إيموجيات للإرهاب: دور تيليجرام في تعزيز التطرف في حرب حماس وإسرائيل
في صباح يوم 7 أكتوبر / تشرين الأول 2023، وقع حدث غير مسبوق في الشرق الأوسط: اخترق أعضاء جماعتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني السياج الحدودي الإسرائيلي من غزة، وشنوا هجمات عنيفة على قواعد عسكرية وقرى ومهرجان موسيقي. وبينما كانت منافذ الأخبار التقليدية تكافح لمواكبة الأحداث المتلاحقة بسرعة، سارعت منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة تيليجرام، إلى بث لقطات حية للهجمات. وانتقل العديد من الأشخاص في المنطقة إلى قنوات تيليجرام، التي قدمت عشرات التحديثات كل دقيقة (أرسلت قناة حماس الرسمية 1145 رسالة في 7 أكتوبر / تشرين الأول وحده). تتناول هذه الدراسة دور هذه القنوات كمصادر للمعلومات وتأثيرها الضار على متابعيها.
تشكيل الآراء، التجريد من الإنسانية، إضفاء الشرعية، الانقسام
يستخدم تطبيق تيليغرام، وهو منصة مراسلة شهيرة، طريقتين أساسيتين لتعزيز مشاركة الجمهور على قنواته: ردود الفعل التعبيرية والتعليقات. تتميز ميزة ردود الفعل التعبيرية، التي تم إطلاقها في عام 2022، بسهولة الاستخدام؛ حيث تعكس النقرة على رمز تعبيري على الفور مشاعر الجمهور، مما يزيد من عدد التعليقات المرتبطة بهذا الشعور المحدد.
إن الرموز التعبيرية بطبيعتها ذاتية وقابلة للتفسير، وقد يكون لوجودها في سياق استهلاك الأخبار تأثيرات غير مسبوقة، وخاصة عندما يتم وضعها جنباً إلى جنب مع محتوى حساس ومثير للانقسام بالفعل. يمكن أن تؤثر هذه الرموز على إدراك المستخدم، وتدفعه دون وعي نحو استجابة عاطفية معينة عند مواجهة جزء من المحتوى. ويصبح هذا الأمر أكثر إشكالية، عندما يتم استهلاك المحتوى المعني بسرعة كبيرة، وعرض صور أو أخبار مزعجة للغاية بوتيرة متلاحقة. يمكن أن يؤدي هذا السيل من المعلومات إلى تشتت الأفكار، والذي، جنباً إلى جنب مع تأثير ردود فعل الرموز التعبيرية، من المرجح أن يعزز شعور اللامبالاة لدى الجمهور. وبدلاً من تحليل المحتوى بشكل نقدي أو التشكيك في صدقه، قد يبدأ المتابعون في تقبله بشكل سلبي كما هو، مما يسمح لردود فعل الرموز التعبيرية المتاحة بتوجيه مشاعرهم.
إن أحد العوامل العميقة التي تدعم تأثير ردود الأفعال باستخدام الرموز التعبيرية وتعليقات المستخدمين على منصات مثل تيليجرام هو مفهوم التأثير الاجتماعي. ففي جوهره، يشير التأثير الاجتماعي إلى العملية التي يقيس من خلالها الأفراد المشاعر العامة من منظور تعليقات المستخدمين الآخرين، ثم تعمل هذه المشاعر العامة الملموسة على تشكيل وجهات نظرهم الخاصة، مما يدفعهم في كثير من الأحيان إلى التوافق مع ما يعتقدون أنه الرأي السائد.
من الضروري أن نشير إلى أن العديد من الناس يعارضون الهجمات التي نفذتها حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. ومع ذلك، فإن طوفان المحتوى، إلى جانب القوة التوجيهية لردود الفعل التي تظهر من خلال الرموز التعبيرية، قد يدفعهم عن غير قصد إلى استيعاب هذه المنظورات في آرائهم، حتى لو لم تكن تعكس في الواقع معتقداتهم الحقيقية. على سبيل المثال، قد يصاحب المنشور الذي يصور العواقب المروعة لهجوم ما سلسلة من الرموز التعبيرية التي تبدو مشجعة أو احتفالية. وحتى لو أصيب المشاهدون بالصدمة أو الفزع في البداية، فقد يجدون أنفسهم في نهاية المطاف يعاملون الضحايا الذين يرونهم في مقاطع الفيديو بطريقة غير إنسانية نتيجة لفقدانهم للإحساس تدريجياً. وقد يبدأون حتى في التعامل مع مثل هذا المحتوى بشكل إيجابي لأن الرموز التعبيرية تشير إلى أن هذه هي الطريقة “الصحيحة” للشعور.
إن ما يزيد الأمر تعقيداً هو الانتشار الكبير لبعض منشورات تيليجرام، حيث يجتذب العديد منها عشرات أو حتى مئات الآلاف من المشاهدات في غضون ساعات من نشرها. ومع ذلك، قد يتفاعل جزء ضئيل فقط من المتابعين باستخدام الرموز التعبيرية. وتصبح هذه الأقلية الصغيرة عن غير قصد بمثابة البوصلة العاطفية للأغلبية، والتي تحدد كيفية استجابة الأفراد للأحداث والصور ومقاطع الفيديو.
سياسة المنصة ـ موقف تيليجرام
في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أعلنت قناة “غزة الآن” على تطبيق تيليجرام أنه على عكس منصات التواصل الاجتماعي الأخرى، رفض تطبيق تيليجرام إغلاق القنوات الفلسطينية التي تنشر محتوى يتعلق بالصراع الدائر في غزة من وجهة نظر حماس. وقد تضاعفت بالفعل أعداد المشتركين في العديد من هذه القنوات ثلاث أو أربع مرات مقارنة بما كانت عليه قبل الصراع. وقد نما عدد مشتركي قناة “غزة الآن” بشكل ملحوظ من 350 ألف مشترك إلى 1.4 مليون مشترك اعتباراً من 15 أكتوبر/ تشرين الأول.
دافع مؤسس تطبيق تيليجرام، بافيل دوروف، عن قرار المنصة بإبقاء القنوات الفلسطينية المهتمة بالتطورات الأخيرة في حرب حماس وإسرائيل نشطة. وفي دفاعه عن موقفه، أشار دوروف إلى حالة واحدة لعب فيها تيليجرام دوراً في التواصل الإنساني، عندما استخدمت حماس المنصة لتحذير المدنيين في مدينة عسقلان الإسرائيلية لإخلائها قبل الضربات الصاروخية. أصدر أبو عبيدة، المتحدث باسم الجناح العسكري لحماس، تحذيراً على قناة الحركة على تيليجرام، وحدد الساعة الخامسة مساءً كموعد نهائي لمواطني عسقلان، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 132 ألف نسمة. تم نشر هذا التحذير قبل ساعتين من الموعد النهائي للضربات الصاروخية.
ومن المهم أن نلاحظ أن الهجمات الصاروخية التي تشنها حماس على السكان المدنيين تتعارض مع القانون الإنساني الدولي. ويثير موقف دوروف، الذي يبدو أنه يقلل من أهمية هذا الواقع، مخاوف بشأن نزاهة المنصة. ويمكن تفسير دفاعه على أنه شكل من أشكال التضليل، مما قد يضفي الشرعية على الحرب النفسية تحت ستار المخاوف الإنسانية التي لا تتوافق مع تصرفات حماس.
علاوة على ذلك، فإن تأكيدات دوروف على أن قنوات تيليجرام من غير المرجح أن “تضخم الدعاية بشكل كبير” تتجاهل تأثيرها واسع النطاق كمصدر أساسي للأخبار لعدد لا يحصى من المدنيين العاديين، وهي حقيقة اعترف بها دوروف نفسه. تنتشر المعلومات المضللة والدعاية الموجهة، وخاصة في الصراع الحالي، على نطاق واسع في جميع أنحاء وسائل التواصل الاجتماعي. وقد أصبح هذا الأمر محل اهتمام عالمي، مع تأكيد الاتحاد الأوربي بشكل خاص على ضرورة معالجة هذه القضية. ولا يشكل تطبيق تيليغرام استثناءً من هذا الاتجاه.
في الثالث عشر من أكتوبر/ تشرين الأول، بعد ستة أيام من بدء الحرب، اتخذت قناة “غزة الآن” بهدوء قراراً بتعطيل ردود الأفعال باستخدام الرموز التعبيرية وإزالتها بأثر رجعي من جميع المنشورات السابقة. ولا يزال الدافع وراء هذا القرار غير معروف. ومع ذلك، فإن ما هو واضح أنه مع النمو الهائل الذي شهدته القناة على مدار الفترة الماضية، أصبحت ميزة ردود الأفعال مثيرة للجدال بشكل متزايد. ويمكن للطبيعة التبسيطية لردود الأفعال باستخدام الرموز التعبيرية أن تتحول بسهولة إلى أداة للتخريب؛ حيث يمكن للمعارضين، الذين ربما تحركهم دوافع حزبية أو خلاف مع تحيز القناة، أن “يهاجموا” منشوراتها باستخدام رموز تعبيرية استفزازية، مثل تلك التي ترمز إلى القيء والاحتفال والخنازير. وقد لوحظت هذه الظاهرة على قنوات متعددة. وما يبدأ كتصرف معزول سرعان ما يمتد تأثيره ككرة ثلج، مما يؤدي إلى المزيد من ردود الأفعال من نفس الطبيعة.
في اليوم التالي، نفذت القناة سياسة رد فعل معدلة. الآن يُسمح للمستخدمين بالرد فقط باستخدام مجموعة محدودة من الرموز التعبيرية، وتحديداً رمزي الإبهام لأعلى والإبهام لأسفل. ومن المثير للاهتمام أن هذا التحول في السياسة كان مصحوباً بتنشيط وظيفة التعليقات على القناة. وبأثر رجعي، أعيدت المشاركات التي كانت تتضمن في السابق مجموعة من ردود الأفعال باستخدام الرموز التعبيرية. ومع ذلك، أصبحت هذه التفاعلات الآن مقتصرة على رمزي الإبهام لأعلى والإبهام لأسفل، إلى جانب شكلين مختلفين من القلوب. ويمثل هذا التحول من مجموعة واسعة من الرموز التعبيرية إلى مجموعة أكثر محدودية من ردود الفعل، إلى جانب تقديم التعليقات، محاولة واعية للسيطرة على الخطاب المحيط بالمحتوى المشترك على القناة واحتوائه.
خاتمة
إن المشهد الإعلامي يشهد تحوّلاً عميقاً في العصر الرقمي. ويبدو أن السمات التقليدية للصحافة المسؤولة مثل الموضوعية والنزاهة تبتعد عن صدارة أولويات جماهير الأخبار. ويتجلى هذا التحول بشكل صارخ في النمو الهائل للجماهير على قنوات تيليجرام التابعة للمنظمات الإرهابية، فضلاً عن انتشار القنوات المتطرفة على الجانب الإسرائيلي، والتي غالباً ما يديرها أفراد مجهولون أو مجموعات صغيرة.
ينبغي أن تكون هذه الحقائق بمثابة جرس إنذار في المحادثات حول مسؤولية تيليجرام كمنصة أساسية لإيصال المعلومات إلى الجماهير، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وعلى النقيض من شركات التكنولوجيا التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرّاً لها، فإن الوضع القضائي لتيليجرام يجعله أقل عرضة للتدخلات القانونية. والآن أكثر من أي وقت مضى، يجب التدقيق في الآليات التي يتم من خلالها تبادل المعلومات واستهلاكها. ويكشف هذا التحليل كيف يمكن لمنصات مثل تيليجرام أن تعزز عن غير قصد الفكر المتطرف، وتديم الانقسام، وتؤثر على التصورات، وخاصة في سياق الصراعات الحساسة والمشحونة للغاية.
الرابط: