تقارير ودراسات

عودة داعش في سوريا: تهديدٌ مستمرٌّ

كانت سوريا قاعدة رئيسة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فهل يؤدي الفراغ الذي خلفه سقوط نظام الأسد إلى عودة ظهور التنظيم الذي أصبح في السنوات الأخيرة محصوراً في جيوب صغيرة؟ إن سوابق زعماء المتمردين السوريين مثل أبي محمد الجولاني تجعل هذا الأمر ممكناً.

“يُظهِر التاريخ مدى السرعة التي يمكن أن تنحدر بها لحظات الأمل إلى صراع وعنف. سيحاول تنظيم الدولة الإسلامية استغلال هذه الفترة لإعادة تأسيس قدراته وإنشاء ملاذات آمنة”، هذا ما حذّر منه أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول. لقد تدفق الناس إلى شوارع دمشق للاحتفال، ولكن وسط الاحتفالات كان هناك نذير شؤم. فقد يؤدي انتصار المتمردين إلى عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية أو جماعة داعش الإرهابية. إن الفراغ في السلطة في دمشق وولاء زعماء المتمردين يجعلان ذلك أمراً ممكناً.

لم يستغرق الأمر سوى أسبوعين زلزاليين للإطاحة بحكم دام خمسين عاماً في سوريا، والذي نجا من ثورات الربيع العربي في عام 2011 التي أدت إلى تغيير النظام في مصر وليبيا وتونس واليمن. ولكن هذا ليس كل شيء. الآن، ستقود هيئة تحرير الشام الحكومة في سوريا.

وكانت هيئة تحرير الشام مرتبطة بتنظيم القاعدة في وقت سابق، وتعتبرها الولايات المتحدة منظمة إرهابية.

وقال خبراء لرويترز إنهم يشعرون بالقلق بشأن ما إذا كان التحالف الذي تقوده هيئة تحرير الشام يعتزم [بالفعل] منع تنظيم الدولة الإسلامية من العودة وما إذا كان قادراً على ذلك.

وكانت سوريا بمثابة نقطة انطلاق لتنظيم داعش – الدولة الإسلامية في العراق والشام الذي غير اسمه لاحقاً إلى “الدولة الإسلامية”.

وبحسب تقرير لوكالة رويترز، نجح الرئيس بشار الأسد، بمساعدة غير مباشرة من الولايات المتحدة، في إبعاد تنظيم الدولة الإسلامية منذ عام 2019.

وعلى الرغم من أن التنظيم أصبح محصوراً في بعض الجيوب في سوريا، فإن الجميع يدركون كيف يمكن أن يشهد نمواً سريعاً بسبب فراغ السلطة في دمشق.

ورحب الرئيس الأمريكي جو بايدن بسقوط نظام الأسد، لكنه وصفه بأنه لحظة “مخاطرة وعدم يقين”.

وقال الرئيس المنتخب دونالد ترامب بشكل قاطع، إن هذا الأمر لا يعني الولايات المتحدة، ويجب على الأمريكيين أن يبقوا بعيدين عنه. وذكرت صحيفة بوليتيكو أن الطريقة الوحيدة لإقناع ترامب بالتدخل في شؤون سوريا هي جعله يرى ربحاً هناك، أي تقديم شيء له.

أين الدولة الإسلامية الآن؟ وما هي قدراتها؟

حتى في عهد الأسد، لم تكن كافة مناطق سوريا خاضعة لحكمه.

وفي السنوات الأخيرة، احتفظ تنظيم الدولة الإسلامية بوجوده في شمال شرق سوريا.

ووفق تقرير صادر عن القيادة المركزية الأمريكية، فإن تنظيم داعش أعلن مسؤوليته عن 153 هجوماً في العراق وسوريا خلال الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى يونيو/ حزيران 2024، مما يشير إلى التهديد المستمر الذي يشكله التنظيم.

وبحسب التقرير العسكري الأمريكي، بهذه الوتيرة، فإن عدد الهجمات مع نهاية عام 2024 سيصل إلى ضعف ما شهدناه في عام 2023.

وقالت القيادة المركزية الأمريكية إن “زيادة الهجمات تشير إلى أن تنظيم داعش يحاول إعادة تشكيل نفسه بعد عدة سنوات من تراجع قدراته”.

وتحتفظ الولايات المتحدة بنحو 900 جندي متمركز في سوريا، وخاصة في الأجزاء الشمالية الشرقية، لمواجهة تهديد تنظيم الدولة الإسلامية.

وظهرت تقارير عن تنفيذ عشرات الغارات الجوية على أهداف تابعة للتنظيم فور سقوط نظام الأسد.

وذكرت القيادة المركزية الأمريكية أنها هاجمت أكثر من 75 هدفاً، بما في ذلك قيادات وعناصر ومعسكرات لداعش، لضمان عدم استغلال الوضع الفوضوي الحالي في سوريا.

كما كانت مناطق أخرى في سوريا خاضعة لسيطرة قوى ذات نفوذ عسكري، مثل القوات المدعومة من تركيا في الشمال، والقوات الكردية في الشمال الشرقي، وهيئة تحرير الشام في الشمال الغربي.

إن سقوط الأسد، الذي وفر نظامه مظهراً من مظاهر السلطة والحكم في البلاد التي مزقتها الحرب، قد يؤدي إلى فراغ في السلطة. ومن المرجح أن يسعى تنظيم الدولة الإسلامية إلى استغلال هذا الفراغ لتجديد شبابه.

صعود تنظيم الدولة الإسلامية وكيفية احتوائه

في حين كان الأسد يحظى بدعم إيران وروسيا، فإن الجماعة التي قادت التحالف المتمرد، هيئة تحرير الشام، تعدّ منظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة. وكانت هذه الجماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة، ولكن منذ عام 2016 انفصلت عنه.

وبرز تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة منذ عام 2011. وقد أثار مقاتلوه الملثمون ومقاطع الفيديو الخاصة بقطع الرؤوس التي كان يوزعها على مواقع الإنترنت الخاصة به الرعب في قلوب الناس في جميع أنحاء العالم.

وفي عام 2014، بدأت الولايات المتحدة محاولاتها لتدمير معاقل التنظيم في المنطقة.

ولم تتمكن من القيام بذلك جزئياً إلا في عام 2016، واستغرق الأمر حتى عام 2019 لاحتواء داعش في شمال شرق سوريا بمساعدة القوات الكردية والتركية.

وحث روبرت فورد، السفير الأمريكي آنذاك، إدارة باراك أوباما على تصنيف جبهة النصرة، سلف هيئة تحرير الشام، منظمة إرهابية؛ لأن مقاتليها زرعوا قنبلتين انتحاريتين في دمشق في ديسمبر/ كانون الأول 2011، مما أسفر عن مقتل حوالي 44 شخصاً.

وأعلن ترامب نهاية تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2018، لكن الأمر تطلب حصار الباغوز في عام 2019 للتخلص من الجماعة الإرهابية بشكل فعلي.

وقال محللون ودبلوماسيون لرويترز إن الولايات المتحدة والدول العربية تخشى أن يحل التحالف الذي تقوده هيئة تحرير الشام محل نظام الأسد بحكومة إسلاموية أو حكومة متطرفة تساعد على عودة تنظيم الدولة الإسلامية.

وقال عبد العزيز صقر، مدير مركز الخليج للأبحاث: “هناك خوف شديد داخل المنطقة وخارجها من الفراغ الذي قد يسببه انهيار الأسد المفاجئ”. وضرب مثالاً بالحروب الأهلية التي أعقبت سقوط الرئيس العراقي صدام حسين في عام 2003 والدكتاتور الليبي معمر القذافي في عام 2011.

أبو محمد الجولاني له صلة بداعش والبغدادي

بدأ أبو محمد الجولاني، زعيم المتمردين الذين استولوا على السلطة، رحلته الجهادية مع المجموعة التي أصبحت تسمى فيما بعد تنظيم الدولة الإسلامية أو داعش.

وانضم الجولاني إلى تنظيم دولة العراق الإسلامية [سلف داعش]، ثم تعرف بعد ذلك على أبو بكر البغدادي، الذي أصبح فيما بعد زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وكان البغدادي هو الذي مول الجولاني وأرسله لتأسيس جبهة النصرة في سوريا في عام 2011، والتي كان من المفترض أن تكون الفرع السوري لتنظيم دولة العراق الإسلامية.

وأصبحت جبهة النصرة قوة متمردة رئيسة بحلول عام 2012، لكن علاقاتها مع تنظيم دولة العراق الإسلامية ظلت سرية.

وانفصل الجولاني عن البغدادي في عام 2013، عندما أعلن هذا الأخير اندماج تنظيم دولة العراق الإسلامية وجبهة النصرة تحت اسم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وأعلن ولاءه لتنظيم القاعدة.

وهكذا ظهرت للمرة الأولى الروابط بين جبهة النصرة وتنظيم القاعدة.

واليوم، يتم التعامل مع الجولاني بحذر شديد مشوب بالقلق.

وناقش كولن ب. كلارك، وهو محلل لمكافحة الإرهاب في صوفان جروب، وهي شركة استشارات أمنية مقرها نيويورك، لماذا قد يؤدي النهج المتسامح تجاه الجولاني وهيئة تحرير الشام إلى مشاكل.

وقال كلارك لصحيفة نيويورك تايمز: “لقد قام الجولاني بعمل مذهل في إعادة تأهيل صورته؛ فهو يقدم نفسه باعتباره ثائراً عصرياً من نفس طينة تشي جيفارا، ويتردد صدى هذا في العديد من أجزاء الشرق الأوسط وخارجه. ومع ذلك، في ظل حكمه، لا يزال شمال غرب سوريا مكاناً قاسياً حيث يتم إسكات المنتقدين وتعذيبهم وسجنهم وإخفاؤهم”.

وأضاف كلارك: “الأسد ديكتاتور وحشي، ولكن هذا لا يجعل الجولاني أكثر قبولاً. لا ينبغي لأي من هذين الشخصين أن يحكما سوريا، لكن السياسة الأمريكية تحتاج إلى التعامل مع الحقائق على الأرض وليس السيناريوهات المثالية”.

وفي نهاية المطاف، فإن نهاية نظام الأسد ربما تفتح نافذة للأمل، ولكنها أيضاً تحمل في ثناياها العديد من الاحتمالات السيئة، منها عودة تنظيم الدولة الإسلامية إلى الواجهة وما يشكله ذلك من مخاطر على استقرار سوريا والمنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى