تقارير ودراسات

مع تراجع القوة الإيرانية، تركيا وحلفاؤها من الإسلاميين السُنّة يتقدمون لملء الفراغ

كان العام الماضي تاريخياً بالنسبة إلى الشرق الأوسط. فقد بدأ بإسرائيل، وهي تخوض المراحل الأولى من حرب على عدة جبهات أوشكت على التحول إلى حريق إقليمي شامل. ومع بدء المواجهة المفتوحة بين إسرائيل وإيران في إبريل/ نيسان، بدا هذا الاحتمال أقرب إلى التحقق من أي وقت مضى.

ولكن بحلول نهاية العام، تغيرت الصورة بشكل كبير. فمنذ يونيو/ حزيران فصاعداً، حققت إسرائيل سلسلة من النجاحات الاستراتيجية ضد الكتلة الإقليمية التي تقودها إيران، مما تركها تعاني وتنزف. وكان مقتل زعيم حماس إسماعيل هنية ومهندس أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول يحيى السنوار، وتصفية قيادات حزب الله اللبناني العليا والمتوسطة، والغارة الانتقامية في السادس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول التي دمرت الدفاعات الجوية الإيرانية، سبباً في انكشاف التحالف بالوكالة الذي تقوده طهران، والذي اتضح أنه يفتقر إلى أي استجابة متماسكة للتفوق التقليدي لإسرائيل.

ولم يكن التقدم التاريخي الذي أحرزه المتمردون السوريون نحو دمشق في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني ممكناً لولا هذا الضعف المسبق الذي أصاب إيران ووكلاءها. كان حزب الله، على سبيل المثال، ليتقدم بسرعة نحو الشرق ويوقف على الأرجح هيئة تحرير الشام في مكان ما حول حماة. ولكن بحلول شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، لم تعد هذه المنظمة موجودة في سوريا بالحجم الذي كانت عليه قبل منتصف 2024.

إن نتيجة هذه السلسلة من الأحداث هي أن التوازن الاستراتيجي في المنطقة قد تحول بشكل كبير؛ فما الذي قد يحمله عام 2025 للشرق الأوسط؟

أولاً، من المهم أن نفهم أن التحالف الإقليمي الذي تقوده إيران قد انهار ولكنه لم ينته بعد. تظل طهران وحلفاؤها التهديد الرئيس لآمال الاستقرار في المنطقة. لا يزال عملاء إيران يسيطرون على لبنان. ولديهم اليد العليا في العراق، حيث تشكل الميليشيات الشيعية قوة كبيرة داخل حكومة رئيس الوزراء الشيعي السوداني. لا يزال الحوثيون المتحالفون مع إيران يسيطرون على العاصمة اليمنية والجزء الأكبر من ساحلها. وكما كان واضحاً بشكل حاد على مدى الأسابيع القليلة الماضية، فإن الحوثيين غير معنيين بتحليلات الكلفة والفوائد المعتادة التي يتم بناء الردع بين الدول من خلالها. يبدو أن الإسلاميين الشيعة اليمنيين غير مبالين بمصير شعبهم الذي يعتمد 80٪ منه على المساعدات الدولية، وهم عازمون على مواصلة هجماتهم على إسرائيل وإرهاب سفن الشحن على طريق خليج عدن / البحر الأحمر.

وعلى نحو مماثل، فإن رفض حماس الاستسلام، على الرغم من إبادة قواتها في غزة، هو مؤشر واضح على صلابة “العقيدة القتالية” بين كوادرها الأكثر ولاء، وعلى قدرتها المستمرة على قمع أي تحركات معارضة لحكمها.

إن هذه الشواهد كافية لإحباط أي تفاؤل مفرط بشأن انتكاسات إيران في عام 2024. لقد تم الكشف عن النقص التقليدي الذي تعاني منه طهران، ولكن قدرتها على الاستمرار في تسليح الشعبية واسعة النطاق التي يتمتع بها الإسلام السياسي في العالم العربي لا تزال قائمة.

ومع تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد، من المرجح أن تسعى إسرائيل إلى الحصول على الدعم لحملة نشطة ضد إيران، حيث أصبح الهدف النهائي لنتنياهو هو إسقاط النظام الإيراني. وهناك قناعة متنامية داخل المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية بأن النظام الإيراني أصبح الآن أكثر ضعفاً من أي وقت مضى، ولكنه في الوقت نفسه أكثر خطورة.

إن ضعف إيران ينبع من الضربات التي تعرضت لها في النصف الثاني من عام 2024. والخطر هنا هو أن تتجه طهران، في ظل انكشاف استراتيجيتها القائمة على الحرب بالوكالة، إلى عناصر أخرى لاستعراض قوتها، وخاصة برنامج الصواريخ الباليستية والمشروع النووي. وهناك وجهة نظر واسعة النطاق في دوائر القيادة في دول المنطقة مفادها أن الرئيس الأمريكي الجديد سيعتمد على استراتيجية جديدة متقدمة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وسيتضح ما إذا كان هذا صحيحاً أم لا في غضون عام 2025.

ومن المهم أيضاً أن نضع في الاعتبار أن النتيجة الرئيسية لتراجع القوة الإيرانية في المنطقة على مدى العام الماضي، بالإضافة إلى بروز القوة الإسرائيلية، هي تقدم تركيا. وكان انتصار هيئة تحرير الشام في سوريا قد تحقق بفضل الذكاء الاستراتيجي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث أن إيواء أنقرة للمتمردين السوريين في شمال غرب البلاد وتوفير الدعم والحماية لهم هو ما جعل الهجوم على دمشق ممكناً.

في العام المقبل، ستسعى تركيا إلى تعزيز سيطرتها على سوريا من خلال ترسيخ سلطة هيئة تحرير الشام والإسلاميين السُنّة وسحق مراكز القوة البديلة في البلاد. ومن المرجح أن يؤدي استيلاء تركيا وهيئة تحرير الشام على دمشق إلى إحياء الإسلام السياسي السُنّي في المنطقة. وقد يؤدي هذا أيضاً إلى صراع مع القوى الشيعية، على سبيل المثال، في إطار الهيمنة الشيعية المستمرة على لبنان والعراق. وقد شق العديد من المسؤولين السابقين في نظام الأسد طريقهم إلى لبنان. ومن المرجح أن يسعوا إلى إثارة المؤيدين غير السُنّة للنظام السابق ضد الحكام الجدد.

في النهاية، إن أي فكرة مفادها أن إحياء حظوظ الإسلام السُنّي [على حساب الإسلام الشيعي] يمثل مكسباً صافياً للغرب وحلفائه يجب رفضها. إن تقدم تركيا وعملائها يرفع راية جديدة للإسلام السياسي في المنطقة، وهي راية تتمتع بقدرة وتطور أكبر من إيران في كثير من النواحي. وهذا يطرح محوراً ثالثاً للقوة، بالإضافة إلى الكتلة التي تقودها إيران، والتحالف الفضفاض للدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة. وسوف يشهد عام 2025 منافسة شرسة بين هذه الكتل الثلاث، وربما يكون موقف الولايات المتحدة ومدى انخراطها في قضايا المنطقة العنصر الرئيس الذي سيحدد مسار الأحداث. لذا، اربطوا أحزمة الأمان، فالرحلة لم تنته بعد.

الكاتب: جوناثان سباير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى