الجهاد الناعم: كيف يستخدم الإرهابيون الدعاية لكسب الدعم المحلي؟
في واحد من إصداراتها الدعائية، نشرت ولاية غرب إفريقيا، وهي جماعة إرهابية منشقة عن جماعة بوكو حرام، صوراً لمحكمتها الشرعية في إحدى مقاطعات بحيرة تشاد الخاضعة لسيطرتها. وأظهرت الصور الإرهابيين، وهم يرتدون “زيهم الرسمي” في هيكل مرتفع بمعدن الزنك، مع “قاض” معمم (قاضي المحكمة الشرعية) جالس على كرسي، مع أكوام من المجلدات العربية / الإسلامية الضخمة على طاولة أمامه.
يعد هذا الهيكل مثالاً لمحكمة شرعية نموذجية يمكن العثور عليها في قرية نائية في شمال نيجيريا. وخلف القاضي كان هناك علم تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا، وجلس إلى جانبه اثنان من أمناء المحكمة، يدونان الملاحظات ويوقعان الأوراق باللغة العربية، لغتهما الرسمية المعتمدة.
وأظهرت صور أخرى أحد الإرهابيين، وهو يتلقى مبلغاً ضخماً كتعويض من “ديوان القضاء والشرطة” عن جريمة غير محددة.
قد يكون الهدف من الصور إغراء أعضاء جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد الهاربين من فصيل أبو بكر شيكاو التابع لبوكو حرام للانضمام إلى مقاتلي ولاية غرب إفريقيا بدلاً من الاستسلام للجيش النيجيري، حيث كان تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا قد عرض في وقت سابق الترحيب بمقاتلي جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد بين صفوفه وإنشاء محكمة للتعويض عن جرائم “الإرهاب” التي ارتكبها شيكاو قبل أن يفجر نفسه، كما جاء في تسجيل صوتي لأبي مصعب البرناوي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا.
منذ نشأتها، استغلت بوكو حرام آراء العديد من المسلمين في شمال نيجيريا الذين يعتقدون أن العدالة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال التجاهل التام للقوانين والأيديولوجيات التي وضعها الإنسان وقبول “القوانين السماوية” التي تجسدها الشريعة.
بعد أن شعر السكان بالإحباط بسبب الظلم وعدم المساواة في ظل الحكومات النيجيرية المتعاقبة، ألقوا باللوم على جماعة “يان بوكو” (المتعلمة في الغرب) لإدخالها نظام غريب عن البيئة الثقافية والدينية في المنطقة الشمالية، مما أدى إلى تدمير النظام الإسلامي الموجود مسبقاً وجلب المعاناة والفقر.
ويحاول تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا أن يكون أكثر “مرونة” في أنشطته للابتعاد عن التكتيك الوحشي الذي اتبعه شيكاو لفرض حكم الشريعة، والذي يعده بعض أعضاء بوكو حرام قاسياً ومفرطاً في العنف. وتحاول الحملات الدعائية التي يقوم بها التنظيم تصوير نفسه على أنه جيد التنظيم وله استراتيجية بعيدة المدى لتحقيق العدالة في المناطق الخاضعة لسيطرته.
ووفقاً لبعض الروايات، يوفر التنظيم المرافق الاجتماعية الضرورية لبعض المناطق التي يصعب الوصول إليها في بحيرة تشاد، والتي تخلت عنها الحكومة.
وخلال احتفالات العيد، لوحظ أن الإرهابيين يوزعون النقود على الشباب كهدايا، كما يفعل العديد من المسلمين المسالمين في شمال نيجيريا. وعلى النقيض من مقاطع الفيديو المنتظمة التي نشرها فصيل شيكاو، والتي تظهر أطفالاً صغاراً يلوحون بالبنادق ويتعهدون بسفك الدماء، شوهد الأطفال الصغار، وهم يتلقون الأموال بمرح من الإرهابيين، وتلا ذلك جلسة محاضرة للجماهير الغفيرة في المحافظة.
الثغرات والتلاعبات: الجذور التاريخية
قبل إعلان الحرب على الحكومة العلمانية في نيجيريا، وضع مؤسس بوكو حرام، محمد يوسف، بعض الأسس الإيديولوجية لإعداد أنصاره للجهاد العنيف. كانت حججه الرئيسة ضد الديمقراطية في فترة كانت هناك مناقشات عديدة حول هذا المفهوم بين المسلمين في شمال نيجيريا.
على الرغم من أن يوسف حاول إثبات أن حججه المناهضة للديمقراطية هي السبب الرئيس لتطرفه، إلا أن العديد من الظروف تضافرت مع متغيرات يعزز بعضها بعضاً، مما أدى إلى قبول تفسيره للإسلام من قبل العديد من الشباب في ولاية بورنو. وقد أعرب العديد من المراهقين الذين انضموا إليه عن عدم رضاهم عن الاتجاهات السياسية المحلية والدولية.
وتمكن يوسف من تجنيد أعضاء معظمهم من الشباب المحبطين، وخريجي المدارس الثانوية والجامعات العاطلين عن العمل، والأطفال المعوزين، في المقام الأول ولكن ليس حصراً، من شمال نيجيريا. وضم أيضاً بعض الأفراد الأثرياء والمتعلمين والمؤثرين الذين يتبنون أفكاره المتطرفة لإحداث “التغيير”.
وكانت الدوافع الدينية في قلب العوامل التي ساهمت في إقناع الناس بالانضمام إلى بوكو حرام، وفقاً لدراسة أجراها معهد السلام الأمريكي. قد يكون هذا التصور بين الأفراد والمنظمات الذين تمت مقابلتهم أثناء الدراسة “مدفوعاً بحقيقة أن بوكو حرام تدعي أنها جماعة إسلامية وتصور نفسها على أنها طائفة تدين أسلوب التعليم الغربي بوصفه غير إسلامي وبالتالي فهو محرم”.
“هذه عقيدتنا”
بدأ محمد يوسف، مثله مثل غيره من الجهاديين في جميع أنحاء العالم، بتقديم مبررات عقائدية لوصف كل من يختلف مع أيديولوجيته بالكافر. تكمن الأهمية اللاهوتية للكلمة في أنها استراتيجية “أخرى” لردع الأفراد عن الانتقاد العلني لوجهة النظر الدينية الجديدة.
كان هدف يوسف النهائي هو استخدام فهمه للشريعة ليحل محل الديمقراطية العلمانية، كما أدان الفلسفة التي يقوم عليها التعليم الغربي، والتي وصفها بالاستعمارية لاحتوائها على عناصر تتعارض مع الشريعة التي تحظر تدريس أو تعلم نظريات مثل التطور البيولوجي الدارويني، والتحليل النفسي الفرويدي، ونظريات دوركهايم الاجتماعية.
ناقش يوسف الديمقراطية والرموز الوطنية في كتابه “هذه عقيدتنا ومنهاج دعوتنا”، والذي حاول دحضها من خلال اقتباسات عن علماء سلفيين مشهورين مثل ابن تيمية وابن عثيمين، فضلاً عن علماء إرهابيين دوليين، مثل أبي مصعب الزرقاوي وغيره من الذين عارضوا الديمقراطية.
وفي الصفحة 37 من الكتاب، أعرب يوسف عن ازدرائه للديمقراطية، وأوضح سبب عدم إيمانه بها قائلاً: “نحن لا نؤمن بالديمقراطية التي ظهرت على وجه الأرض على أيدي أعداء الله من اليهود والنصارى. إنهم يزعمون تحت ستار الحرية والحكم الشعبي أنهم الله، ولكننا نعلم علم اليقين أن العدالة مبنية على ما أنزل الله، وليس على ما ابتدعه البشر كنظام”.
وخلافاً للاعتقاد السائد، لم يكن يوسف معارضاً للتعليم الغربي كلياً، لكنه كان معارضاً لبعض الأساليب والمبادئ التي تدرس في المدارس. وقد أورد في “هذه عقيدتنا” بعض الأنشطة “المنكرة” التي عارضها في المدارس العلمانية، بما في ذلك الاختلاط بين الجنسين، وتزين النساء، والرياضات البدنية مثل كرة القدم، وسفر النساء بمفردهن دون ولي أمر، وانتشار العلاقات الجنسية غير المشروعة (الزنا).
وادعى يوسف أن العمل في ظل حكومة علمانية يعني ضمناً الطاعة الكاملة لنظامها والولاء لأفكارها “الشركية”. وذكر أن كل من يعمل في حكومة علمانية أو يقوم بتدريس الأيديولوجية العلمانية في المدارس يساهم بشكل مباشر في تشكيل حكم مناهض للإسلام.
اكتسبت تعاليم يوسف زخماً في الشمال بسبب الاعتقاد السائد بأن “التعليم الغربي” في نيجيريا جاء من قبل المستعمرين البريطانيين لتقويض المبادئ الإسلامية والحفاظ على الحكم الغربي. وحتى اليوم، ما يزال الكثير من الناس في شمال نيجيريا ينظرون إلى التعليم الغربي، بوصفه شرّاً لا بد منه.
الرابط:
https://humanglemedia.com/soft-jihad-how-terrorists-use-propaganda-to-attract-local-support