مشعل حرائق ورجل إطفاء: كيف يُجنِّد حزب الله الشباب ويُحوّلهم إلى متطرفين؟
إن حزب الله يضمن تجنيد الشباب من خلال إدامة الأزمة في لبنان وتقديم الحوافز الاقتصادية للشباب. وعلى الرغم من تراجع شعبيته مؤخراً، فإن الصراع الحالي مع إسرائيل يعزز مصداقيته. ويتعين على لبنان أن ينهي دورة الأزمات لكسر جاذبية حزب الله.
وصلت التوترات بين إسرائيل وحزب الله إلى أعلى مستوياتها منذ حرب عام 2006، مع تصاعد الهجمات التي أدت إلى نزوح عشرات الآلاف من جنوب لبنان، ومقتل أكثر من 1000 شخص في الغارات الجوية الأخيرة. ومن شأن الصراع أن يؤدي إلى تفاقم الأزمات الداخلية في لبنان، وتعميق الانهيار الاقتصادي الذي بدأ في عام 2019، والذي يرى الشباب من بين الضحايا الأكثر تضرّراً منه.
في عام 2018، قدر تقرير صادر عن الإدارة المركزية للإحصاء ومنظمة العمل الدولية أن معدل البطالة بين الشباب اللبناني بلغ 23%؛ أي ضعف معدل البطالة الوطني البالغ 11.4%. وكشف مسح لاحق في عام 2022 أن معدل البطالة بين الشباب ارتفع إلى 47.8%، مقارنة بالمعدل الوطني البالغ 29.6%. وتكشف البيانات أن الانهيار الاقتصادي في لبنان يؤثر بشدة على تشغيل الشباب، حيث لا يستطيع سوق العمل استيعابهم.
يتسم سوق العمل في لبنان بالطابع غير الرسمي، وعدم الاستقرار، وانخفاض معدلات التشغيل، ونقص الوظائف، وهجرة الأدمغة، وعدم المساواة في الأجور، والتمييز، وعدم التوافق في المهارات. وقد حمّل العديد من الشباب اللبناني الحكومة مسؤولية المصاعب التي يواجهونها، حيث يصفون الحكومة بأنها متدهورة وغير مستقرة وفاسدة وسيئة الإدارة.
عمالة الشباب كارثية
تعمل امرأة لبنانية تبلغ من العمر 21 عاماً، تخرجت مؤخراً من جامعة خاصة بدرجة في اللغات الحديثة والترجمة، بدوام جزئي في صيدلية أحد أفراد أسرتها بسبب نقص الوظائف في مجالها. لقد فقدت إيمانها بقدرة الحكومة على معالجة البطالة وأي قضايا مهمة. وقد أدى هذا الافتقار الحاد إلى الآفاق إلى شعور البلاد بأكملها، وخاصة جيل الشباب، باليأس ونقص الثقة والإحباط الشديد تجاه الحكومة. ولأنها تشعر بالعجز عن تغيير الوضع، تركز على إيجاد طرائق بديلة لكسب لقمة العيش، وهي تعترف بأن هذا الأمر محبط، لكنها تشعر بأنه ضروري لإدارة الوضع والحفاظ على صحتها العقلية.
تقول: “إن الافتقار إلى الفرص يدفع الشباب اللبناني إلى الاعتماد على العلاقات الشخصية والمحسوبية، مما يؤدي إلى تأجيج الفساد. وتميل الأحزاب السياسية إلى دعم أعضائها المخلصين فقط، وتقدم لهم الوظائف والتعليم والرعاية الصحية مقابل ولائهم. وعلى النقيض من ذلك، يواجه أولئك الذين يظلون مخلصين للبلاد بدلاً من حزب معين تحديات أكبر، وغالباً ما يضطرون إما إلى مغادرة لبنان أو النضال من أجل تأمين فرص العمل والحصول على تعليم جيد”.
إن النظام يزيد من نقاط ضعف الشباب ويخلق أرضاً خصبة لعمليات التجنيد التي يقوم بها حزب الله. وتعمل البطالة كعامل دفع نحو التطرف. ومع ذلك، فهي ليست كافية بمفردها. فالمظالم الشخصية الناجمة عن البطالة وانعدام الثقة في الحكومة تشكل نقاط ضعف يمكن لمجندي حزب الله المحترفين استغلالها بسهولة. وبمجرد أن يضيف المجندون حوافز لإثارة هذه المظالم، فسوف يقع العديد من الشباب تحت سيطرتهم.
استغلال الحوافز
إن حزب الله يوفر عوامل جذب مثل الحوافز المالية والاجتماعية. ومع تصاعد الحرب بين الحزب وإسرائيل بعد وفاة زعيمه حسن نصر الله، فلا شيء يمنعه من استخدام الحوافز المالية وإغراءات خطاب المقاومة لاستقطاب المزيد من الشباب إلى صفوفه. واللعب على “العداء لإسرائيل” يشكل أداة قوية في يد حزب الله. ومن المرجح أن يجمع الحزب بين هذا والحوافز التي يوفرها لتعزيز البيئة المواتية لتجنيد الشباب.
إن حزب الله ليس السلطة الحاكمة الفعلية في لبنان، وهو ما يخدم أجندته، حيث يسمح له هذا بتجنب المساءلة عن الأزمات الاقتصادية والبطالة، والتي يستغلها بذكاء لتوجيه أصابع الاتهام إلى الحكومة.
وقد أكد ديفيد داود، وهو زميل بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أن حزب الله يحتفظ بمجموعة أساسية من المؤيدين الملتزمين أيديولوجياً داخل المجتمع الشيعي، في حين أن معظم المؤيدين، وخاصة من الأحياء الفقيرة والمتوسطة، ينجذبون إلى المزايا المادية التي يقدمها. وقد أدى الانهيار الاقتصادي في لبنان إلى تكثيف الاعتماد على حزب الله في حين تكافح الدولة للوفاء بمسؤولياتها.
ويستغل حزب الله استراتيجياً شبكته الواسعة من المؤسسات المالية والخدمات الاجتماعية والأجهزة الأمنية والفرص التعليمية وآفاق العمل لجذب الشباب المهمشين والمعرضين للخطر. ويقدم الحزب القتال بوصفه وظيفة كاملة بعقود ورواتب ومزايا، مما يجعله خياراً جذاباً لأولئك الذين لديهم فرص محدودة. وتقدَّم للمقاتلين رواتب شهرية تُدفع بالدولار، إلى جانب مزايا لأسرهم.
بالنسبة إلى الشباب من الأحياء الفقيرة، تبدو هذه العقود مربحة، مع إمكانية التقدم في المستقبل. ومن خلال تقديم الاستقرار المالي والحوافز الاجتماعية والشعور بالانتماء، يغري حزب الله هؤلاء الأفراد لخدمة مصالحه، مما يضمن تدفقاً ثابتاً من المجندين.
عبد الله، شاب من بلدة في سهل البقاع، شاركنا قصته عن فراره إلى أوروبا، عندما بدأ حزب الله في تجنيد الشباب من القرى الشيعية، يقول: “لقد أثرت الحرب في سوريا بشكل مباشر على قرار حزب الله بتعبئة الشباب من المجتمعات الشيعية من خلال توفير رواتب لهم وإخضاعهم للتلقين الأيديولوجي قبل إرسالهم للقتال في سوريا. لا يجند حزب الله الشباب من خلال تقديم المال والرواتب الثابتة والتعويضات فحسب، بل وأيضاً من خلال الضغط الاقتصادي والنفسي، مستغلًّا شبكته التجارية للتأثير على العمال الشباب”.
وقد كشفت الأبحاث التي أجريت على مقاتلي حزب الله الشباب الذين ذهبوا إلى سوريا أن كثيرين منهم زعموا في البداية أن دوافعهم الأساسية أيديولوجية، تتعلق بالسرديات الطائفية وأدبيات الحزب. ولكن مع تزايد الخسائر بين الشباب الشيعة اللبنانيين في سوريا، بدأ بعض المقاتلين يعترفون بأن الحوافز المالية كانت دافعهم الأساسي. وبالنسبة إلى هؤلاء الشباب، كان حزب الله يرمز إلى طريق الخروج من الفقر وفرصة لمستقبل أفضل.
دعم من خارج مجتمع الشيعة
قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، كان دعم الطائفة الشيعية لحزب الله يتناقص بسبب تورطه في الصراعات في سوريا واليمن والعراق، مما أدى إلى تحويل الاهتمام عن القضية الفلسطينية وإضعاف شرعيتها. وأدت الأزمة الاقتصادية في لبنان أيضاً إلى تقليص الدعم الذي يحظى به، حيث ألقى كثيرون باللوم على الحزب في حماية الطبقة السياسية الفاسدة. ولكن هذا التوجه تغير جزئياً أثناء الحرب في غزة. فبفضل الراعي الإيراني، أصبح حزب الله قادراً على التباهي بمؤهلاته في “المقاومة” ضد إسرائيل، وهو ما ساعد على تعزيز قاعدته الشعبية داخل المجتمع الشيعي، وحتى نجح في تحقيق اختراقات لدى بعض الجماعات السنية والمسيحية.
ولكن حزب الله لا يحظى بدعم واسع النطاق في مختلف أنحاء لبنان، والعديد من اللبنانيين لا يريدون أن يروا حرباً في البلاد. ومع ذلك، فإنه لا يزال يحظى بشعبية كبيرة، خاصة من الطائفة الشيعية، وإلى حد ما من الطوائف الأخرى، نظراً لدوره كحركة مقاومة ضد إسرائيل.
وتشير بيانات الباروميتر العربي إلى أن تصورات الدور الإيجابي لحزب الله في السياسة الإقليمية ارتفعت بنسبة 9% منذ عام 2022. وكما هو متوقع، فإن الشيعة اللبنانيين هم الأكثر دعماً للحزب، حيث يحمل 78% منهم وجهة نظر إيجابية، مقارنة بـ 13% من السنة، و12% من المسيحيين، و16% من الدروز. ومع ذلك، فإن هذا الارتفاع في الدعم ليس من الطائفة الشيعية، التي ظلت آراؤها مستقرة على مدى العامين الماضيين. يأتي الارتفاع في التصورات الإيجابية من الطوائف الأخرى، مع زيادة قدرها 10 نقاط بين الدروز، و8 نقاط بين السنة، و7 نقاط بين المسيحيين. وربما ينبع هذا الدعم المتزايد من التعاطف مع موقف الحزب تجاه إسرائيل وليس من التوافق الأيديولوجي.
ولا يفوّت حزب الله فرصة لسحب المزيد من الدعم من الطوائف الأخرى في لبنان. وأشار إبراهيم جوهري، المحلل البارز في مشروع تحرير البيانات، إلى أن عكار هي واحدة من أكبر المناطق السنية وأفقرها في لبنان. وقد بدأ حزب الله في توزيع الأموال وتوظيف المزيد من الناس وتقديم المساعدات الاجتماعية هناك، وكل ذلك لزيادة نفوذه.
إن المفارقة هنا هي أن حزب الله يستغل وضعاً ساهم هو نفسه بدور أساسي في خلقه. فقد أدت تصرفاته السياسية وأنشطته العسكرية إلى جر لبنان إلى التورط في الصراع بين حماس وإسرائيل، الأمر الذي تسبب في تفاقم الوضع الاقتصادي وزيادة الإحباط تجاه الحكومة. ومن نواح كثيرة، يعمل حزب الله، في وقت واحد، كمشعل للحرائق ورجل إطفاء، الأمر الذي يوقع لبنان والطائفة الشيعية في حلقة مفرغة تعود بالنفع في نهاية المطاف على الحزب وحده.
إن دائرة العنف التي بدأها حزب الله لا بد أن تنتهي على الفور، ولابد وأن يتم إبعاد لبنان عن شفا الحرب الشاملة. ولمنع المزيد من زعزعة الاستقرار، من الضروري التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وإعادة تنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 في لبنان، والذي أنهى الصراع في عام 2006.
وفي لبنان ما بعد وقف إطلاق النار، ينبغي النظر إلى تشغيل الشباب بصفته مؤشراً رئيساً للتعافي الاقتصادي والحماية من الإرهاب أو غيره من التهديدات الأمنية. ويتطلب إعادة بناء الثقة بين الشباب والحكومة تمكين الشباب من خلال توفير فرص العمل وبناء القدرات والتدريب والتوجيه. وينبغي للولايات المتحدة وفرنسا والأمم المتحدة أن تدعم الحكومة اللبنانية والمنظمات المحلية في توسيع برامج العمل مثل برنامج تمكين الشباب، الذي يساعد الشباب اللبناني على بدء أعمال تجارية في قطاعات حيوية مثل الزراعة والتكنولوجيا الرقمية وإدارة الثروة الحيوانية والصيانة الكهربائية، بدلاً من انتظار الوظائف الحكومية. وقد يساعد توسيع هذه الجهود في المناطق ذات معدلات البطالة المرتفعة، مثل البقاع وبعلبك الهرمل وجنوب لبنان، على تخفيف الصعوبات الاقتصادية، وبالتالي الحد من جاذبية الجماعات المتطرفة.
الكاتب: سيدا غونيش
الرابط: