عافية صديقي
هي عالمة أعصاب باكستانية تلقت تعليمها في الولايات المتحدة، وانضمت إلى خلية تابعة لتنظيم القاعدة في باكستان. تقضي حالياً حكماً بالسجن لمدة 86 عاماً في السجن الفيدرالي الأمريكي بتهمة الاعتداء على عملاء فيدراليين أمريكيين أثناء استجوابها عام 2008 في أفغانستان. وقد مارست الحكومة الباكستانية ضغوطاً من أجل الإفراج عنها، في حين طالب تنظيم القاعدة والجماعات المتطرفة الأخرى مراراً وتكراراً بإطلاق سراحها مقابل الإفراج عن رهائن أمريكيين أو غربيين.
ولدت عافية في كراتشي، باكستان عام 1972، ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة عام 1990 بتأشيرة طالب. التحقت بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ثم بجامعة برانديز، وحصلت على درجة الدكتوراه في علم الأعصاب. بدأ تطرف عافية أثناء دراستها في ماساتشوستس، والتي تزامنت مع الحرب الأهلية في البوسنة. خلال سنتها الثانية، حصلت على منحة قدرها 5000 دولار لمشروع بحثي حول “الأسلمة في باكستان وتأثيراتها على المرأة”. عادت لفترة وجيزة إلى باكستان لإجراء البحث. في عام 1993، تطوعت عافية مع جمعية الطلاب المسلمين لجمع التبرعات لمركز الكفاح للاجئين، والذي تم الكشف عنه لاحقاً على أنه واجهة خيرية لتنظيم القاعدة وله صلات بتفجير مركز التجارة العالمي عام 1993. وألقت رسائل الكفاح باللوم على الولايات المتحدة في معاناة مسلمي البوسنة. بدأت عافية في تشجيع الطلاب الآخرين على السفر إلى الخارج لحمل السلاح نيابة عن مسلمي البوسنة، بل وأخذت هي نفسها دروساً في الرماية في نادي أسلحة محلي وشجعت أعضاء جمعية الطلاب المسلمين الآخرين على الانضمام إليها. ويذكر الطلاب أن عافية كانت تنتقد الولايات المتحدة ومكتب التحقيقات الفيدرالي خلال زيارتها لهم.
في عام 1995، تزوجت صديقي من محمد أمجد خان، وهو طبيب من كراتشي، باكستان. عاش الزوجان في بوسطن، حيث أنهى خان دراسته. وقال خان في وقت لاحق لصحيفة بوسطن غلوب إنه توقف عن جلب الضيوف إلى منزل الزوجين؛ لأن عافية كانت تحاول إقناعهم بالتحول إلى الإسلام. وحضر الزوجان مسجد الجمعية الإسلامية في شارع بروسبكت في بوسطن، والذي كان من بين رواده في وقت لاحق منفذ هجوم ماراثون بوسطن، تامرلان تسارناييف. وألقت عافية باللوم بشكل متزايد على الولايات المتحدة في معاناة المسلمين في جميع أنحاء العالم. وقال خان لصحيفة بوسطن غلوب إن عافية بدأت في مشاهدة مقاطع الفيديو الدعائية الإسلامية عبر الإنترنت والتدرب على السفر إلى الخارج. وبحلول الوقت الذي أنهت فيه عافية أطروحة الدكتوراه عام 2001، كانت قد ركزت على “الجهاد ضد أمريكا” بشكل كامل وفقاً لما ذكره خان. في مايو / أيار 2002، استجوب عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي الزوجين حول عمليات الشراء عبر الإنترنت لنظارات الرؤية الليلية والدروع الواقية من الرصاص والكتب العسكرية.
انتقل خان وعافية إلى باكستان في يونيو/ حزيران 2002. وتطلقا في أغسطس/ آب من ذلك العام قبل ولادة طفلهما الثالث. ويُزعم بعد ذلك أن عافية انخرطت في خلية تابعة لتنظيم القاعدة في كراتشي بقيادة العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر خالد شيخ محمد، والتي كانت تخطط لشن هجمات على الولايات المتحدة وباكستان وبريطانيا العظمى. في ديسمبر/ كانون الأول من ذلك العام، عادت عافية إلى الولايات المتحدة لمدة 10 أيام بحجة التقدم لشغل مناصب أكاديمية، تاركة أطفالها الثلاثة في باكستان مع والدتها. استأجرت عافية صندوق بريد في الولايات المتحدة تحت اسم عميل القاعدة ماجد خان، وهو عضو آخر في خلية عافية. تم القبض على خان في باكستان عام 2003 ووصف عافية بأنها شريكته خلال استجوابات وكالة المخابرات المركزية اللاحقة.
في أوائل عام 2003 في باكستان، تزوجت عافية من عمار البلوشي، ابن شقيق خالد شيخ محمد. ووفقاً لاستجوابات العديد من السجناء في خليج غوانتانامو، خططت خلية عافية لمهاجمة أهداف اقتصادية أمريكية باستخدام متفجرات مهربة إلى البلاد. ووفقاً لتقرير فرقة العمل المشتركة لمكافحة الإرهاب التابعة لمكتب التحقيقات الفيدرالي حول المتآمر المشارك ونزيل غوانتانامو سيف الله باراشا، فإن عافية مسؤولة عن استئجار المنازل وتوفير الدعم اللوجستي للعملية. أثناء الاستجوابات التي أعقبت القبض عليه عام 2003، وصف خالد شيخ محمد عافية بأنها ساعي القاعدة.
وبحسب ما ورد، اختفت عافية في مارس / آذار 2003 بعد أن أصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي إنذاراً عالمياً لها ولزوجها السابق خان للاستجواب حول اتصالات محتملة مع أسامة بن لادن. وشوهدت عافية آخر مرة، وهي تدخل سيارة أجرة مع أطفالها الثلاثة في كراتشي. ووفقاً لخان، كانت عافية مختبئة في باكستان. بعد فترة وجيزة، تم القبض على البلوشي ونقله إلى المنشأة الأمريكية في خليج جوانتانامو بكوبا. وفي مايو / أيار 2004، قام مكتب التحقيقات الفيدرالي بتسمية عافية كواحدة من أهم سبعة هاربين مطلوبين من تنظيم القاعدة. لكن عائلة عافية والعديد من المنظمات الحقوقية تزعم أن المخابرات الباكستانية ساعدت عملاء أمريكيين عام 2003 على خطفها ووضعها في سجن أمريكي سري في مطار باغرام بأفغانستان. تدعي عافية أنه تم استجوابها وتعذيبها واحتجازها في الحبس الانفرادي هناك لمدة خمس سنوات. في أبريل / نيسان 2003، ذكرت شبكة إن بي سي نيوز أنه تم القبض على عافية في باكستان، لكن لم يتم تحديد معلومات أخرى حول طريقة القبض عليها. وأفاد سجناء آخرون من باغرام عن وجود نزيلة في الحبس الانفرادي ويمكن سماع صراخها في جميع أنحاء المنشأة. أطلق السجناء على المرأة لقب “سيدة باغرام الرمادية”. وينفي المسؤولون الأمريكيون رواية عافية، على الرغم من أنها تبدو مقبولة على نطاق واسع في باكستان، حيث يتم النظر إلى عافية كبطلة.
عادت صديقي إلى الظهور في يناير / كانون الثاني 2008، عندما زُعم أنها طلبت المساعدة من عمها إس.إتش. فاروقي للتواصل مع طالبان بحسب فاروقي. في 17 يوليو/ تموز 2008، اعتقلت السلطات الأفغانية واحتجزت عافية وابنها البالغ من العمر 11 عاماً آنذاك خارج مجمع حاكم إقليم غزنة. وكانت عافية تحمل سيانيد الصوديوم، ووثائق توضح بالتفصيل تجميع المتفجرات، وأوصافاً لمختلف المعالم الأمريكية، بما في ذلك تمثال الحرية ومبنى إمباير ستيت. في اليوم التالي، سعت مجموعة من ضباط الجيش الأمريكي وعملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي والمترجمين الفوريين المتعاقدين مع الجيش إلى استجواب عافية في مجمع للشرطة الأفغانية. ووفقاً للتهم الموجهة إليها، أثناء الاستجواب، أمسكت عافية ببندقية إم-4 لضابط بالجيش الأمريكي وأطلقت النار على ضابط آخر، ثم اعتدت على مترجمة تابعة للجيش حاولت انتزاع البندقية، واعتدت على عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي وضباط الجيش الذين حاولوا إخضاعها. ولم يصب أي من المسؤولين الأمريكيين، لكن عافية أصيبت برصاصة في بطنها أثناء القتال وخضعت لعملية جراحية طارئة في مطار باغرام في أفغانستان، وتم نقلها إلى الولايات المتحدة في الشهر التالي.
في سبتمبر / أيلول 2008، اتهمت الحكومة الأمريكية عافية بمحاولة قتل مواطنين أمريكيين خارج الولايات المتحدة، ومحاولة قتل ضباط وموظفين أمريكيين، والاعتداء المسلح على ضباط وموظفين أمريكيين، واستخدام وحمل سلاح ناري أثناء التحقيق معها، بالإضافة إلى ثلاث تهم أخرى بالاعتداء على ضباط وموظفين أمريكيين. في 3 فبراير / شباط 2010، بعد محاكمة استمرت أسبوعين في مدينة نيويورك، أدينت عافية بجميع التهم الموجهة إليها، ولم تُتهم قط بارتكاب جرائم تتعلق بالإرهاب. واحتج الآلاف في جميع أنحاء باكستان بعد إدانتها. وفي سبتمبر/ أيلول من ذلك العام، حُكم عليها بالسجن لمدة 86 عاماً.
منذ سجنها، وصلت عافية إلى ما أسمته وسائل الإعلام والمحللون مكانة “النجمة” بين الجماعات الإرهابية، والمنظمات غير الحكومية، وفي موطنها باكستان. وفي عام 2010، أدى الغضب الشعبي الباكستاني إلى دفع رئيس الوزراء آنذاك يوسف رضا جيلاني وغيره من السياسيين الباكستانيين إلى الضغط من أجل إطلاق سراحها، لكن دون جدوى. ووصف جيلاني عافية بأنها “ابنة الأمة”. وبحسب ما ورد، دفعت الحكومة الباكستانية الرسوم القانونية لعافية. ودعا رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلى إطلاق سراحها عام 2019. وكان آلان هينينج، رهينة داعش الذي تم إعدامه، يعمل لصالح الجمعية الخيرية البريطانية “ساعد سوريا”، التي ضغطت من أجل إطلاق سراح عافية، كما أطلقت المؤسسة الخيرية أيضاً مشاريع باسمها، مثل “فرقة إطفاء عافية صديقي” و”مشروع مياه عافية صديقي”.
وعرضت عدة جماعات متطرفة مقايضة رهائنها بعافية. في عام 2012، عرضت حركة طالبان مقايضة الجندي الأمريكي الأسير بو بيرجدال. وفي ذلك العام، عرض تنظيم القاعدة أيضاً إطلاق سراح رهائن غربيين مقابل إطلاق سراح عافية وسجناء أمريكيين آخرين. وقد سعى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية دون جدوى إلى صفقة تبادل رهائن مقابل صديقي والشيخ عمر عبد الرحمن، المعروف باسم الشيخ الأعمى. في يوليو / تموز 2014، طالب داعش بالإفراج عن عافية مقابل الإفراج عن عاملة الإغاثة الأمريكية كايلا مولر، التي كتبت عائلتها إلى الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما تطلب منه قبول التبادل. وقد توفيت مولر في أوائل عام 2015، كما عرض داعش تبادل الرهينتين الأمريكيين جيمس فولي وستيفن سوتلوف مقابل عافية. وقد دعت عائلة عافية علناً داعش إلى إطلاق سراح الرهائن المحتجزين كورقة مساومة لعافية.
وسعت صديقي مرتين لاستئناف إدانتها. في عام 2012، قالت إن محاكمتها كانت غير عادلة؛ لأن القاضي لم يسمح لها بأن تقرر موقفها، كما قالت إن النيابة العامة استخدمت ضدها أدلة غير سليمة. وقد رفضت محكمة الاستئناف استئنافها في نوفمبر/ تشرين الثاني من ذلك العام. وتقدمت عافية بطلب استئناف آخر في مايو/ أيار 2014 بحجة أنه لم يُسمح لها بتغيير فريقها القانوني الذي تموله باكستان، لكن في يوليو/ تموز من ذلك العام، كتبت إلى قاضٍ فيدرالي تطلب منه إسقاط استئنافها القانوني. وقبل قاض اتحادي طلبها في أكتوبر/ تشرين الأول من ذلك العام، مما أنهى حقها في مواصلة الاستئناف.
ويواصل المناصرون المطالبة بالإفراج عن عافية. أصدرت منظمة “كيج” عدة تقارير ومقاطع فيديو تطالب بالإفراج عن عافية، واجتذبت مجموعة على فيسبوك تدعو إلى إطلاق سراح عافية أكثر من 66 ألف متابع. في 20 أكتوبر / تشرين الأول 2021، تظاهر أعضاء مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)، ومجلس القيادة الإسلامية في نيويورك، وحوالي 20 جماعة حقوقية ودينية أخرى خارج القنصلية الباكستانية في مدينة نيويورك مطالبين الحكومة الباكستانية بالتحرك لإعادة صديقي إلى الوطن. وقد خطط المنظمون لاحتجاجات مماثلة في بوسطن وواشنطن العاصمة، كما نُظمت احتجاجات تطالب بالحرية لعافية في باكستان في ذلك الشهر. في ديسمبر / كانون الأول 2021، نظم فرع مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية في دالاس فورت وورث اجتماعاً حاشداً في مركز إيست بلانو الإسلامي شارك فيه متحدثون من كلا المنظمتين وطالبوا بالإفراج عن عافية. في غشت / آب 2021، نظم فرع “كير” في أوستن ودالاس فورت وورث أيضاً حملة لزيادة الوعي والضغط الكافي لإطلاق سراح عافية. في 10 ديسمبر/ كانون الأول، أنشأ هذا الفرع من مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية صندوقاً قانونياً لعافية، والذي جمع 4150 دولاراً من أصل 60 ألف دولار كان يستهدفها بحلول نهايته في 12 يناير/ كانون الثاني 2022. ووصفت الحملة قضية عافية بأنها “واحدة من أعظم الأمثلة على الظلم في تاريخ الولايات المتحدة”.
في سبتمبر / أيلول 2021، أصدر الداعية الإسلامي المتطرف أنجم شودري دعوة على قناته على تيليجرام من أجل إطلاق سراح عافية، فكتب: “الواجب علينا إما أن نحررها جسدياً، أو أن نفتديها، أو أن نستبدلها”. في 15 يناير / كانون الثاني 2022، دخل المواطن البريطاني مالك فيصل أكرم البالغ من العمر 44 عاماً إلى كنيس جماعة بيت إسرائيل في كوليفيل، تكساس، خلال قداس صباح يوم السبت، والذي تم بثه مباشرة على صفحة الكنيس على فيسبوك، واحتجز أربع رهائن على الأقل، وبدأ يطالب بالإفراج عن عافية. تم استدعاء فريق التدخل الميداني التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي إلى مكان الحادث. وبحسب ما ورد، طلب أكرم التحدث مع عافية، كما أفاد العديد من الأشخاص الذين كانوا يستمعون إلى البث المباشر لخدمة الكنيس أنهم سمعوا المهاجم يشير إلى عافية على أنها أخته، لكن ممثل مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية قال لوكالة أسوشيتد برس إن شقيق عافية، محمد صديقي، لم يكن متورطاً. تم إطلاق سراح إحدى الرهائن بعد الساعة الخامسة مساءً بقليل. وبحلول الساعة 9:30 مساءً، تم إطلاق سراح جميع الرهائن وأعلنت السلطات مقتل أكرم.
اشتبه المحققون في البداية في أن أكرم ربما كان مدفوعا ًبالرغبة في إطلاق سراح عافية. وقال مصدر في إنفاذ القانون لوسائل الإعلام إن أكرم قال خلال أزمة الرهائن إنه كان يعلم أنه سيموت، ويريد إحضار عافية إلى الكنيس حتى يموتا معاً. تقع جماعة بيث إسرائيل على بعد 28 ميلاً من المركز الطبي الفيدرالي كارسويل، في فورت وورث، حيث تُسجن عافية. باستخدام هاشتاغ “أنا عافية” و”الحرية لعافية”، شجب فايزان سيد، المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية في أوستن ودالاس فورت وورث، في منشور على فيسبوك بتاريخ 19 يناير/ كانون الثاني، التغطية الإخبارية غير الدقيقة لقصة عافية “التي تهدف إلى تصوير ضحية الحرب على الإرهاب على أنها إرهابية”.
ظهرت صديقي في الأخبار مرة أخرى في مايو / أيار 2023، عندما نشر أحد مستخدمي روكيت شات ـ وهي منصة لا مركزية تحظى بشعبية كبيرة بين العاملين الإعلاميين في داعش ـ منشوراً يزعم أن عافية تلقت زيارة من أختها بعد 20 عاماً. قدم المنشور عنوان بريد إلكتروني ورقم واتساب لمؤيديها لإرسال رسائل قصيرة لإظهار أنها “لم تُنس”. في 31 مايو/ أيار، تم لم شمل صديقي وشقيقتها في كارسويل، المنشأة الطبية للسجن في فورت وورث، تكساس، حيث ورد أنهما تحدثا حول ما يمكن القيام به لتأمين إطلاق سراحها.