قطع رأس حزب الله يحدّ من خيارات إيران
قالت الحكومة الإيرانية التي يقودها الإصلاحيون إنها لا تعتزم إرسال قوات لتعزيز حزب الله في لبنان، ولكنها تتعرض لضغوط محلية من المتشددين الذين يسعون إلى استغلال ما يعتبرونه فشلاً في الوقوف في وجه إسرائيل، ويأملون أيضاً في عرقلة أي نقاش مع الغرب بشأن الإشراف المستقبلي على البرنامج النووي الإيراني.
وتضاعفت الدعوات إلى رد إيراني أكثر صرامة عندما ظهر أن العميد عباس نيلفوروشان، نائب قائد الحرس الثوري الإسلامي في لبنان وسوريا، قُتل في بيروت إلى جانب زعيم حزب الله حسن نصر الله.
وقد بلغ التوتر في إيران حدّاً جعل بعض المحافظين متهمين بنشر أجواء سامة على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال تحريف تصريحات أدلى بها الرئيس مسعود بزشكيان والمتحدث باسمه لإظهار عدم دعمهما لـ”محور المقاومة”.
لا يزال الخط السائد في الدوائر الحكومية هو أنه ينبغي تجنب الحرب المباشرة بين إسرائيل وإيران؛ لأنها ستصب في مصلحة بنيامين نتنياهو، وستجر الولايات المتحدة إلى التدخل، ولكن لا ينبغي ترك حزب الله ليقاتل بمفرده، وكان هذا هو الموقف الذي أشار إليه بزشكيان في نيويورك قبيل مقتل نصر الله.
وعلى نحو مماثل، تعهد المتحدث باسم وزارة الخارجية ناصر الكنعاني بأن تصرفات إسرائيل لن تمر دون رد، لكنه قال إنه لا توجد حاجة لنشر قوات إيرانية مساعدة أو متطوعة خارج البلاد؛ لأن حزب الله وحماس لديهما القدرة على مواجهة العدوان الإسرائيلي.
ويظل بزشكيان مستاءً من حصوله على تأكيدات أميركية عبر وسطاء بأنه إذا لم يهاجم إسرائيل ردّاً على مقتل زعيم حماس إسماعيل هنية في طهران في يوليو/ تموز، فإن الإسرائيليين سيوقعون على اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.
وزعم المتشددون في البرلمان الإيراني، مثل حسين أمير صابتي، مستشار سعيد جليلي، أحد المرشحين الذين هزمهم بزشكيان في الانتخابات الرئاسية، أن “أحدهم” [في إشارة إلى بزشكيان] عصى أمراً من المرشد الأعلى علي خامنئي بالردّ انتقاماً لمقتل هنية. وادعى أيضاً أن ضبط النفس الذي مارسته طهران أعطى إسرائيل الضوء الأخضر لقتل نصر الله. وتساءل: “لماذا يدفع 80 مليون إيراني وجبهة المقاومة ثمن سذاجة قِلة من الناس؟”.
ودفعت هذه الاتهامات نجل الرئيس إلى الدفاع عن والده، قائلاً إن حكومته لا يمكن أن تخالف المرشد الأعلى أبداً.
ولكن من غير المؤكد ما إذا كان أي طرف لديه السلطة لتقديم مثل هذا العرض قد قدم بالفعل إلى طهران وعداً بوقف إطلاق النار، ومع ذلك، فإن الصراع الداخلي الحالي يكشف عن القلق السياسي بشأن الكيفية التي قد تتمكن بها إيران من استعادة قوتها الرادعة.
وفي خطاب يلقيه في وقت لاحق من هذا الأسبوع، من المرجح أن يدعو جليلي، المرشح الرئاسي السابق، إيران إلى إشعال ما يسمى “حزام النار” حول إسرائيل، ورفض أي فكرة مفادها أن حزب الله يجب أن يستسلم فعلياً من خلال التصريح بإنه لم يعد يسعى إلى الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة.
وفي محاولة لإزالة أي شك حول ولائه، ذهب بزشكيان بنفسه إلى مكاتب حزب الله في طهران لتسليم مذكرة تعزية مكتوبة بخط اليد. كما كثف دعواته للدول العربية والإسلامية للاضطلاع بمسؤولياتها من خلال التدخل لردع إسرائيل.
ويبدو أن الأجواء في إيران تأثرت بتصريحات نتنياهو التي قال فيها إن مقتل نصر الله كان ضرورياً “لتغيير ميزان القوى في المنطقة”، حيث وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي دعوة صريحة لتغيير النظام في طهران، قائلاً إن إيران سوف “تتحرر… أسرع كثيراً مما يعتقد الناس”.
في رسالة طويلة على موقع اكس، زعم جاريد كوشنر، صهر دونالد ترامب، أن تدمير قيادة حزب الله “أمر مهم لأن إيران أصبحت الآن مكشوفة تماماً. والسبب وراء عدم تدمير منشآتها النووية، على الرغم من أنظمة الدفاع الجوي الضعيفة، هو أن حزب الله لديه بندقية موجهة نحو إسرائيل. لقد أمضت إيران السنوات الأربعين الماضية في بناء هذه القدرة كرادع لها. كان الرئيس ترامب يقول في كثير من الأحيان: “لم تفز إيران بحرب أبداً ولكنها لم تخسر مفاوضات أبداً”. إن نظام الجمهورية الإسلامية يبدو أكثر جرأة وصرامة، عندما يخاطر بحياة حماس وحزب الله والسوريين والحوثيين مقارنة بالمخاطرة بحياته”.
وأشاد كوشنر باحتمالات نشوء شرق أوسط جديد “بدون ترسانة إيران الموجهة بالكامل نحو إسرائيل”، وقال إن الوقت قد حان لكي تنهي إسرائيل المهمة. قد لا يكون كوشنر حالياً قريباً من الحكومة في الولايات المتحدة، لكن هذا قد يتغير في غضون أسابيع.
ومن المرجح أن تؤدي مثل هذه التصريحات إلى زيادة التوترات في طهران، وتعزيز مخاوف الإيرانيين الذين يقولون إن نتنياهو لن يتردد في الصعود على سلم التصعيد، وأن الحكومة الأميركية ليس لديها أي وسيلة أو مصلحة في وقفه.
في الوقت الحالي، لا تملك إيران سوى خيارات قليلة لإعادة إرساء سياسة “الردع”. ولكن وفقاً للدكتورة بورجو أوزجليك، الباحثة البارزة في شؤون أمن الشرق الأوسط في مركز أبحاث الدفاع الروسي، فإن أسوأ مسار للعمل قد يكون شن هجوم مباشر على إسرائيل.
“وفي حين أن هذا قد ينقذ مصداقية إيران مع قاعدتها الأساسية داخل إيران وعبر محورها الإقليمي، فإن الخطر يكمن في أنه، كما حدث في هجومها في 13 أبريل/ نيسان ردّاً على الهجوم على قنصليتها في دمشق، فإن وابل الصواريخ سوف يتم اعتراضه من قبل نظام القبة الحديدية الإسرائيلي والولايات المتحدة وحلفائها العرب. وهذا من شأنه أن يزيد من تآكل استعراض إيران للقوة العسكرية ويسبب أزمة شرعية للنظام”.
وهذا يترك لطهران ثلاثة خيارات: إعادة بناء منظمة حزب الله المحطمة ببطء، أو اللجوء إلى الإرهاب المدعوم من الدولة [الحرس الثوري] على مستوى منخفض، أو التركيز على بناء سلاحها النووي الخاص.
الكاتب: باتريك وينتور
الرابط: