الجماعات الجهادية المدعومة من تركيا وقادتها متهمون بقتل مدنيين في سوريا

قُتل مئات المدنيين في حوادث عنيفة في محافظتي اللاذقية وطرطوس السوريتين منذ السادس من مارس/ آذار، مع توجيه أصابع الاتهام للجماعات الجهادية المدعومة من تركيا وقادتها بارتكاب مجازر مروعة في المناطق ذات الأغلبية العلوية.
في البداية، قُتل ما لا يقلّ عن 11 عنصراً من قوات الأمن لتابعة لحكومة أحمد الشرع في هجوم نفذته فلول نظام بشار الأسد المخلوع في جبلة بمحافظة اللاذقية يوم 6 مارس/ آذار. وفي أعقاب الهجوم، نشر الجيش السوري تعزيزات في اللاذقية وطرطوس تتألف من مئات المركبات، بما في ذلك الدبابات وناقلات الجند المدرعة وقاذفات الصواريخ المتعددة. وبدأت عملية عسكرية للقبض على فلول النظام السابق في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، تحركت جماعات جهادية، بما في ذلك مقاتلون أجانب، نحو المنطقة، سعياً للانتقام.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يقع مقرّه في المملكة المتحدة، فإن القتال أسفر عن مقتل نحو 1500 شخص، بما في ذلك أكثر من 900 مدني.
ويقول محلّلون إن الفصائل الجهادية المتحالفة مع هيئة تحرير الشام، إلى جانب المقاتلين الأجانب العاملين في سوريا، لعبت دوراً في سقوط الضحايا المدنيين، ومعظمهم من العلويين. وفي حين نفت الحكومة المؤقتة إصدار أوامر بشن هجمات على المدنيين، تشير المصادر إلى أنها لا تملك القدرة على السيطرة على بعض الجماعات المتطرفة التي تسعى إلى الانتقام.
وأصدر الباحث الفرنسي سيدريك لابروس تقريراً على حسابه منصة إكس يتناول أعمال العنف الأخيرة في المناطق الساحلية في سوريا. ويركز التقرير على عمليات القتل خارج نطاق القضاء والصراعات المسلحة التي تورطت فيها فصائل مختلفة، بما في ذلك الجماعات المندمجة في قوات الأمن السورية الجديدة. كما يسلط الضوء على الجهات الفاعلة الرئيسية المتورطة في الاضطرابات ويوضح بالتفصيل الديناميكيات العملياتية التي تساهم في عدم الاستقرار.
ووفقاً للتقرير، فإن التطورات الأخيرة تشير إلى أن الموالين للنظام السابق ينظمون صفوفهم ويستعدون لخوض حرب عصابات ضد الحكومة السورية الجديدة. وردّاً على ذلك، نفذت القوات الموالية للحكومة العديد من المداهمات والعمليات الأمنية. ومع ذلك، تفيد التقارير أن هذه العمليات تضمنت انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات إعدام مستهدفة واعتقالات جماعية.
وفي هذا السياق، أعلن لواء الدفاع الساحلي، بقيادة زعيم الميليشيات الموالية للأسد مقداد فتيحة، عن تشكيله في 6 فبراير/ شباط. ومنذ ذلك الحين، نفذت هذه المجموعة هجمات متعددة، بما في ذلك هجوم على نقطة تفتيش تابعة لهيئة تحرير الشام بمدينة الحفة في 7 فبراير/ شباط. وردّاً على ذلك، شنت قوات الأمن حملات قمع واسعة النطاق في المناطق ذات الأغلبية العلوية، مما أسفر عن عمليات قتل خارج نطاق القضاء.
ومن بين النقاط المهمة في تقرير لابروس الدور الذي لعبه محمد الجاسم، المعروف أيضاً باسم أبو عمشة، قائد فرقة السلطان سليمان شاه، وهي ميليشيا مدعومة من تركيا. ففي يومي 6 و7 مارس/ آذار، تم نشر قوات تحت قيادة أبو عمشة من حمص إلى طرطوس، حيث ورد أنها نفذت عمليات عنيفة. وتشير روايات شهود العيان وأدلة الفيديو إلى أن مقاتليه أعدموا مدنيين، معظمهم من السكان الذكور المشتبه في دعمهم لجماعات المعارضة.
أبو عمشة، وهو قائد سابق في الجيش الوطني السوري، له سمعة طويلة الأمد في الأنشطة الإجرامية، بما في ذلك الابتزاز والتعذيب والاغتيالات المستهدفة. وقد اتُهمت قواته سابقاً بارتكاب جرائم حرب في عفرين في عام 2018 وفي مناطق أخرى تسيطر عليها تركيا. وعلى الرغم من هذه الادعاءات، فقد حافظ على مكانة رفيعة في الهياكل العسكرية بالوكالة لتركيا، ويستمرّ في تلقي الدعم الخارجي.
لقد أدّى دمج فصائل الجيش الوطني السوري السابقة في جهاز الأمن السوري الجديد إلى خلق انقسامات. ففي حين تحالفت بعض الوحدات مع حكومة أحمد الشرع، قاومت وحدات أخرى، بما في ذلك قوات أبو عمشة، السلطة المركزية. ويتجلى هذا التحدي في الانتقادات العلنية الأخيرة التي وجهها أبو عمشة لسياسات الحكومة، وخاصة اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني السوري التي اتهمها بـ “الفشل”.
وتشير الأدلة إلى أن فصيل أبو عمشة، على الرغم من خضوعه ظاهرياً لسلطة الإدارة الجديدة، يعمل بشكل مستقل. فقد شاركت قواته في عمليات تستهدف الموالين للنظام السابق، ولكن يبدو أنها تعمل أيضاً خارج الإشراف الحكومي المباشر، مما يثير المخاوف بشأن الهياكل العسكرية الموازية داخل القوات المسلحة السورية.
ويؤكد تقرير لابروس على النفوذ المستمر للميليشيات المدعومة من تركيا في سوريا ما بعد الأسد. فقد حافظت شخصيات مثل أبو عمشة وسيف أبو بكر، زعيم فرقة الحمزة داخل الجيش الوطني السوري، على استقلالية عملياتية، مما يشكل تحدياً لسلطة الحكومة الجديدة. وقد ارتبطت هذه الجماعات بجرائم حرب سابقة وتستمر في العمل على الرغم من العقوبات الدولية.
إن أعمال العنف المستمرة في المحافظات الساحلية في سوريا تشير إلى أن الحكومة ما زالت تكافح من أجل فرض سيطرتها الكاملة على الفصائل المسلحة. كما أن وجود العديد من الميليشيات شبه المستقلة يعقد الجهود الرامية إلى إرساء الأمن والاستقرار في البلاد. ويظل المراقبون قلقين من قدرة الجماعات المدعومة من الخارج، وخاصة من إيران وتركيا، على زعزعة استقرار المنطقة، مما يؤدي إلى إطالة أمد الصراع وتقويض جهود بناء الدولة في سوريا.
المصدر: نورديك مونيتور
