمل ضد إسرائيل بالتعاون مع حزب الله طيلة تسعينيات القرن العشرين”. ولاحظ جامبيل أن المجموعة كانت تفتقر إلى هياكل القيادة والسيطرة التنظيمية في لبنان، وكانت تنسق في تنفيذ العمليات مع حزب الله اللبناني. وانطلاقاً من عام 2000، بدأت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة في محاولة تهريب الأسلحة إلى حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني في غزة.
خلال تسعينيات القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، منحت عدة عوامل إيران فرصاً لكسب المزيد من النفوذ بين الجماعات اليسارية الفلسطينية. كان أحد هذه العوامل الروابط العميقة بين سوريا وإيران في تلك الفترة. وكان العامل الثاني هيمنة دمشق على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة وغيرها من المجموعات اليسارية. وكان العامل الثالث قدرة دمشق على منح الجماعات اليسارية الفلسطينية مناطق للتجمع في سوريا وفي لبنان الذي كان محتلًّا من قبل سوريا آنذاك. رابعاً، كان لجماعات مثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة مقارّها الرسمية في دمشق. وفي عام 1997، أشار هارولد كوبيرت إلى أن “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي يقع مقرها في دمشق، والتي يعتمد وجودها الحالي على دعم سوريا، ليست في وضع يسمح لها بتنفيذ استراتيجيتها ضد إسرائيل والغرب ما لم يسمح لها مضيفها بذلك”. ومع تنامي النفوذ الإيراني في سوريا منذ عام 2013 بسبب دعم نظام الأسد، اضطرت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة بلا شك إلى الاستجابة بشكل متزايد لضغوط طهران والعمل معها.
في حالة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، كانت قاعدتها محدودة بسلسلة من المخيمات الفلسطينية في سوريا وبدرجة أقل في لبنان. في لبنان، أدى النفوذ الثقيل لحزب الله إلى مزيد من السيطرة الإيرانية على المجموعة. وفي سوريا، واصلت المجموعة العمل كخادم مخلص لنظام الأسد، حيث عملت كوكيل لكل من الأسد وإيران ضد الجماعات الجهادية السنية السورية والمتمردة والمعارضة الفلسطينية. خلال الحرب السورية، كان ولاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة للأسد راسخاً، وتزايدت أعمالها العنيفة ضد المجموعات الفلسطينية لدرجة أن فروعها المتمركزة خارج سوريا ولبنان عارضت بنشاط جبريل ومجموعته. على سبيل المثال، قال عضو سابق في المكتب السياسي للمنظمة في غزة للمونيتور إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة ارتكبت “عملاً مؤسفاً وغير مقبول نهائياً” عندما قصفت حي اليرموك الفلسطيني جنوب دمشق في عام 2012. ومع ذلك، حافظت المنظمة على مواقفها المؤيدة للأسد، كما حافظت إيران على روابطها مع المنظمة، على الرغم من عدم شعبيتها في الأوساط الفلسطينية، بل إن إيران استخدمت مجموعة من أعضاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة لإنشاء ميليشيا أخرى موالية للأسد في سوريا، وهي لواء القدس.
أصبحت كتائب الشهيد جهاد جبريل، التي سميت على اسم نجل أحمد جبريل، محمد جهاد جبريل، الذي قُتل في تفجير سيارة عام 2002، الجناح العسكري الجديد للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة في الضفة الغربية وغزة. وفي وقت لاحق، أعلنت كتائب الشهيد جهاد جبريل مسؤوليتها عن هجمات بالأسلحة الصغيرة ضد أهداف إسرائيلية، بما في ذلك هجوم بإطلاق النار على إسرائيليين بالقرب من الخليل في عام 2004، وهجوم آخر على قوات إسرائيلية في نابلس في عام 2005. ومع ذلك، كانت هذه الهجمات طفيفة ومحدودة النطاق.
ظلت كتائب الشهيد جهاد جبريل غامضة، ولكن بحلول عام 2018، وخاصة في غزة، أصبحت تتباهى بقدرات جديدة. وعلى الرغم من تصرفات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة ضد فلسطينيين آخرين في سوريا ونفوذها المحدود في المناطق الفلسطينية خارج لبنان وسوريا، بدا أن المجموعة لم تكتسب أعضاء شباب جدد فحسب، بل اكتسبت أيضاً أسلحة أكثر تقدّماً. في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، تم تصوير أعضائها، وهم يحملون صواريخ دفاع جوي محمولة. وخلال هجمات “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، والتي ادعت أنها شاركت فيها، أعلنت كتائب الشهيد جهاد جبريل خسارة اثنين من عناصرها. ونظراً لارتباطاتها العلنية بسوريا تحت حكم بشار الأسد؛ فمن المشكوك فيه للغاية أن تكون المجموعة قادرة على العمل، وخاصة في غزة، دون أي شكل من أشكال الدعم الإيراني، بالإضافة إلى موافقة حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين.
كانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة مجموعة واضحة يمكن لطهران استخدامها في غزة. كان نظام الأسد يتمتع بالفعل بدرجة عالية من السيطرة على المجموعة، مما سهل الاختراق الإيراني. في لبنان، كان لزاماً على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة أن تحصل على موافقة حزب الله من أجل تنفيذ أي هجمات عسكرية ضد إسرائيل. وكانت النضالية المتعصبة للجبهة، وتاريخها في دعم حزب الله والعمل معه، ونزعتها العسكرية المتشددة، سبباً في جعلها شريكاً جذّاباً لإيران.
الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين: الوكيل الآخر لطهران
تأسست الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في عام 1969، وكانت هي الأخرى نتيجة للانشقاق عن جماعتها اليسارية الأم: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وقد اكتسبت هذه المجموعة الصغيرة، بقيادة المسيحي الأردني الفلسطيني نايف حواتمة، سمعة مبكرة باعتبارها ذات قاعدة فكرية شيوعية قوية. ووفقاً لجيليان بيكر، فإن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين “كانت لها علاقات وثيقة بشكل خاص مع الاتحاد السوفييتي”. وكثيراً ما عملت الجبهة كوسيط بين الجماعات اليسارية المتطرفة ومنظمة التحرير الفلسطينية التي تهيمن عليها حركة فتح. ونفذت المجموعة عدداً من الهجمات القاتلة، بما في ذلك مذبحة معالوت عام 1974 التي قُتل فيها أكثر من 20 تلميذاً. ومع ذلك، مع انهيار الاتحاد السوفييتي، ومفاوضات السلام بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، والتي انتهت بتوقيع ياسر عرفات على اتفاقيات أوسلو عام 1993، واجهت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين أوقاتاً عصيبة.
وبسبب مفاوضات منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل ثم اتفاقيات أوسلو، أدى انشقاق داخلي بقيادة ياسر عبد ربه (أبو بشار) إلى ابتعاد عدد من أتباع الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عن معسكر حواتمة. وفي عام 1993، رفضت الجبهة اتفاقيات أوسلو وترددت في دعمها لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات. وبحلول أواخر التسعينيات، كانت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين تتخبط. فقد واصلت بعض الهجمات العنيفة خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لكنها كانت مجزأة، ولا تقارن بالهجمات الإرهابية الناجحة التي شنها منافسون فلسطينيون، ولا تمثل قدرات المجموعة خلال ذروتها في السبعينيات.
ولكن بحلول العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت المجموعة على اتصال متزايد بإيران ووكلائها. وفي عام 2011، عقدت المجموعة مؤتمرها الحادي عشر في بيروت وتضمن خطاباً للنائب البرلماني عن حزب الله نواف الموسوي. وخلال خطاب الموسوي، “شدد على ضرورة أن تتغلب الفصائل الفلسطينية على خلافاتها السياسية، حتى تتمكن [بشكل أفضل] من مواجهة العدوان الإسرائيلي”. واستمرت الاجتماعات وأشكال أخرى من التنسيق بين المجموعة وحزب الله. وفي عام 2013، استخدم حزب الله الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين للمساعدة على توزيع الطعام على اللاجئين الفلسطينيين النازحين من القتال في سوريا. وقد أتت هذه المبادرة بنتائج عكسية. فنظراً لأن العديد من اللاجئين كانوا قد شاهدوا للتو أحياءهم تدمر على يد القوات الموالية للأسد، فقد أحرقوا الطعام احتجاجاً على هذه المبادرة من حزب الله.
في عام 2012، حاولت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الحفاظ على موقف مماثل لموقف حركة الجهاد الإسلامي فيما يتعلق بالقتال في سوريا. وبالاشتراك مع فتح وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني الصغيرة، عملت الجبهة على البقاء على الحياد تجاه الفلسطينيين الذين يعيشون في سوريا. وفي حين لم ترد تقارير عن مشاركة المجموعة في القتال على جانبي الحرب السورية، فإنها حافظت على موقف مؤيد نسبياً للأسد. في عام 2021، قدم نايف حواتمة تهنئته لبشار الأسد عندما أعيد انتخابه رئيساً لسوريا. كما استمرت الاجتماعات بين الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وحزب الله اللبناني حتى عام 2023، حيث هنأ وفد من الجبهة حزب الله في يوليو / تموز من ذلك العام على “انتصاره”، في إشارة إلى حرب حزب الله وإسرائيل عام 2006، قائلاً إن هذا الانتصار كان جزءاً من “الطريق إلى النصر والتحرير الفلسطيني”.
كان الجزء الأكثر ديناميكية من التعاون بين الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وإيران في قطاع غزة. فقد تأسست في عام 2000 كتائب المقاومة الوطنية ـ قوات الشهيد عمر القاسم المعروفة أيضاً باسم كتائب المقاومة الوطنية، وهي أحد أوضح الأمثلة على النفوذ الإيراني داخل الجبهة. في البداية، تشكلت هذه الكتائب حول هياكل خلوية في الضفة الغربية وغزة، بمساعدة إيرانية، ثم تحولت إلى هيكل مسلح أكثر تماسكاً وبواجهة أكثر حداثة.
بحلول عام 2019، كانت كتائب المقاومة الوطنية التابعة للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين تتباهى بقدراتها القتالية في غزة. في أحد العروض، أظهرت المجموعة أن لديها إمكانية الوصول إلى أنظمة الدفاع الجوي المحمولة، وهي على الأرجح من صنع إيراني. في عام 2021، نشرت المجموعة صوراً لمقاتليها وهم يستخدمون بندقية من طراز اي ام-50 عيار 50 إيرانية الصنع. ومن المحتمل أيضاً أن تكون كتائب المقاومة الوطنية قد تلقت مساعدة من إيران فيما يتعلق بعملها الإعلامي، حيث أطلقت قناة على تطبيق تيليجرام في عام 2019 لمزيد من الدعاية الإعلامية المتقدمة. ويمكن حتى رصد علامات النفوذ الإيراني في نوع الموسيقى المستخدمة في مقاطع الفيديو الدعائية. وفي الفترة من 2019 إلى 2022، لوحظ على المجموعة تصاعد نشاطها المسلح، وخاصة من خلال استخدام قذائف الهاون والذخائر الصاروخية. وستشمل هذه الأنشطة أيضاً وكلاء إيرانيين آخرين. وفي مايو / أيار 2022، ادعت المجموعة تنفيذ عملية مشتركة مع حركة الجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى في غزة.
علاوة على ذلك، أعلنت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عن ولائها لإيران من خلال إحياء ذكرى وفاة قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في 3 يناير/ كانون الثاني 2020 على وسائل التواصل الاجتماعي. وقالت المجموعة إن وفاة سليماني “لن تزيد إلا من تصميمنا على اتباع نفس مسار [ذلك] القائد الشهيد”. وبعد حوالي أسبوعين، نشرت الجبهة مواد أرسلت إشارات أكثر دقة حول روابطها بطهران. فخلال حفل أقيم في يناير/ كانون الثاني 2020 لتكريم السجين الفلسطيني المحرر علاء أبو جزر، كان الحفل مليئاً بأعضاء الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وهم يحملون أسلحة أمام ملصقات “الاستشهاد” المخصصة لأعضاء حركة الصابرين الشيعية.
لقد حظيت الأجنحة العسكرية للجماعات اليسارية الفلسطينية مثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بعمليات تسليح ودعم متزايدة من قبل إيران. فمن تقديم أسلحة حديثة صغيرة إلى أسلحة أثقل والوصول إلى تحالفات جديدة مع جماعات مسلحة أكثر قوة في غزة، استعرضت كتائب المقاومة الوطنية التابعة للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين هذه التطورات بحماس. ومع ذلك، لم يحظ الجناح السياسي للجبهة، وخاصة على منصات التواصل الاجتماعي، بنفس الاهتمام من إيران، حيث بدا أنه لا يزال يستخدم تقنيات الرسائل القديمة ويفتقر إلى الصور المبهرة والزي الرسمي والاهتمام المخصص لكتائب المقاومة الوطنية.
الكاتب: فيليب سميث
