إعادة تقييم إيران لموقفها الإقليمي: قطر في المركز، والوكلاء على الهامش

إن رقعة الشطرنج الجيوسياسية في الشرق الأوسط تتغير، وإيران تتخذ خطوتها التالية. ولكن بدلاً من الاعتماد فقط على شبكتها من الوكلاء، تعمل طهران على تعميق علاقاتها مع الدول الأخرى، مع ظهور قطر كعامل تمكين رئيس.
في الوقت الذي ينخرط المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي ومسؤولون إيرانيون آخرون في مبادرات دبلوماسية رفيعة المستوى، تراقب المنطقة التطورات عن كثب، وخاصة مع تصاعد التوترات مع إسرائيل نحو مواجهة عسكرية محتملة.
لسنوات، استخدمت إيران مجموعات بالوكالة مثل حزب الله والجهاد الإسلامي الفلسطيني وقوات الحشد الشعبي العراقية لنشر نفوذها. وفي حين تظل هذه المجموعات بالوكالة ضرورية لاستراتيجية طهران في الحرب غير المتكافئة، فإن التطورات الأخيرة تشير إلى أن إيران أصبحت تعطي الأولوية للشراكات المباشرة مع الدول. ومن المؤسف أن قطر تتولى هذا الدور بشغف، مما يتيح لإيران فرصة المناورة الاقتصادية والدبلوماسية، على الرغم من العقوبات الأمريكية والمخاوف الإقليمية.
في الثامن عشر من فبراير/ شباط، التقى خامنئي بممثلي حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وقدم لهم إشادات رمزية، ولكن من دون أي دعم مادي. وفي اليوم التالي، حمل اجتماعه مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني لهجة مختلفة بشكل ملحوظ. فقد أعرب خامنئي عن إحباطه إزاء التأخير في تحويل الأصول الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية، مسلطاً الضوء على الدور المتنامي الذي تلعبه قطر كوسيط مالي لطهران. وفي العشرين من فبراير/ شباط، عزز الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان والأمير آل ثاني الالتزامات الاقتصادية والدبلوماسية بين بلديهما، مؤكدين على التعاون التجاري والمالي.
وعلى الرغم من استمرار علاقات إيران مع وكلائها، يبدو أن تركيزها الأوسع يتحول نحو النفوذ الاقتصادي والدبلوماسي، حيث تلعب قطر دوراً خطيراً على نحو متزايد. وعلى النقيض من حزب الله أو قوات الحشد الشعبي، توفر الدوحة لطهران الشرعية والإغاثة المالية وجسراً دبلوماسياً للوصول إلى الجهات الفاعلة الدولية. ويمكّن هذا التحالف إيران من تجاوز العقوبات الأمريكية والحفاظ على طموحاتها النووية، وهو ما يمثل تهديداً متزايداً للاستقرار الإقليمي.
إن التحول المالي والاستراتيجي الإيراني نحو قطر يثير مخاوف جدية لدى إدارة ترامب، التي ضاعفت من الضغوط القصوى ضد طهران. فقطر، التي عُرفت منذ فترة طويلة باللعب على جانبي الصراعات الإقليمية، تجد نفسها الآن متحالفة بشكل متزايد مع نظام إيراني يعمل بنشاط على زعزعة استقرار الشرق الأوسط. وهذا ليس دور حليف أمريكي، بل هو سلوك نظام يسعى إلى تقويض المصالح الأمريكية.
مع تعزيز إيران لتحالفاتها، تدرس إسرائيل خطواتها التالية. ومع تقدم البرنامج النووي الإيراني بمعدلات مثيرة للقلق، ألمح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى العمل العسكري، محذراً من أن الوقت ينفد. ويعتقد مسؤولون إسرائيليون أن هناك فرصة محدودة لا تزال قائمة قبل أن تتمكن طهران من تأمين القدرة على إنتاج الأسلحة النووية، الأمر الذي يزيد من احتمالات توجيه ضربة مباشرة.
ردًّا على ذلك، كثفت إيران استعداداتها. وتشير التدريبات العسكرية والمناورات الدفاعية الأخيرة إلى أن طهران تستعد لهجوم إسرائيلي. وفي الوقت نفسه، أدت التفجيرات التي نفذها حزب الله والجهاد الإسلامي في إسرائيل في الحادي والعشرين من فبراير/ شباط إلى تصعيد التوترات. ومع تزايد الجرأة التي اكتسبتها إيران بفضل شراكاتها الاقتصادية، وخاصة مع قطر، فإن قدرتها على مقاومة العقوبات الغربية ومواصلة طموحاتها النووية آخذة في التزايد.
وعلى النقيض من استراتيجية الاسترضاء التي انتهجتها الإدارة الأمريكية السابقة، عزز الرئيس ترمب موقفه الصارم ضد إيران، مع إعطاء الأولوية للاستقرار الإقليمي والمصالح الأمريكية. ويشمل هذا تعزيز العلاقات مع إسرائيل، وتعزيز التحالفات مع الخليج، والضغط على الدول ـ بما في ذلك قطر ـ لإنهاء تواطؤها المالي والدبلوماسي مع طهران.
ولكن يتعين على إدارة ترامب أن توسع العقوبات المفروضة على إيران، وتستهدف صادراتها النفطية ونظامها المصرفي وصناعاتها الرئيسة. ومع ذلك، فإن استمرار التعاون الاقتصادي بين قطر وإيران يهدد بتقويض أي من هذه الجهود. وإذا استمرت الدوحة في تسهيل الأنشطة المالية لطهران، فيتعين على الولايات المتحدة أن تفكر في فرض عقوبات مباشرة على المؤسسات القطرية المتورطة في التهرب من العقوبات.
وبعيداً عن التدابير الاقتصادية، يتعين على واشنطن أن تنسق بنشاط مع حلفائها في الخليج لمواجهة العدوان الإيراني. ويشمل هذا زيادة الانتشار العسكري في المنطقة، وتوسيع جهود تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز قدرات الدفاع الجوي والصاروخي. وعلى النقيض من المبادرات الدبلوماسية الضعيفة التي قدمتها الإدارات السابقة، يتعين على البيت الأبيض في عهد ترامب أن يوضح أن تهديدات إيران لن تمر دون رد.
تظل قطر شريكاً إشكالياً للولايات المتحدة. فعلى الرغم من أنها تستضيف قاعدة العديد الجوية ـ أكبر منشأة عسكرية أمريكية في المنطقة ـ فإن أفعالها تقوض المصالح الأمريكية باستمرار. فمن تمويل الجماعات المتطرفة إلى توفير شرايين الحياة المالية لإيران، أثبتت قطر أنها حليف غير موثوق به. ويتعين على إدارة ترمب أن تعيد تقييم علاقتها بالدوحة لضمان انسجام قطر بقوة مع السياسة الأمريكية، أو تواجه عواقب وخيمة لمساعدتها إيران.
وتشمل الخيارات المتاحة فرض ضغوط اقتصادية على الشركات القطرية المرتبطة بالتجارة مع إيران، وتقييد اتفاقيات تبادل المعلومات الاستخباراتية، والدفع نحو تعاون إقليمي أكبر يستبعد الدوحة من المفاوضات الحساسة. إن السماح لقطر بالعمل كبوابة مالية خلفية لإيران في حين تستفيد من الحماية العسكرية الأمريكية أمر غير مقبول.
لقد أصبحت مكانة قطر كشريك للولايات المتحدة غير قابلة للاستمرار على هذا النحو. وإذا رفضت الدوحة قطع علاقاتها الوثيقة مع إيران، فلابد أن تستجيب واشنطن بالطريقة المناسبة. ومع خضوع الشرق الأوسط لعملية إعادة تنظيم كبرى، فإن السياسة الأمريكية سوف تحدد ما إذا كان نفوذ إيران سيتوسع دون رادع أو ما إذا كانت الولايات المتحدة ستعيد تأكيد سيطرتها على توازن القوى الإقليمي.
الكاتب: أمين أيوب
