الاتجاهات في الإرهاب: ما الذي ينتظرنا في عام 2025؟

عندما جلست لكتابة تقييمي السنوي حول الاتجاهات في الإرهاب في أوائل عام 2025، وجدت نفسي أواجه صعوبة أكثر من المعتاد؛ إذ ما زلت متأثرًا برعب الهجوم الإرهابي الذي ألهمه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في نيو أورلينز، والذي أسفر عن مقتل أربعة عشر شخصًا وإصابة العشرات. إن النظر إلى ما هو أبعد من الحدث الآني، والابتعاد خطوة إلى الوراء لتقييم العدد الهائل من العوامل والمتغيرات التي تؤثر في تسارع أو تلاشي الاتجاهات، هو دائماً تحدٍّ.
ومن المستحيل معرفة ما إذا كان هجوم نيو أورلينز يشير إلى “موجة جديدة” من الهجمات المستلهمة من داعش في الغرب، وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص، بل إن الهجوم يُعد نقطة بيانات إضافية تُظهر ما ظل الكثيرون في مجتمع مكافحة الإرهاب يكررونه حتى الملل على مدار سنوات: التهديد الذي يمثله داعش مستمر، ودائم، ومن المرجح أن يضعف ويشتد مع مرور الوقت استجابةً للأحداث الجيوسياسية والضغط الأمني. ومع ذلك، فإن التهديد باقٍ وسيظل حقيقة غير مريحة لصانعي السياسات وهم يحاولون مواءمة الموارد الممنوحة لأجهزة مكافحة الإرهاب مع مستوى تحمل المخاطر الذي تم التوافق عليه.
يُعدّ التنبؤ بمكان وزمان وقوع الهجمات الإرهابية أحد أصعب المهام التي يواجهها محللو الاستخبارات. ويتطلب ذلك تقييم مزيج من القدرات، والنوايا، والبيئة العملياتية، مرفقًا بتصريحات الجماعات الإرهابية ودعايتها لفهم مظالمها واستشراف الأهداف المحتملة.
الإرهاب لا يسير دائمًا وفق منحنى خطي. بعبارة أخرى، فإن ما يبدو تهديدًا واضحًا أو ملحًّا قد لا يتحقق، في حين قد تعود تهديدات أخرى بدا أنها اندثرت. قبل هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023، نادرًا ما خصص محللو الإرهاب خارج إسرائيل وقتاً لتحليل الجماعة. وقبل هجوم هيئة تحرير الشام (HTS) في ديسمبر، الذي أطاح بالدكتاتور السوري بشار الأسد وسيطر على سوريا، كانت الهيئة مجرد فكرة ثانوية في أذهان أغلب المحللين، باستثناء قلة من الباحثين والخبراء المتخصصين.
وبينما تسعى هيئة تحرير الشام لتولي السلطة في سوريا، قد يحاول المتشددون الناقمون داخل الجماعة، بمن فيهم الجهاديون المنتمون إلى الحزب الإسلامي التركستاني وكتائب آسيوية وسطى أخرى، الانشقاق ومواصلة حملتهم العنيفة. يُحكم كل من سوريا وأفغانستان حاليًا من قِبل جماعات مصنفة إرهابية (HTS مصنفة رسميًّا كمنظمة إرهابية أجنبية من قبل الولايات المتحدة، في حين أن طالبان ليست كذلك، رغم أن بعض عناصرها مصنفة بسبب ارتباطها بشبكة حقاني).
وبينما كانت حماس وهيئة تحرير الشام تحت الرادار إلى حد كبير، نفذت الجماعة التي كان يُخشى منها أكثر-ولاية خراسان التابعة لداعش، أو داعش-خ-عدة هجمات بارزة (في إيران في يناير 2024 وفي روسيا في مارس 2024)، كما أُحبطت مجموعة من المخططات، من بينها خطة لمهاجمة حفل لتايلور سويفت في فيينا، النمسا، خلال الصيف. وكان منفذو خطة سويفت صغارًا للغاية في السن، وهو ما يعكس اتجاهًا آخر مستمرًّا، وهو تطرف الشباب، الذي ما زال يمثل تحديًا مستمرًا للسلطات الأمنية.
وأظهرت هجمات داعش في داغستان وعُمان مدى الانتشار الجغرافي للجماعة، وهو اتجاه يُتوقع استمراره في العام المقبل مع سعيها للعودة من سوريا إلى الصومال. كما ألهمت الجماعة مخططًا لمهاجمة الولايات المتحدة في يوم الانتخابات في نوفمبر. وقد أُلقي القبض على نصير أحمد توهيدي من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي قبل أن يتمكن من تنفيذ خطته، التي كانت تقضي بقتل مدنيين باستخدام بنادق AK-47.
وسوف تستمر ولاية داعش خراسان في زعزعة استقرار جنوب آسيا، خاصة أن طالبان فشلت في كبحها، إلى جانب جماعات مسلحة أخرى مثل حركة طالبان باكستان وجيش تحرير بلوشستان، التي تمثل تهديدات متزايدة. فالأولى هددت الحكومة الباكستانية مباشرة، في حين تواصل الثانية استهداف المواطنين الصينيين وتقويض الأمن على امتداد مبادرة الحزام والطريق، المشروع السياسي المحوري للصين في الخارج.
ستظل منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، ولا سيما منطقة الساحل، بؤرةً للإرهاب، حيث توفر الدول الفاشلة والمناطق الخارجة عن السيطرة ملاذًا آمنًا لمجموعة من الجماعات الجهادية المرتبطة بالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية. وتعمل جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” بحرية شبه تامة في غرب إفريقيا، حيث نفذت هجومًا واسعًا العام الماضي قتل فيه أكثر من 600 شخص في بوركينا فاسو. ويستمر الوضع الأمني في التدهور مع دفع الجماعات الجهادية باتجاه السواحل، مهددة دولًا مستقرة سابقًا مثل غانا، وموسعة نطاقها من الكاميرون إلى نيجيريا.
وقد استعانت كل من بوركينا فاسو والنيجر ومالي بمتعاقدين عسكريين من مجموعة فاغنر الروسية (التي أعادت تسمية نفسها بـ”فيلق إفريقيا”) للمساعدة في “تحصين الانقلابات”، وقد تصرف المرتزقة كما هو متوقع، عبر نهج مضاد للتمرد قائم على سياسة “الأرض المحروقة”، مما فاقم من التهديد الإرهابي بدلاً من تهدئته. وفي أماكن أخرى من إفريقيا، يهدد كل من حركة الشباب وتنظيم الدولة الصومال ومنطقة القرن الإفريقي، بينما يظهر تنظيم الدولة حضورًا متذبذبًا في موزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وغيرها من دول المنطقة. إن الارتدادات المستمرة لهجمات 7 أكتوبر وسقوط نظام الأسد تعني أن الأحداث الجيوسياسية في الشرق الأوسط ستظل من أبرز محركات الإرهاب هذا العام.
لقد تراجعت قوة حزب الله اللبناني إلى درجة لم يكن يتخيلها كثيرون قبل عام واحد فقط. وقد ترك هجوم إسرائيلي مدمر باستخدام أجهزة النداء اللاسلكي في سبتمبر الجماعة في حالة من الذهول، حيث قُتل أكثر من اثني عشر شخصاً وأصيب الآلاف. وفي ذروة الحملة العسكرية الإسرائيلية في لبنان، اغتالت قوات الدفاع الإسرائيلية الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في سبتمبر. وعلى الرغم من أن حزب الله قد تضرر بشدة بلا شك، فإنه لا يزال يشكل خطرًا، وقد يسعى للعودة إلى جذوره كمنظمة إرهابية خالصة. وآخر مرة قُتل فيها زعيم لحزب الله، كما حصل مع عباس الموسوي عام 1992، ردّت الجماعة بتفجيرات استهدفت مصالح إسرائيلية في بوينس آيرس، الأرجنتين. لا تزال شبكة حزب الله العالمية قائمة، وقد أثبتت في الماضي قدرتها على تنفيذ هجمات في بنما، والسعودية، وبلغاريا، وكذلك مخططات تم إحباطها في قبرص، ومصر، وسنغافورة. وقد يسعى حزب الله لتنفيذ هجمات ضد المصالح الأمريكية و/أو الإسرائيلية، بما في ذلك السفارات، في دول بأمريكا اللاتينية، أو إفريقيا، أو غيرها، إذا ما تم رصد ثغرات أمنية هناك.
مثل حزب الله، تعرضت حماس أيضًا لضربة قاسية. وقد أدى النهج الإسرائيلي القاسي في غزة وما تبعه من كارثة إنسانية- حيث قُتل حتى الآن 45000 فلسطيني- إلى تسهيل عملية تجنيد الجيل التالي من المقاتلين في صفوف حماس. كما تسعى حماس إلى توسيع نفوذها في الضفة الغربية. لكن قدرات الجماعة ستظل محدودة في المستقبل القريب. ومع ذلك، فحتى لو بقيت حماس محدودة في غزة، فإن النزاع قد تجاوز الحدود وأشعل احتجاجات ومظاهرات وأعمال عنف في الخارج، بما في ذلك في أوروبا، وأمريكا الشمالية، وأستراليا. وإذا قررت حماس القيام بذلك، فقد تتمكن من استغلال المشاعر المؤيدة للفلسطينيين ومظالمهم ضد إسرائيل لإلهام هجمات في الغرب من قبل مؤيديها، أو قد يبادر هؤلاء الأفراد بالتحرك من تلقاء أنفسهم. وقد يتخذ ذلك عدة أشكال، من بينها هجمات أو مخططات لاستهداف سفارات أو قنصليات إسرائيلية، كما حدث في صربيا في يونيو، وكما كادت أن تحدث ضد القنصلية الإسرائيلية في نيويورك في ديسمبر. ومنذ هجمات 7 أكتوبر، شهد العالم ارتفاعًا هائلًا في معدلات الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية، وقد انعكس ذلك على كثير من الدول الغربية.
ومن بين جميع الوكلاء التابعين لما يُعرف بـ”محور المقاومة” الإيراني، فإن الحوثيين في اليمن قد يكونون الأكثر صعوبة في الردع. لقد شنت كل من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وإسرائيل ضربات على مواقع الحوثيين في محاولة لتقليص قدرتهم على شن الهجمات وتعطيل حركة الملاحة في البحر الأحمر. وبالنظر إلى أن إدارة ترامب تعتزم إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، ومع وجود فصائل شيعية عراقية مثل كتائب حزب الله وحركة النجباء، فإن عناصر من هذا المحور تُشكّل تهديدًا دائماً في الشرق الأوسط. وعند استشراف المستقبل، يبدو من المرجح أن تسعى جماعة إرهابية إلى لفت الأنظار من خلال هجوم مروّع، قد يتضمن استخدام تكنولوجيا ناشئة مثل الطائرات المسيّرة، أو الطباعة ثلاثية الأبعاد، أو حتى أسلحة دمار شامل. فكلما زادت فتك الهجوم أو شهرته، زاد العائد الدعائي منه في أوساط المؤيدين والتابعين والمجندين الجدد.
كما يظهر اتجاه متزايد نحو التعاون بين الجماعات الإرهابية، مثل التعاون بين الحوثيين وحركة الشباب في الصومال، وكذلك توسيع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لتعاونه مع الحوثيين. وهناك أيضًا عنصر من رعاية الدول، إذ توفر كل من روسيا والصين بيانات استهداف وأسلحة للحوثيين، على التوالي.
ومع تولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب منصبه خلال أسابيع قليلة، هناك العديد من القضايا المتعلقة بالإرهاب التي يجب النظر فيها. فقد تسعى إدارة ترامب إلى تصنيف إحدى الكارتلات المكسيكية الكبرى-كارتل سينالوا أو لوس زيتاس- كمنظمة إرهابية أجنبية، مما سيسمح باتخاذ إجراءات عسكرية مباشرة ضد مهربي المخدرات جنوب الحدود. وكجزء من سياساتها الأمنية الحدودية، ستسعى إدارة ترامب إلى تقليص تدفق الفنتانيل إلى الولايات المتحدة، الذي يتم تهريبه من قبل أفراد في الصين يعملون بتنسيق وثيق مع منظمات إجرامية في المكسيك.
أما على صعيد الإرهاب المحلي، فقد ناقش ترامب احتمال العفو عن بعض المتمردين في أحداث 6 يناير، وهي خطوة “قد تؤدي إلى انتعاش غير مسبوق للمتطرفين المسلحين؛ إذ تبعث لهم برسالة غير مسبوقة بالحماية والدعم”، وفقًا لمقال حديث في “بروبوبليكا”. وقد يشهد عام 2025 تصاعدًا في التطرف اليساري من قبل جماعات وأفراد يرون في رئاسة ترامب تهديدًا وجوديًا، بما في ذلك الفوضويون العنيفون وأشد أنصار “أنتيفا” تطرفًا، إلى جانب إرهابيين يركزون على قضايا محددة مثل البيئة، وحقوق الحيوان، والإجهاض.
ومع اغتيال الرئيس التنفيذي لشركة رعاية صحية على يد فاعل منفرد أواخر العام الماضي- وما بدا من تعاطف شعبي واسع مع الجاني- ليس من المستبعد أن يدفع تيار معادٍ للرأسمالية نحو أعمال مماثلة. ويبدو أن الجاني تأثر بكتابات تيد كازينسكي (المعروف باسم “المفجر الانفرادي”)، وما جاء في بيانه من نقد لاجتياح التكنولوجيا، وهو موقف يشاركه فيه النيولوديون والمتخوفون من التقنية الذين هاجموا أبراج الجيل الخامس ورفضوا التقدم في الذكاء الاصطناعي.
ويظل خطر التطرف اليميني حاضرًا بقوة، لا سيما في ظل الاستقطاب والانقسام الحزبي الحاد الذي يصيب السياسة الأمريكية. ومع تزايد حدة الجدل حول الهجرة، ليس من المستبعد حدوث توترات بين المهاجرين والمعارضين لوجودهم. ففي أغسطس 2019، دخل أحد أنصار تفوق العرق الأبيض إلى متجر وولمارت في إل باسو وقتل 23 شخصًا بسبب كراهيته للمكسيكيين وهوسه بـ”نظرية الاستبدال العظيم”، وهي نظرية مؤامرة تزعم أن هناك مؤامرة لاستبدال السكان البيض الأصليين في أمريكا من قبل نخبة يهودية وسياسية خبيثة. وقد يستمد بعض المتطرفين اليمينيين، لا سيما أولئك المدفوعين بالكراهية العرقية والإثنية، التشجيع من الخطابات العنيفة غير المسؤولة في السياسة العامة.
وفي عامي 2024 و2025، بدأ العامان بهجمات إرهابية بارزة نفذها داعش. وتشير الاتجاهات إلى أن هذا العام سيكون مثيرًا للقلق أيضًا، نظرًا لتعدد الجهات الفاعلة وتعقيد القدرات. فالحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا، والحملة العسكرية الإسرائيلية في الشرق الأوسط، وصعود الصين، كلها تفرض اهتمام القوى العظمى. ومع ذلك، وكما أظهرت هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023، واستيلاء هيئة تحرير الشام على سوريا، فإن الجهات الفاعلة غير الحكومية العنيفة-لا سيما الجماعات الإرهابية-لا تزال تلعب دورًا كبيرًا في الجغرافيا السياسية.
ولا يُتوقع أن يكون هذا العام مختلفاً. فالولايات المتحدة وحلفاؤها يواجهون تحديات لا حصر لها، تتفاقم مع تغيّر الإدارة، دون وقت لترامب لالتقاط الأنفاس. بل على العكس، هناك طوفان من المشكلات في “اليوم الأول” بانتظاره.
كولين بي. كلارك
هو زميل أقدم غير مقيم في معهد أبحاث السياسات الخارجية، ومدير البحوث في مجموعة صوفان.
https://www.fpri.org/article/2025/01/trends-in-terrorism-whats-on-the-horizon-in-2025/
