تقارير ودراسات

إيران ترى في وقف إطلاق النار فرصة لإعادة بناء حزب الله

مع توصل إسرائيل وحزب الله إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، فإن الخطاب الصادر عن طهران بعيد كل البعد عن خفض التصعيد، حيث يواصل المسؤولون العسكريون والمدنيون داخل الجمهورية الإسلامية التأكيد على التزامهم بإعادة بناء قدرات الحزب، كما كرروا تهديداتهم بإطلاق المرحلة الثالثة من عملية “الوعد الحق” ضد إسرائيل.

إن تهديدات “الوعد الصادق”، التي تم تنفيذها سابقاً في هجومين منسقين من الأراضي الإيرانية في 13 أبريل / نيسان و1 أكتوبر / تشرين الأول، تسلط الضوء على استراتيجية طهران المتمثلة في الضغط المستمر. توفر فترة وقف إطلاق النار لإيران فسحة حاسمة لإعادة تأكيد نفوذها وتعزيز وكلائها الإقليميين بهدف تقوية موقفها والاستعداد للمواجهات المستقبلية مع إسرائيل.

في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني، أكد نائب رئيس المجلس السياسي لحزب الله محمود قماطي على التزام الحزب بالقضية الفلسطينية، قائلاً إن حزب الله لن “يتخلّى” عن هذا الالتزام. كما أكد على نية الحزب المضي قدماً في جهود “إعادة الإعمار”، مشيراً إلى استمرار انتهاكات شروط وقف إطلاق النار وعزم حزب الله على الحفاظ على نفوذه في المنطقة. وعلى الرغم من أن الاتفاق يحظر صراحة وجود حزب الله في جنوب لبنان، فقد أظهرت صور ومقاطع فيديو أعضاء وأنصار الحزب وهم يلوحون بتحدٍ بأعلامه أثناء عودتهم إلى المنطقة.

وتماشياً مع تصريحات حزب الله وأفعاله، ألمحت إيران إلى إعادة تأسيس قدرات الحزب. وأكد عباس مقتدايي، نائب رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، دعم طهران المستمر لوكلائها الإقليميين في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني، وأكد أن “أعضاء محور المقاومة سيتوسعون بشكل هائل بعد هذا النصر (اتفاق وقف إطلاق النار)”. وقبل يوم واحد، صرح عضو مجلس خبراء الجمهورية الإسلامية، عباس كعبي، الذي تربطه علاقات وثيقة بحزب الله، أنه لا يمكن طرد الحزب من جنوب لبنان وأضاف أن الجماعة “ستظل مسلحة في الجنوب (لبنان)”.

ودعت وكالة أنباء تسنيم التابعة للحرس الثوري الإيراني إلى إعادة تسليح حزب الله، وحددت استراتيجية ذات شقين لطهران بعد وقف إطلاق النار. وأكدت الوكالة على أهمية “مراجعة الخروقات الأمنية السابقة”، في إشارة على الأرجح إلى تفوق إسرائيل الاستخباراتي الذي مكن من شن هجمات مستهدفة عبر أجهزة النداء والراديو أثرت على آلاف من مقاتلي الحزب. والأهم من ذلك، سلطت “تسنيم” الضوء على الحاجة إلى تجديد ترسانة حزب الله، في إشارة إلى الطائرات بدون طيار والصواريخ والقذائف المنتجة في إيران.

ويبدو أن دعوات طهران لتعزيز القوة العسكرية لحزب الله مرتبطة باستراتيجيتها واسعة النطاق للرد على العمليات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة على الأراضي الإيرانية. وفي حين أكدت إسرائيل رسميًّا أن قواتها الجوية ضربت بنجاح 20 موقعاً في 26 أكتوبر/ تشرين الأول، فإنها حجبت التفاصيل التشغيلية. ومع ذلك، تشير معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر وتقارير مستقلة إلى أن الضربات ألحقت أضراراً كبيرة ببرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني وأنظمة الدفاع الجوي إس-300.

ربما ينبع انفتاح الجمهورية الإسلامية الواضح على وقف إطلاق النار من الاضطرابات التي تسببها هذه الهجمات، والتي من المرجح أن تعيق قدرة إيران على توريد الأسلحة إلى وكلائها الإقليميين حتى تتمكن من استعادة قدرات إنتاج الصواريخ. ومع ذلك، تشعر طهران بأنها مضطرة إلى الرد للحفاظ على مصداقيتها بين حلفائها وأتباعها، وهو ما يسلط الضوء على المخاطر العالية في مواجهتها مع إسرائيل.

خلال اجتماع مع القوات المسلحة للنظام في 27 نوفمبر / تشرين الثاني، حث المرشد الأعلى آية الله خامنئي على رفع مستوى الاستعداد البحري وسط تصاعد التوترات مع إسرائيل، مؤكداً على الردع كأولوية استراتيجية. وقال خامنئي: “إن الواجب الأول للقوات المسلحة هو درء عدوان العدو. يجب أن تُظهروا استعداد الأمة القتالي بطريقة تجعل القوى المعادية تدرك التكاليف الباهظة لأي مواجهة”.

وعلى نحو يعكس موقف النظام، أكدت صحيفة كيهان ـ وهي مطبوعة وثيقة الصلة بمكتب خامنئي ـ على عزم محور المقاومة ضد إسرائيل على الاستمرار في المواجهة. وأشارت إلى أنه “على الرغم من وقف إطلاق النار، واصل حزب الله عملياته”، وهو ما يشير إلى عدم وجود رغبة داخل المحور في وقف الحملة ضد إسرائيل.

في السادس والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني، أعلن أحمد وحيدي، القائد السابق لقوة القدس التابعة للحرس الثوري والذي شغل أيضاً منصب وزير الداخلية الإيراني ونائب قائد قوات إنفاذ القانون ورئيس المجلس الأعلى للأمن القومي، أن محور المقاومة لا يزال عازماً على دعم حماس حتى توقف إسرائيل حملتها العسكرية في غزة. وأشار وحيدي أيضاً إلى أن “التوترات سوف تستمر بشكل طبيعي حتى يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار”.

وهدد الجنرال في الحرس الثوري الإيراني ورئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية محمد باقري بأن رد إيران على العدوان الإسرائيلي الأخير سوف يتجاوز التوقعات، مؤكداً أن هذا الرد سوف يختلف من حيث التكتيكات والتنفيذ والأسلحة. وعلى نحو مماثل، أعلن عضو الحرس الثوري الإيراني ورئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني أن “حزب الله أصبح أكثر قوة من أي وقت مضى”، متعهداً بالمضي قدماً في عملية “الوعد الصادق 3”.

هذه المواقف رددتها إدارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أيضاً. ففي 27 نوفمبر/ تشرين الثاني، خلال مؤتمر صحفي رداً على اتفاق وقف إطلاق النار، كرر المتحدث باسم وزارة الخارجية دعم طهران “الثابت” لـ”مقاومة” حزب الله اللبناني ضد إسرائيل.

وفي خضم هذه التهديدات، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني أن إسرائيل ستحول الآن تركيزها الاستراتيجي إلى “رأس الأخطبوط”، أي النظام في طهران. وفي اليوم نفسه، قال مايك والتز، مرشح الرئيس المنتخب دونالد ترامب لمنصب مستشار الأمن القومي، إن الإدارة الأمريكية القادمة تهدف إلى استعادة الاستقرار في الشرق الأوسط من خلال إعادة تنفيذ حملة “الضغط الأقصى” ضد طهران.

المصدر: لونج وور جورنال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى