تقارير ودراسات

هل هو فجر جديد لسوريا أم دولة متطرفة في طور الإنشاء؟

إن السقوط المفاجئ لنظام بشار الأسد الذي استمر لعقود في سوريا يشكل لحظة فاصلة في تاريخ المنطقة المضطرب.

ومع ذلك، أثار انتصار التحالف الإسلاموي المعارض، بقيادة هيئة تحرير الشام، قلقاً واسع النطاق بشأن إمكانية تصاعد التهديدات الإرهابية وتعميق عدم الاستقرار.

وفي حين رحب البعض بنهاية الحكم الاستبدادي للأسد، فإن آخرين يحذرون من المخاطر المحتملة التي يفرضها الفراغ في السلطة والتاريخ المثير للجدل لهيئة تحرير الشام التي يعود أصلها إلى تنظيم القاعدة.

وانهار نظام الأسد خلال أيام، حيث شنت هيئة تحرير الشام وحلفاؤها هجوماً حاسماً، وسيطروا على مدن رئيسة، بما في ذلك حلب ودمشق.

ويمثل هذا نهاية سلالة استمرت في الحكم 53 عاماً بقيادة عائلة الأسد، بدءاً من حافظ الأسد في عام 1970 وابنه بشار في عام 2000.

لقد سبق انهيار حكومة الأسد سنوات من الجمود السياسي والعسكري. وكان الأسد يعتمد بشكل كبير على الدعم من روسيا وإيران وحزب الله للحفاظ على قبضته على السلطة.

ولكن الشقوق بدأت تظهر في دفاعاته وتفاقمت بسبب الضغوط الخارجية مثل سحق إسرائيل لحزب الله في أعقاب هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والانتكاسات التي تواجهها روسيا في حربها ضد أوكرانيا.

وفي أعقاب السقوط، عمت الاحتفالات شوارع سوريا. وترددت الهتافات “رحل الأسد” في المدن. وأعلن زعيم المتمردين [الإسلاميين] أبو محمد الجولاني على شاشة التلفزيون السوري الرسمي: “المستقبل لنا”، إيذاناً ببدء فصل جديد في تاريخ البلاد.

هيئة تحرير الشام وماضيها المضطرب

على الرغم من أن هيئة تحرير الشام تقدم نفسها الآن بوصفها كياناً حاكماً، فإن جذورها تعود إلى تنظيم القاعدة. فقد تأسست في عام 2011 تحت مسمى جبهة النصرة، وكانت بمثابة فرع لتنظيم القاعدة في سوريا، وتلتزم بأيديولوجية إسلاموية متطرفة.

وعلى مر السنين، خضعت الجماعة لعدة تغييرات في علاماتها التجارية، فنأت بنفسها عن تنظيم القاعدة في عام 2016 وتبنت اسم هيئة تحرير الشام. ومع ذلك، لا تزال أيديولوجيتها الأساسية وقيادتها مثيرة للجدل.

أبو محمد الجولاني، الذي كان قد أعلن ولاءه لتنظيم القاعدة، يصور الآن هيئة تحرير الشام بوصفها منظمة إصلاحية ملتزمة بالتسامح والحرية الدينية، وقال إنه “لا مجال” للعودة إلى الوراء، معلناً عن خطط لتشكيل حكومة انتقالية.

وعلى الرغم من هذه التصريحات، لا يزال المشككون غير مقتنعين؛ فقد قال مسؤول من الشرق الأوسط لصحيفة واشنطن بوست: “ربما تطوروا، لكن أيديولوجيتهم الأساسية لا تزال كما هي”. ويشارك المحللون الغربيون هذا القلق، مشيرين إلى تاريخ هيئة تحرير الشام من التحالفات الانتهازية والعمليات المسلحة.

هل هو “نجاح كارثي”؟

لقد أثار الصعود السريع لهيئة تحرير الشام مخاوف من “نجاح كارثي”، حيث يؤدي انهيار الأنظمة الاستبدادية في كثير من الأحيان إلى خلق الظروف لتهديد أعظم حسبما ذكرت صحيفة واشنطن بوست. وتثير سيطرة الهيئة على دمشق تساؤلات مهمة حول نموذج الحكم الذي تتبناه وما إذا كان بوسعها منع عودة ظهور الجماعات المتطرفة مثل داعش.

ونظراً لحذرها من التاريخ المسلح للهيئة، نفذت الولايات المتحدة عشرات الغارات الجوية في الأيام التي أعقبت سقوط الأسد.

كما يفرض صعود هيئة تحرير الشام تحديات على جيران سوريا. فقد وسعت إسرائيل منطقتها العازلة في مرتفعات الجولان، وهي الخطوة التي تعكس مخاوفها من طموحات الجماعة الإقليمية. وقد أكد الجولاني، الذي يشير اسمه الحركي إلى الجولان، في وقت سابق على أهمية تحرير الجولان من السيطرة الإسرائيلية.

إن ما يزيد من تعقيد الموقف هو احتمال عودة تنظيم الدولة الإسلامية إلى الظهور. فالتنظيم، الذي لا يزال لديه خلايا نشطة في صحاري سوريا الوسطى والشرقية، قد يستغل الفراغ في السلطة الناجم عن سقوط الأسد. وقد يفتح الانتصار المفاجئ لهيئة تحرير الشام الأبواب عن غير قصد أمامه لاستعادة قوته.

هل تستطيع هيئة تحرير الشام تحقيق الاستقرار في سوريا؟

بالنسبة إلى السوريين العاديين، فإن نهاية حكم الأسد تبعث على الأمل، ولكنها أيضاً تثير حالة من عدم اليقين العميق. لا يزال أكثر من 14 مليون سوري نازحين، وأكثر من 500 ألف شخص لقوا حتفهم منذ بدء الصراع في عام 2011. ويبقى السؤال ما إذا كانت هيئة تحرير الشام قادرة على تعزيز الاستقرار وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين.

ودعا المجتمع الدولي إلى السلام والاستقرار في سوريا. وقال رئيس الوزراء البريطاني السير كير ستارمر: “لقد عانى الشعب السوري تحت نظام الأسد البربري لفترة طويلة جداً، ونحن نرحب برحيله”. ومع ذلك، أكد على أهمية بناء سوريا موحدة تحترم تضحيات شعبها.

ويشكل هذا الوضع أيضاً معضلة استراتيجية للقوى العالمية. فقد أكدت روسيا، الحليف القوي للأسد، رحيل الدكتاتور لكنها أكدت أن قواعدها العسكرية في سوريا لا تزال آمنة. وفي الوقت نفسه، تعمل تركيا ووكلاؤها، إلى جانب القوات الكردية في شمال شرق سوريا، على إعادة معايرة مواقفهم في ضوء صعود هيئة تحرير الشام.

إن السيناريو الحالي في سوريا يشبه إلى حد كبير الأوضاع التي أعقبت الصراع في العراق وليبيا، حيث أدى إزاحة الحكام المستبدين إلى إطالة أمد الفوضى وإراقة الدماء. ويحذر الخبراء من أن سوريا قد تواجه تحديات مماثلة، حيث تعمل الصراعات الداخلية بين الفصائل والتدخلات الخارجية على تعقيد عملية تعافيها.

المصدر: Firstpost.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى