تقارير ودراسات

شبكة الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة (4)

السرية والخداع

أثناء إنشاء مؤسساتهم المختلفة على مدى العقود الماضية، ظل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين متكتمين، وعملوا من خلال المنظمات المذكورة أعلاه على تقوية نفوذهم. عند سؤالهم، ينكر معظم هذه المنظمات في البداية أي روابط لهم مع الإخوان المسلمين. إحدى المذكرات غير المؤرخة للجمعية الإسلامية الأمريكية تطلب صراحةً من قادة الجمعية الرد بشكل سلبي إذا سُئلوا عما إذا كانوا جزءاً من جماعة الإخوان المسلمين. وعندما فشلت استراتيجية الخداع هذه وتم الكشف عن العلاقات مع الإخوان، قلل أعضاء الجمعية الإسلامية الأمريكية من أهمية هذه الروابط بوصفها مجرد ماض. وفي الوقت نفسه، يؤدون دور الضحية، متهمين متهميهم بـ “المكارثية” و”الإسلاموفوبيا”. وقد أدى هذا الترهيب، بما في ذلك دعاوى مكافحة التشهير، إلى إسكات العديد من الصحفيين والباحثين وغيرهم من المسلمين.

ولكن بفضل قضية مؤسسة الأرض المقدسة للإغاثة والتنمية، ظهر الكثير من الأدلة التي كانت سرية والعديد من الوثائق التي تثبت بوضوح هذه الروابط. إحدى الوثائق الرئيسية التي تم الكشف عنها في هذه المحاكمة هي ورقة استراتيجية لجماعة الإخوان المسلمين عام 1991 كتبها محمد أكرم العدلوني، الذي كان أحد قادة الإخوان الرئيسيين في الولايات المتحدة في ذلك الوقت وهو الآن الأمين العام للائتلاف العالمي لنصرة القدس وفلسطين. وفي “المذكرة التوضيحية حول الهدف الاستراتيجي العام للجماعة في أمريكا الشمالية” المكونة من 18 صفحة، يذكر أكرم أن “الهدف الاستراتيجي العام للجماعة [الإخوان المسلمين] في أمريكا” يتكون من ست مراحل:

ـ تأسيس حركة إسلامية فاعلة ومستقرة بقيادة الإخوان المسلمين.

ـ تبني قضايا المسلمين في الداخل والعالم.

ـ توسيع قاعدة المسلمين الملتزمين.

ـ توحيد جهود المسلمين وتوجيهها.

ـ تقديم الإسلام كبديل حضاري.

ـ دعم قيام الدولة الإسلامية العالمية أينما كانت.

ويشير أكرم بعد ذلك إلى أن الأولوية في هذه الاستراتيجية هي “التوطين”. وهذا يستلزم “التجذر في أرواح الناس وعقولهم” وإنشاء “المنظمات التي يقوم عليها البناء الإسلامي”. ويذكر أكرم أنه يجب على المسلمين أن ينظروا إلى هذه المهمة بوصفها “مسؤولية حضارية جهادية”، وهي مسؤولية “تقع على عاتق المسلمين [ولكن بشكل خاص على أكتاف] جماعة الإخوان المسلمين في هذا البلد”، ثم يوضح أكرم بالضبط تفاصيل “الجهاد” الذي تتطلبه هذه الاستراتيجية:

“على الإخوان أن يفهموا أن عملهم في أمريكا هو نوع من الجهاد العظيم في سبيل القضاء على الحضارة الغربية وتدميرها من الداخل و”تخريب” بيتها البائس بأيديهم وأيدي المؤمنين، حتى يتم اجتثاثها وينتصر دين الله على سائر الأديان”.

كما يسرد أكرم مراحل النشاط الإخواني في الولايات المتحدة:

ـ مرحلة البحث عن الذات وتحديد الهوية.

ـ مرحلة البناء الداخلي للتنظيم الحركي [المركزي].

ـ مرحلة المساجد والمراكز الإسلامية.

ـ مرحلة بناء المنظمات الإسلامية [الفرعية] ـ المرحلة الأولى.

ـ مرحلة بناء المدارس الإسلامية ـ المرحلة الأولى.

ـ مرحلة التفكير في الحركة الإسلامية العلنية ـ المرحلة الأولى.

ـ مرحلة الانفتاح على الهياكل الإسلامية الأخرى [غير الإخوانية] ومحاولة التوصل إلى صيغة للتعامل معها ـ المرحلة الأولى.

ـ مرحلة إحياء وبناء المنظمات الإسلامية [الفرعية] ـ المرحلة الثانية.

وتصف المذكرة دور الإخوان بأنه “المبادرة والريادة والقيادة ورفع الراية ودفع الناس في هذا الاتجاه. وعليهم بعد ذلك أن يعملوا على توظيف وتوجيه وتوحيد جهود المسلمين وسلطاتهم في هذه العملية. ولكي نفعل ذلك، لا بد أن نتقن فن التحالفات وفن الاستيعاب ومبادئ التعاون”. ثم تؤكد أن “نجاح الحركة في أمريكا في تأسيس قاعدة إسلامية ملتزمة تتمتع بالقوة والفعالية سيكون خير دعم ومساعدة لمشروع الدولة الإسلامية العالمية”.

ويقترح أكرم أساليب تكتيكية واستراتيجية مختلفة “لدمج” جميع المنظمات التي تم تأسيسها في جميع أنحاء الولايات المتحدة (منظمات الدعوة والتعليم، والمجموعات النسائية، والمنظمات السياسية، والإعلامية، والاقتصادية، والعلمية، والمهنية، والشباب، وما إلى ذلك) من أجل تحقيق هدفها. ويختتم المذكرة بإدراج مختلف منظمات الإخوان و”منظمات أصدقائنا”، مضيفاً عبارة أخيرة بين قوسين: “تخيل لو أنهم يسيرون جميعاً وفق خطة واحدة!!!”. جمعية الطلاب المسلمين، والصندوق الإسلامي لأمريكا الشمالية، والجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية، والمعهد العالمي للفكر الإسلامي، هي من بين 29 منظمة قام أكرم بإدراجها (لم تكن “كير” قد تأسست بعد).

وتوضح هذه الوثيقة أن هدف الإخوان هو نشر نسختهم من الإسلام السياسي، وجعلها “بديلاً حضارياً” لحضارة الغرب. في الأعوام الماضية، حقق الإخوان في الولايات المتحدة تقدماً جدياً في استراتيجيتهم ذات المراحل الست. في الواقع، لولا هجمات 11 سبتمبر / أيلول 2001 وما نتج عنها من تضييق متزايد على المنظمات الإسلامية الأمريكية، لربما كانوا الآن قد قطعوا شوطاً طويلاً في خطتهم.

وعلى الرغم من أن المنظمات المرتبطة بجماعة الإخوان رفضت هذه المذكرة بوصفها “قديمة”، فإنها تتفق إلى حد ما مع العديد من التصريحات الأخيرة لقادة ورموز الجماعة، بالإضافة إلى استراتيجية الحرب الطويلة الموثقة في الأدبيات التأسيسية للإخوان المسلمين. في خطاب ألقاه عام 1995 أمام مؤتمر إسلامي في أوهايو، أعلن الزعيم الروحي لجماعة الإخوان المسلمين، يوسف القرضاوي، أن “النصر” سيأتي من خلال “الدعوة”. وقال الإمام الراحل الذي كان مقيماً في قطر والذي ألف عدداً من الفتاوى الدينية التي تبرر تفجيرات حماس الانتحارية: “الفتح من خلال الدعوة، هذا ما نأمله”. وفي ملاحظة مثير ة للاهتمام، قال بثقة: “سوف نغزو أوربا، وسوف نغزو أمريكا، ليس بالسيف ولكن من خلال الدعوة”.

وقد أدلى إسلاميون أمريكيون بارزون آخرون بتصريحات استفزازية مماثلة. في أواخر الثمانينيات، قال إحسان باجبي، عضو مجلس إدارة مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية: “في نهاية المطاف، لا يمكننا نحن المسلمين أن نكون مواطنين كاملين في أمريكا، لأنه لا توجد طريقة تمكننا من الالتزام الكامل بمؤسسات وأيديولوجيات هذا البلد”. وفي عام 2006، أعلن زيد شاكر، وهو إمام أمريكي من أصل إفريقي معروف، أن “كل مسلم صادق سيقول: أود أن أرى أمريكا، وقد أصبحت دولة مسلمة بالكامل”.

ولقد كان تأكيد هدف الإخوان المسلمين واضحاً في آراء المرشد الأعلى الرسمي السابق للجماعة محمد مهدي عاكف. ففي سلسلة من المقابلات التي أجريت معه في يناير/ كانون الثاني 2004، وصف عاكف الولايات المتحدة بأنها “شيطان”، وقال إنه واثق من أن أمريكا سوف تنهار. كما صرح بأنه “يؤمن إيماناً كاملاً بأن الإسلام سوف يغزو أوروبا وأمريكا، لأن الإسلام له منطق ورسالة”.

إن من المدهش حقاً أن نجد مثل هذه التصريحات الصريحة في الإعلام. فمنذ تسعينيات القرن العشرين (وخاصة بعد تفجير مركز التجارة العالمي في عام 1993)، أصبحت جماعة الإخوان المسلمين أكثر حذراً. ففي اجتماع سري عقد في فيلادلفيا في عام 1993 لأعضاء حماس والمتعاطفين معها، صرح شكري أبو بكر، الرئيس التنفيذي السابق لمؤسسة الأرض المقدسة، بأن “الحرب خدعة”، وحث على “الحذر من الكشف عن هويتنا الحقيقية”. وكان من بين الحاضرين في هذا الاجتماع مؤسس “كير” عمر أحمد، الذي وافق على تعليقات أبو بكر بأن “الحرب خدعة”، وأضاف: “هذا يشبه من يلعب كرة السلة؛ فهو يجعل اللاعب الخصم يعتقد أنه يفعل هذا بينما يفعل شيئاً آخر… السياسة هي الوجه الآخر للحرب”.

ولخداع الأمريكيين، اقترح أحمد أيضاً أن ينشئ الإخوان بعض المنظمات المحايدة مثل “جمعية الصداقة الفلسطينية الأمريكية… وسوف يتم ذلك من أجل … إضافة القليل من العسل في كل مرة إلى السم الذي يُعطى لهم. ولكن إذا أطلقت عليها منذ الليلة الأولى اسم “جمعية رعاية الشباب الإسلامية” على سبيل المثال، فسوف يغلقون الباب في وجهك”. كما طلب من “إخوانه” ألا يذكروا حماس حتى بالاسم، وأن يشيروا إليها بدلاً من ذلك باسم “سماح”. وفي وقت لاحق، في عام 2002، ادعى أحمد أنه “يرفض حماس وأهدافها وأساليبها ويكرهها”، في تناقض تام مع الأشرطة والوثائق السابقة التي كشفت عن إشادته بالحركة.

إن الخداع هو أحد التكتيكات الرئيسة التي يستخدمها الإسلاميون، وخاصة الإخوان المسلمون، للمضي قدماً في خطتهم “للتوطين”. وفيما يلي بعض الأمثلة الحديثة والمعروفة التي تثبت أن الجمعية الإسلامية الأمريكية، والجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية، ومجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، تلعب جميعها دوراً مزدوجاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى