الأزمة الحرجة لإيران ومحور المقاومة
في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، ذكرت صحيفة الجريدة الكويتية أن المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي عيّن نائب قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، العميد محمد رضا فلاح زاده، “مشرفاً” على حزب الله حتى يتم تعيين أمين عام جديد. إن فشل طهران في تعيين خليفة لبناني لجوهرتها لا يؤكد فقط الضربة المدمرة التي وجهتها إسرائيل لحزب الله، بل ويعقد أيضاً ديناميكيات القيادة داخل “محور المقاومة” بعد العديد من الخروقات الاستخباراتية رفيعة المستوى.
تم تعيين فلاح زاده نائباً لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في عام 2021. وأشادت وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية بدوره في القتال إلى جانب قائد الفيلق السابق قاسم سليماني خلال ذروة الحرب الأهلية السورية. كما قاد فلاح زاده مجموعتين للقوات البرية للحرس الثوري: فرقة فجر 19 ولواء الغدير 18. وقد جعله الوقت الطويل الذي قضاه في الإشراف على القوات البرية للحرس الثوري، إلى جانب خبرته في تنسيق الجهود العسكرية الإيرانية مع نظام بشار الأسد، مرشحاً رئيساً لتنفيذ استراتيجية طهران للسيطرة على الأضرار في لبنان، بينما تشن إسرائيل عمليات برية في جنوب ذلك البلد.
وتأتي مسؤولية فلاح زاده الجديدة في وقت يائس بالنسبة إلى أقدم منظمة تابعة للجمهورية الإسلامية. فلم يكتف الجيش الإسرائيلي بالقضاء على خليفة حسن نصر الله كأمين عام لحزب الله، هاشم صفي الدين، بل قام أيضاً بقطع رأس القيادة الأوسع للمنظمة. فمنذ أواخر سبتمبر/ أيلول، استهدف الجيش الإسرائيلي ما يقرب من عشرين من كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين في حزب الله، بما في ذلك قادة الوحدات القتالية وأولئك الذين يشرفون على عمليات الطائرات بدون طيار والصواريخ.
إن النظام في طهران ينظر إلى الانتصارات العسكرية التكتيكية التي حققها الجيش الإسرائيلي في لبنان بوصفها جزءاً من نمط أكثر إحراجاً: التفوق الاستخباراتي الإسرائيلي على نظيره الإيراني. لقد أدى عمق اختراق الموساد لأجهزة الاستخبارات التابعة للنظام ـ وخاصة وزارة الاستخبارات والأمن وقسم الاستخبارات في الحرس الثوري ـ إلى عمليات اغتيال معقدة داخل إيران استهدفت أمثال زعيم حماس السابق إسماعيل هنية، ورئيس البرنامج النووي الإيراني محسن فخري زاده، وكثيرين غيرهم. وقد كشف الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد مؤخراً أن وحدة الاستخبارات السرية التابعة لإدارته والمكلفة بتحديد عمليات التجسس الإسرائيلية في إيران كانت في الواقع تحت قيادة عميل للموساد.
تصدرت حملة الاستخبارات الإسرائيلية ضد النظام الإيراني عناوين الأخبار الأسبوع الماضي، مع انتشار شائعات تزعم أن النظام يشتبه في أن قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني جاسوس يعمل لصالح الموساد. وزعم موقع ميدل إيست آي التابع لقطر في 10 أكتوبر / تشرين الأول أن قاآني وفريقه قيد الإقامة الجبرية ويخضعون للتحقيق من قبل الحرس الثوري بسبب علاقاتهم المحتملة بالموساد. وفي نفس اليوم، ذكرت قناة سكاي نيوز عربية أن قاآني أصيب بنوبة قلبية أثناء استجوابه للاشتباه في التجسس لصالح إسرائيل.
وللتصدي لهذه الروايات، أعلنت إيران أن خامنئي سيمنح قاآني قريباً ميدالية “الفتح”. وفي نهاية المطاف، ظهر قاآني علناً في 14 أكتوبر/ تشرين الأول في جنازة الجنرال في الحرس الثوري عباس نيلفوروشان، الذي قُتل في نفس الضربة الإسرائيلية التي استهدفت نصر الله. ويشير اختفاء قاآني المؤقت وسط موجة الاغتيالات لمسؤولي حزب الله إلى أن قائد فيلق القدس كان يخشى أن يكون الضحية التالية.
لقد خلقت هذه الحالات من الاختراقات الأمنية رفيعة المستوى داخل إيران وخارجها حالة من الذعر بين مختلف القادة والمؤسسات الإيرانية. فبعد اغتيال نصر الله، ورد أن خامنئي كان مختبئاً في مكان آمن حتى أم صلاة الجمعة رسمياً في طهران بعد أسبوع. والآن أصبح رجل الدين البالغ من العمر 85 عاماً أكثر قلقاً بشأن شغل المناصب الحساسة الشاغرة في النظام سواء في الداخل أو الخارج. وفي ظل هذا الفراغ من المساعدين الموثوق بهم، يضطر خامنئي إلى تكليف ابنه مجتبى بشكل متزايد بقيادة المبادرات نيابة عن مكتب المرشد الأعلى. بالإضافة إلى تحديات تحديد خليفة لحكمه بعد وفاة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، الذي كان مرشحاً رئيساً لمنصب “المرشد الأعلى”، يكافح محور المقاومة التابع لخامنئي لتعيين قائد موثوق به وذي خبرة لقيادة معركة حزب الله المصيرية ضد إسرائيل.