تقارير ودراسات

الحوثيون يواصلون التوسع إقليمياً ودولياً، ويبنون علاقات عمل مع الجماعات الجهادية والدول الراعية للإرهاب

يصور تقرير سري جديد من 537 صفحة أعدته لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة إلى لجنة مجلس الأمن التي تراقب الامتثال العالمي للعقوبات التي تفرضها المنظمة الدولية على اليمن الممزق بالحرب [يصور] تهديداً متزايداً للتجارة الدولية والاستقرار الإقليمي من جانب حركة الحوثيين (أنصار الله). فوفقاً للتقرير، فإن الحوثيين يبنون علاقات عمل مع موسكو وكذلك الجماعات الجهادية السنية العاملة في اليمن وفي القرن الإفريقي. والواقع أن العلاقات مع روسيا، وهي مصدر رئيس للأسلحة المتقدمة، تعزز القدرة على تصعيد تهديد الحوثيين ليس فقط للشحن التجاري في البحر الأحمر، بل وأيضاً للسفن الحربية التي تقودها الدول الغربية، والتي تسعى إلى تأمين نقطة الاختناق البحرية الحيوية من هجماتهم. من جانب آخر، فإن الروابط العملياتية مع الجماعات الجهادية الكبرى، بما في ذلك تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وحركة الشباب المجاهدين، وهي جماعة تابعة لتنظيم القاعدة ومقرّها الصومال، تعمل على توسيع نطاق تهديد الحوثيين الإقليمي في اليمن وحولها، وشبه الجزيرة العربية، والبحر الأحمر، والقرن الإفريقي.

ويشعر المسؤولون الغربيون بقلق خاص إزاء العلاقات المتنامية بين الحوثيين والكرملين، الذي يرى على ما يبدو في الجماعة اليمنية أداة للرد على الدعم الغربي لأوكرانيا وردعه. وفي تقاريرها السابقة، استشهدت لجنة خبراء الأمم المتحدة مراراً وتكراراً بمحاولات تقودها إيران لتهريب صواريخ كورنيت الموجهة المضادة للدبابات، وبنادق هجومية متطورة، وأسلحة أخرى إلى اليمن، وكلها بمواصفات وعلامات روسية. ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول، نقلاً عن العديد من مسؤولي الدفاع الأوروبيين، قدمت روسيا بيانات استهداف الأقمار الصناعية للحوثيين لمهاجمة الشحن التجاري في البحر الأحمر بالصواريخ والطائرات من دون طيار المسلحة في أوائل عام 2024. ومررت موسكو بيانات الاستهداف من خلال ضباط من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني المندمجين داخل الهيكل العسكري الحوثي. ووفقاً لتقارير أخرى، يعمل مستشارون من وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية الآن في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون تحت ستار عمال في منظمات الإغاثة الإنسانية.

وفي مقابل المساعدة الروسية، ورد أن الحوثيين ضمنوا مروراً آمناً للسفن الروسية عبر مضيق باب المندب في جنوب البحر الأحمر، كما ظهرت تقارير عديدة عن تجنيد الشباب اليمني للخدمة في الجيش الروسي في ساحة المعركة في أوكرانيا. ويوضح التعاون المتزايد بين الحوثيين وروسيا أن تصرفات روسيا في المنطقة تعكس العلاقات المتنامية بين الكرملين وإيران. فبعد أن أصبحت موسكو تعتمد على إمدادات الأسلحة الإيرانية في حربها ضد أوكرانيا، فإنها تنجذب بشكل متزايد إلى فلك طهران في الشرق الأوسط، وبالتالي فهي تبني علاقات مع شركاء إيران في “محور المقاومة” في المنطقة.

ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة إلى القادة الأمريكيين والأوروبيين والإقليميين هو الجهود التي تبذلها إيران ـ الداعم الرئيس للحوثيين وحليف موسكو بشكل متزايد ـ للتوسط في بيع روسيا صواريخ متطورة مضادة للسفن وأسلحة أخرى للحوثيين. وتشير مصادر عديدة إلى أن موسكو تفكر، لكنها لم تقرر بعد، في بيع صاروخ ياخونت للحوثيين. ويقول الخبراء إن هذا السلاح لن يمكّن الحوثيين من ضرب السفن التجارية في البحر الأحمر بدقة أكبر فحسب، بل سيزيد أيضاً من التهديد الذي تتعرض له السفن الحربية الأمريكية والأوروبية التي تدافع عنها. وحتى الآن، استخدم الحوثيون الصواريخ والطائرات من دون طيار المسلحة التي زودتهم بها إيران لاستهداف السفن الحربية للتحالف البحري الذي تقوده الولايات المتحدة، وكذلك السفن التجارية. وقد ضرب الحوثيون العديد من السفن التجارية وأغرقوا بعضها، لكن جهودهم لضرب السفن البحرية تم اعتراضها أو فشلت بطريقة أخرى. إن التهديد الحوثي المتزايد للسفن الحربية الذي قد تشكله صواريخ ياخونت قد يدفع شركاء الولايات المتحدة إلى الانسحاب من مهمة الدفاع في البحر الأحمر وتعطيل طرق الشحن العالمية بشكل أكبر. في أواخر أكتوبر/ تشرين الأول، غيرت ألمانيا مسار إحدى فرقاطاتها البحرية لتجنب المرور عبر البحر الأحمر؛ لأنها تفتقر إلى الدفاعات الكافية ضد قدرات الحوثيين المضادة للسفن.

وبسبب التهديد المتزايد الذي قد تشكله صواريخ ياخونت وغيرها من الأنظمة الروسية، بذل المسؤولون الأمريكيون وحلفاؤهم الإقليميون جهوداً دبلوماسية كبيرة لثني الكرملين عن استكمال مبيعات الأسلحة المتطورة للحوثيين. ووفقاً للخبراء، من المحتمل أن يستخدم الحوثيون صواريخ ياخونت كسلاح هجوم بري، وهو ما ستعتبره المملكة العربية السعودية بلا شك تهديداً. في صيف عام 2024، أفادت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية أن الكرملين رفض نقل صواريخ ياخونت إلى الحوثيين ردّاً على ضغوط من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. لقد عملت المملكة بشكل تعاوني مع روسيا بشأن سياسة تصدير النفط العالمية، والكرملين متردد في المخاطرة بالخلاف مع القادة السعوديين من خلال بيع أسلحة متطورة للحوثيين. ويعتقد كبار المسؤولين الأمريكيين أن الكرملين يستخدم التهديد بتزويد الحوثيين بهذه الصواريخ كوسيلة ضغط لإجبار واشنطن على الحفاظ على القيود المفروضة على استخدام أوكرانيا للأسلحة بعيدة المدى التي تزودها بها الولايات المتحدة ضد أهداف في عمق روسيا.

وركز تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة على الفوائد الاستراتيجية التي اكتسبها الحوثيون من توسيع علاقاتهم بالحركات المسلحة الإقليمية. وقدر التقرير أن المتمردين الحوثيين قد تحولوا “من جماعة مسلحة محلية ذات قدرات محدودة إلى منظمة عسكرية قوية”، بمساعدة التدريب التكتيكي والفني وكذلك الأسلحة من “… الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله، والمتخصصين والفنيين العراقيين…” ووفقاً للتقرير، نفذ الحوثيون هجوماً مشتركاً واحداً على الأقل مع المقاومة الإسلامية في العراق، وهي تحالف من الميليشيات العراقية الموالية لإيران، على ميناء حيفا الإسرائيلي.

وفي تصريحات عامة صدرت مؤخراً، زعم مسؤولون أمريكيون، بمن فيهم المبعوث الخاص إلى اليمن تيم ليندركينج، أن الحوثيين يزودون حركة الشباب المجاهدين، وهي فرع تنظيم القاعدة المتمركز في الصومال ولكنه نشط في مختلف أنحاء شرق إفريقيا، بالأسلحة. وفي تأكيد لمعلومات الولايات المتحدة، ذكر تقرير خبراء الأمم المتحدة: “بالإضافة إلى ذلك، لوحظت زيادة في أنشطة التهريب، التي تنطوي على أسلحة صغيرة وخفيفة، بين الحوثيين وحركة الشباب، مع وجود مؤشرات على وجود إمدادات عسكرية مشتركة أو مورد مشترك”. ونقل تقرير الأمم المتحدة أيضاً عن مصادر قولها: “إن الحوثيين يقيّمون الخيارات المتاحة لتنفيذ هجمات في البحر من الساحل الصومالي، من أجل توسيع نطاق منطقة عملياتهم [بالعمل مع حركة الشباب]”. ومن الممكن أن تؤدي الهجمات المنسقة بين الحوثيين وحركة الشباب ضد السفن في خليج عدن وبحر العرب إلى تفاقم التهديد الحوثي للشحن في البحر الأحمر، مما يزيد من تكاليف الشحن البحري، وربما يحبط محاولات الولايات المتحدة لمكافحة الهجمات.

في اليمن، يبدو أن الحوثيين قد شكلوا تحالفاً مع جماعة جهادية سنية، تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، لمحاربة خصومهم المشتركين، بما في ذلك حكومة جمهورية اليمن المعترف بها من قبل الأمم المتحدة والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات العربية المتحدة. ووفقاً لتقرير خبراء الأمم المتحدة: “اتفق كل من الحوثيين وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية على وقف الصراع الداخلي (ضد بعضهما البعض)، ونقل الأسلحة، والتنسيق بشأن الهجمات ضد قوات حكومة اليمن”. ووفقاً للتقرير، فضلاً عن مصادر الحكومة اليمنية، يزود الحوثيون تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بطائرات بدون طيار مسلحة وصواريخ حرارية ومعدات استطلاع، ويطلقون سراح شخصيات رئيسة في التنظيم من السجن. وعلى الأرض، يقول السكان المحليون إن المجموعتين لم تعدا تنخرطان في مناوشات مع بعضهما البعض، وهي علامة واضحة على أنهما تعملان معاً. وفي عصر المنافسة بين القوى العظمى، حيث قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بكبح الموارد المخصصة لمكافحة الإرهاب، فإن عودة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية إلى الحياة تشكل سيناريوهاً خطيراً.

إن الحوثيين يرون أن التعاون مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، الذي يعمل بشكل رئيس في جنوب اليمن، يشكل جزءاً لا يتجزأ من جهودهم الرامية إلى السيطرة على المزيد من الأراضي في اليمن. ومن جانبه، يقبل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية مساعدة الحوثيين، على الرغم من اختلافاته الأيديولوجية مع الحركة الشيعية الزيدية، من أجل إنشاء ملاذ آمن في اليمن. وتوفر المحافظات الجنوبية في البلاد لكلا المجموعتين إمكانية الوصول دون عوائق إلى ساحل كبير وممرات برية إلى شمال اليمن والدول العربية في الخليج الفارسي، وهو ما يضع الحوثيين في وضع أفضل لممارسة النفوذ على هذه الدول. وعلى الرغم من أن التعاون مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وكذلك مع حركة الشباب يوفر للحوثيين فوائد استراتيجية، فإن هذه التحالفات تعزز أيضاً التصور الغربي للحوثيين بوصفهم حركة إرهابية. فقد نفذ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية عدة هجمات على طائرات ركاب تجارية وأهداف أخرى خارج اليمن، ونفذت حركة الشباب العديد من الهجمات الإرهابية الكبرى في الصومال وكينيا وأماكن أخرى أسفرت أحياناً عن خسائر كبيرة في أرواح المدنيين. ومن المحتمل أن يؤدي ارتباط الحوثيين بهذه الجماعات إلى تعقيد الجهود العالمية للتوسط لإنهاء الصراع الداخلي المدمر الذي طال أمده في اليمن. لكنه في المقابل يمنح جماعتين تابعتين لتنظيم القاعدة الفرصة لتعزيز مكانتهما واكتساب المزيد من الزخم، مما يشكل تهديداً هائلاً للمنطقة وخارجها.

المصدر: صوفان جروب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى