تقارير ودراسات

الاستخبارات التركية أنشأت خلايا سرية من المقاتلين الأجانب في سوريا لاستخدامهم وكلاء في الخارج

وضعت المخابرات التركية، منتشية بنجاحها في تنصيب عميل قديم رئيساً مؤقتاً لسوريا، خططاً طارئة لإنشاء خلايا جهادية سرية. ستضم هذه الوحدات جهاديين أجانب مختارين بعناية، ممن عملوا في سوريا لفترة طويلة، مستفيدين من الدعم اللوجستي التركي.

وبحسب مصادر خاصة تحدثت إلى موقع “نورديك مونيتور”، فإن هذه الخطط تتضمن نشر عملاء مدربين لتخويف بلدانهم الأصلية أو بلدان ثالثة، عندما يعتبر ذلك ضرورياً لتعزيز الأهداف السياسية والاستراتيجية لحكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

لقد كان وجود مقاتلين أجانب في الجماعات الجهادية في سوريا مصدر قلق كبير منذ فترة طويلة بالنسبة إلى العديد من الدول، وخاصة تلك التي سافر مواطنوها إلى المنطقة، في كثير من الأحيان عبر الأراضي التركية وبتسهيل من وكالة الاستخبارات التركية.

ظل احتمال عودة هؤلاء المقاتلين المتمرسين في القتال – المدربين تدريباً عالياً على الأسلحة والمتفجرات والتسلل والتخريب – مصدر قلق دائم لأجهزة إنفاذ القانون والاستخبارات حول العالم. ولا تزال العديد من الحكومات الأجنبية تراقب تحركات مواطنيها الذين انضموا إلى الجماعات الجهادية خوفاً من انخراطهم في أعمال إرهابية، أو زعزعة النظام العام، أو تهديد الأمن القومي عند عودتهم.

لم تتمكن المصادر من تحديد عدد الأفراد الذين تم اختيارهم من بين العدد الكبير من المجندين المحتملين، لكنها أشارت إلى أن هؤلاء العملاء منظمون في خلايا صغيرة مقسمة، كل منها مزود بأغطية معقولة لتظل غير ظاهرة في الوقت الحالي. وسيتم إعادة تفعيلهم عندما تسعى حكومة أردوغان إلى استخدامهم كورقة مساومة مع محاوريها الدوليين.

وقد تم الكشف عن حجم الموارد البشرية التي استغلتها تركيا لمثل هذه الخطط ـ ربما عن غير قصد ـ للمرة الأولى في 25 يناير/ كانون الثاني الماضي من قبل وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي أشرف على الملف السوري بصفته رئيساً لوكالة الاستخبارات التركية من عام 2010 إلى عام 2023.

“في سوريا، توجد مجموعات مقربة من تركيا تضم ​​أكثر من 80 ألف عنصر مسلح. طلبنا منهم الانضمام إلى الجيش الوطني، فانضموا إليه دون تردد”، قال فيدان في مقابلة مع صحيفة الشرق السعودية.

بمعنى آخر، أقرّ رئيس جهاز الاستخبارات السابق بأن عدد القوات التركية بالوكالة في سوريا يتجاوز 80 ألف مقاتل. وقد أعربت حكومة أردوغان عن رغبتها في انضمام هؤلاء المقاتلين إلى الجيش السوري المعاد هيكلته حديثاً عقب سيطرة أحمد الشرع (المعروف أيضاً باسم أبو محمد الجولاني)، وهو عميل قديم للاستخبارات التركية، على دمشق.

انضم معظم المقاتلين الأجانب الخاضعين لسيطرة جهاز الاستخبارات التركي إلى الجيش السوري الجديد، بل رُقّي بعضهم إلى رتبة جنرال. ومع ذلك، لا يزال آخرون نشطين في جماعات جهادية أصغر، لا سيما في شمال سوريا، قرب الحدود التركية.

لا يزال العدد الدقيق للأجانب من بين الـ 80 ألف مقاتل مجهولاً، لكن التقديرات تتراوح بين بضعة آلاف وعشرة آلاف. وهذا الرقم كافٍ لجهاز الاستخبارات التركي لفرز واختيار المرشحين المناسبين لشن هجمات موجهة في الخارج.

تشرف على التخطيط السري في جهاز الاستخبارات التركي مديرية العمليات الخاصة بقيادة الضابط العسكري السابق كمال إسكنتان، المعروف في الأوساط الجهادية بأبي فرقان. لعب إسكنتان دوراً محورياً في تسهيل الدعم التركي السري للفصائل الجهادية، ليس فقط في سوريا، بل أيضاً في جميع أنحاء الشرق الأوسط وإفريقيا.

لتنفيذ هذه الخطة، يتعاون جهاز الاستخبارات التركي بشكل وثيق مع مواطنين أتراك تم تجنيدهم كعناصر محورية في الجهاز. ومن بين هؤلاء عمر شيفتشي، المعروف باسمه الحركي مختار الترك أو مختار التركي، الذي رُقّي إلى رتبة عميد في الجيش السوري وفقاً للقرار رقم 8 الصادر عن القيادة العسكرية العامة بوزارة الدفاع السورية في 28 ديسمبر/ كانون الأول 2024. وقد رُقّي بموجب هذا القرار خمس شخصيات جهادية بارزة، من بينهم ألباني وأردني وطاجيكي وأويغوري، إلى الرتبة نفسها.

مُنح شيفتشي الجنسية السورية، وأُدرج اسمه في القرار باسم عمر محمد جفتاشي. وبررت القيادة العسكرية العامة هذه الترقيات بأنها ضرورية لحماية الدين والوطن.

بدأ هذا الجهادي التركي البالغ من العمر 45 عاماً، والمولود في ولاية عثمانية التركية، مسيرته القتالية في أفغانستان عام 2004. ومنذ ذلك الحين أصبح أحد الداعمين الرئيسيين لهيئة تحرير الشام، المعروفة سابقاً باسم جبهة النصرة، وزعيمها الشرع في الصراع السوري.

لا يزال العدد الدقيق للأتراك المشاركين في الحملة الجهادية في سوريا مجهولاً. ومع ذلك، نشر موقع “نورديك مونيتور” وثيقة سرية للاستخبارات العسكرية التركية في مايو/ أيار 2019 كشفت أن 4671 جهادياً تركياً سافروا إلى سوريا حتى يوليو/ تموز 2016.

هيئة تحرير الشام ليست الجماعة الوحيدة التي يجند جهاز الاستخبارات التركي المرشحين المحتملين لخطته السرية من بين صفوفها. فتنظيم حراس الدين، التابع لتنظيم القاعدة، والذي يُقدر عدد مقاتليه بما بين 1500 و2000 مقاتل، هو جماعة أخرى يستهدفها الجهاز للتجنيد. وقد واجه التنظيم ضغوطاً كبيرة في الأشهر الأخيرة من القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) التي قتلت عدداً من كبار قادته في غارات بطائرات بدون طيار.

من بين الذين قُتلوا محمد يوسف ضياء تالاي، وهو عميل تركي في تنظيم القاعدة، والمعروف باسمه الحركي جعفر التركي. كان قد جُنّد من قِبل جهاز الاستخبارات التركي لتنفيذ عمليات سرية في سوريا. شكّل مقتله ضربة موجعة لعمليات الجهاز، وأدى إلى تعطيل جهوده في المنطقة.

يراقب جهاز الاستخبارات التركي جماعات جهادية أخرى، مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي لا يزال يحتفظ بما بين 1500 و3000 مقاتل في سوريا، بالإضافة إلى حركة تركستان الشرقية الإسلامية. تتألف هذه الأخيرة بشكل رئيسي من مواطنين صينيين من أصل أويغوري، ويُقدر عدد مقاتليها بما بين 800 و3000 مقاتل.

وتقوم الاستخبارات التركية أيضاً بمراقبة كتيبة التوحيد والجهاد، التي تتألف في المقام الأول من مقاتلين أوزبكيين ويبلغ عدد أعضائها نحو 500 عضو، وكتيبة الإمام البخاري، التي تتألف في الغالب من مقاتلين أوزبكيين وغيرهم من مقاتلي آسيا الوسطى بقوة بشرية تتراوح ما بين 500 إلى 1000 فرد، لتعزيز الأصول والعملاء لخططها.

إلى جانب تزايد انخراط تركيا في إفريقيا والقوقاز، تولي وكالة الاستخبارات التركية اهتماماً خاصًّا للجماعات الجهادية الأوروبية مثل كتيبة الغرباء، وهي جماعة ناطقة بالفرنسية تجند مقاتليها بشكل رئيس من فرنسا وبلجيكا ودول أخرى ناطقة بالفرنسية. إضافة إلى ذلك، ترصد وكالة الاستخبارات التركية جماعة أجناد القوقاز، وهي جماعة جهادية تتألف بشكل رئيسي من مقاتلين من منطقة القوقاز، وخاصة الشيشان وداغستان وأجزاء أخرى من شمال القوقاز، الذي يمتد عبر الأراضي الروسية والجورجية والأذربيجانية.

تبدو الجماعات غير التابعة لهيئة تحرير الشام أكثر استعداداً لخدمة العمليات السرية لجهاز الاستخبارات التركي، إذ تحمل في طياتها طموحات جهادية عالمية أوسع. من ناحية أخرى، تُركز هيئة تحرير الشام حالياً على تعزيز مكاسبها في سوريا، جاعلة الأولوية لاستقرار البلاد وأمنها. ويحرص زعيمها، الشرع، الرئيس المؤقت لسوريا، على تجنب التورط في صراعات جديدة مع دول أخرى، وقد تبنى خطاباً عربياً أكثر قومية.

تسعى الاستخبارات التركية إلى أن توفر حكومة الشرع، بهدوء، المأوى والدعم اللوجستي والتدريب لوكلائها في سوريا، مع الحفاظ على مسافة آمنة لضمان إنكار المسؤولية. ويهدف هذا النهج إلى حماية مكاسب كل من تركيا وهيئة تحرير الشام، ومنع أي إجراءات قد تُعرض مواقعهما للخطر أو تثير أزمة للحكومة الجديدة في دمشق، التي تواجه بالفعل تحديات عديدة.

والسؤال الآن هو مدى التزام حكومة أردوغان بخطتها الجديدة التي طورها جهاز الاستخبارات بشأن المقاتلين الأجانب، وما إذا كان سيتم تنفيذها في المستقبل، وإلى أي مدى تستحق مثل هذه الخطط دراسة جادة من قبل شركاء أنقرة وحلفائها.

وبما أن العديد من الهجمات الإرهابية الجهادية في أوروبا وروسيا على مدى العقد الماضي نفذها مقاتلون مرّوا، في وقت أو آخر، عبر تركيا ـ حتى أن بعضهم عبر إلى سوريا للتدريب والقتال ـ فإن التهديد الذي يشكله المقاتلون الأجانب يظل خطراً حقيقياً للغاية على الأمن القومي للدول الأخرى.

في ظلّ حكومة أردوغان الإسلاموية، تحول جهاز الاستخبارات التركي إلى أداة رئيسة للنظام القمعي، محاكياً تكتيكات فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، ويقوده أفراد يوصفون بأنهم مقربون من الدائرة الداخلية للرئيس. ولا شك أن الجهاز حريص على استغلال التهديد الذي يشكله المقاتلون الأجانب لتعزيز الأهداف السياسية لحكومة أردوغان.

لجهاز الاستخبارات التركي سجل سيء السمعة في عمليات الخداع وحملات التأثير والمراقبة داخل تركيا وخارجها. في الواقع، كانت الهجمات الإرهابية المتعددة التي وقعت عام 2015 بمثابة عقود عمل مُنحت لوكلاء في جماعات إرهابية، بما في ذلك داعش، من قبل الجهاز لمساعدة أردوغان على استعادة أغلبيته البرلمانية المفقودة. كذلك لم يتردد الجهاز في شنّ عملية احتيال دموية في تركيا عام 2016 بتدبير محاولة انقلاب زائفة، والتي أدت في النهاية إلى ترسيخ سلطة الرئيس أردوغان.

المصدر: نورديك مونيتور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى