تقارير ودراسات

الانسحاب الأمريكي من سوريا سيعيد تنشيط التهديد الإرهابي لداعش

يهدد انسحاب القوات الأمريكية من سوريا بفقدان المكاسب التي تحققت بشق الأنفس ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). لم يُقضَ على داعش، بل كبح جماحه الضغط المشترك للقوات الأمريكية في العراق وسوريا وحلفائها الأكراد. سيخفف انسحاب القوات الأمريكية هذا الضغط، ويتيح لداعش إعادة بناء صفوفه، على الأرجح بسرعة، إلى مستويات خطيرة.

لقد ساهم الوجود العسكري الأمريكي في سوريا في احتواء داعش ومنعه من شنّ هجمات في الغرب – مع الحد الأدنى من المخاطر. وقد أتاح سقوط نظام بشار الأسد فرصاً جديدة للولايات المتحدة لإكمال مهمتها في هزيمة التنظيم. من ناحية أخرى، سيخفف الانسحاب من سوريا الضغط على داعش ويمكّنه من إعادة بناء نفسه وإنشاء ملاذات آمنة في البلاد. وهذا بدوره سيمكن التنظيم من تهديد العراق والتخطيط لهجمات إرهابية في الغرب، مما يفرض عبئًا آخر على اهتمام وموارد صناع القرار الأمريكيين.

لقد عرضت روسيا وتركيا دعم مهمة مكافحة داعش، لكنهما تفتقران إلى القدرة والرغبة في القيام بذلك بفعالية، ولا يمكن للولايات المتحدة الاعتماد على الآخرين لأداء الدور الذي تستطيع القوات الأمريكية القيام به بمفردها.

قد يعاود داعش الظهور خلال 12 إلى 24 شهراً دون وجود أمريكي في سوريا. لقد أمضى السنوات العديدة الماضية في بناء قوته هناك، مما دفع القيادة المركزية الأمريكية في يوليو / تموز 2024 إلى التحذير من أن التنظيم يحاول إعادة بناء نفسه. على الرغم من أن داعش لا يزال غير قادر على السيطرة على المدن والقرى، يمكنه إجبار السكان على الدعم والاستيلاء على المناطق غير المأهولة مؤقتاً. إذا تُرك داعش دون رادع، فسيفرض تدريجيًّا سيطرة أكبر على السوريين، ويحاول الاستيلاء على المناطق المأهولة بالسكان. فالصحراء السورية الوسطى، حيث يعمل داعش بشكل أساسي، مناسبة تماماً لإيواء وتدريب وتنظيم قواته الحالية. لكن داعش العائد سيحاول السيطرة على المراكز السكانية للوصول إلى الموارد المالية والعسكرية، والعثور على مجندين جدد، واستعادة الاتصالات الموثوقة للعمليات في جميع أنحاء سوريا وخارجها. من شبه المؤكد أن داعش سيستغل هذا الزخم لمهاجمة مراكز الاحتجاز في سوريا، وبالتالي تحرير المزيد من أعضائه. في نهاية المطاف، ومن خلال هذا المسار، سيستعيد التنظيم القدرة على التخطيط وتنفيذ هجمات في الغرب انطلاقاً من سوريا.

لا يمكن لداعش تحقيق كل هذا بسهولة طالما بقيت الولايات المتحدة في سوريا. تقدم القوات الأمريكية في سوريا دعماً استخباراتياً ولوجستياً بالغ الأهمية لقوات سوريا الديمقراطية، والتي بدورها تُبقي داعش محاصراً ومعزولاً نسبياً في الصحراء. لقد حال تبادل المعلومات الاستخباراتية الأمريكية بالفعل دون وقوع هجمات كان من الممكن أن تحسّن وضع داعش بشكل كبير في سوريا. سيكون جمع المعلومات الاستخباراتية عن بعد أقل فعالية بكثير في حال الانسحاب الأمريكي، خاصة بالنظر إلى أنه من غير المرجح أن تشارك قوات سوريا الديمقراطية معلوماتها الاستخباراتية البشرية المتطورة مع الولايات المتحدة بعد انسحابها من سوريا.

لا يمكن لأيّ جهة فاعلة أخرى أن تتولى الدور الأمريكي في مكافحة داعش في سوريا. جميع الجهات الفاعلة الرئيسة الأخرى في سوريا منشغلة بالانتقال السياسي بعد الأسد. تعطي الحكومة المؤقتة الأولوية لتعزيز موقعها في دمشق، وبالتالي تفتقر إلى القدرة على محاربة داعش في وسط وشرق سوريا. تواجه قوات سوريا الديمقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة، والتي يهيمن عليها الأكراد تهديدات وجودية من الحكومة المؤقتة وتركيا. من جانبها، تعطي أنقرة الأولوية لتفكيك بعض الجماعات الكردية على طول الحدود السورية التركية، إما بالقوة أو من خلال المفاوضات. أفادت التقارير أن روسيا عرضت مساعدة دمشق في مهمة محاربة داعش، لكنها تفتقر بالمثل إلى القدرة والرغبة في شنّ حملة قوية لمكافحة الإرهاب كتلك التي تستطيع الولايات المتحدة شنها في سوريا.

لا تزال الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية بحاجة إلى إعادة مقاتلي داعش المحتجزين في سوريا إلى بلدانهم، وهي مهمة ستزداد صعوبة في حال انسحاب القوات الأمريكية. تسيطر قوات سوريا الديمقراطية على 28 مركز احتجاز تضم 10,000 مقاتل من داعش وحوالي 46,000 من مؤيدي التنظيم، بالإضافة إلى اللاجئين في مخيمات النازحين شمال شرق سوريا. حاولت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إعادة كل من مقاتلي داعش والنازحين داخليًّا دون نجاح يُذكر بسبب إحجام دول ثالثة عن استعادة مواطنيها. قد تضطر قوات سوريا الديمقراطية إلى التخلّي عن هذه المراكز في حال انسحاب الولايات المتحدة. لن تتمكن تركيا ودمشق من الاستيلاء على هذه المراكز بشكل منظم ما لم يكن هناك اتفاق عادل بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية. من دون اتفاق، من المفترض أن تقاتل قوات سوريا الديمقراطية لتأمين سيطرتها على المناطق الكردية في سوريا على الأقل، في حين يبدو أن تركيا ودمشق تركزان حالياً على إقامة حكومة مركزية مهيمنة على حساب المكونات الكردية بدلاً من تأمين صفقة عادلة. ومن المرجح أيضاً أن تواجه تركيا ودمشق صعوبة مماثلة – إن لم يكن أكثر – في إعادة مقاتلي داعش وسكان المخيمات إلى أوطانهم لأن كلاهما يتمتع بنفوذ أقل من الولايات المتحدة.

لقد أدى سقوط الأسد إلى تحسين الظروف العسكرية والسياسية في سوريا بشكل كبير، وهو ما ينبغي للولايات المتحدة استغلاله بدلاً من تجاهله. لسنوات، وصلت السياسة الأمريكية في سوريا إلى طريق مسدود جزئيًّا؛ لأن الأسد جعل من الصعب للغاية هزيمة داعش أو تحقيق الأهداف الأمريكية المعلنة الأخرى. فشل الأسد في أخذ تهديد داعش على محمل الجد، بل وغض الطرف عن نشاط السلفية الجهادية في بعض الأحيان. توجد الآن حكومة في دمشق، على الرغم من عيوبها الشديدة واحتمالية عدم استقرارها، فإن لديها مصلحة عميقة الجذور في قمع داعش وهزيمته في نهاية المطاف. لقد أتى تعاون الولايات المتحدة مع الحكومة المؤقتة بثماره بالفعل عندما أوقفت دمشق، بالتعاون مع الاستخبارات الأمريكية، محاولة هجوم من داعش على ضريح شيعي بارز. كان الهجوم، إذا نجح، سيؤدي إلى تصاعد الطائفية بشكل كبير في سوريا وزعزعة استقرار البلاد – كل ذلك لصالح داعش. مع ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة أن تكون حذرة بشأن التعامل الكامل مع الحكومة المؤقتة حتى تثبت أن لديها الإرادة والقدرة على قمع المتطرفين غير المنتمين إلى داعش الذين شكلوا جزءاً من التحالف الذي أوصلها إلى السلطة. علاوة على ذلك، أدى سقوط الأسد إلى تقليص الوجود الإيراني والروسي في سوريا، والذي أعاق العمليات الأمريكية ضد داعش لفترة طويلة. دأبت إيران وروسيا على مضايقة القوات الأمريكية في سوريا، مما تطلب من هذه القوات التركيز على الدفاع عن نفسها بدلاً من محاربة داعش. يجب على الولايات المتحدة الحفاظ على وجودها العسكري في سوريا مع دعم الانتقال السياسي الذي يمكّن الحكومة المؤقتة وقوات سوريا الديمقراطية من ترسيخ أدوارهم أكثر في عمليات مكافحة داعش.

حقق الوجود الأمريكي المحدود ومنخفض المخاطر في سوريا مكاسب كبيرة للأمن القومي الأمريكي بتكلفة زهيدة، ويمكنه الاستمرار في ذلك دون أن يصبح مهمة غير محددة المدة. إن قرار الانسحاب المبكر من سوريا يطرح سؤالاً مباشراً: هل تريد الولايات المتحدة أن تخاطر بنقل قوات عسكرية كبيرة إلى الشرق الأوسط مستقبلاً لمحاربة داعش الذي عاد إلى الظهور، والذي يهاجم أو يسعى لمهاجمة الغرب؟ إن استثماراً بسيطاً الآن كفيل بتجنب هذه المخاطرة في المستقبل.

الكاتب: بريان كارتر

https://www.criticalthreats.org/analysis/a-us-withdrawal-from-syria-will-reinvigorate-the-isis-terror-threat

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى