داعش والإخوان المسلمون ـ معركة واحدة

لنكن صريحين، الفرق الوحيد بين جماعة الإخوان المسلمين وداعش هو المنهج. أما الغاية، فتبقى واحدة: تطبيق الشريعة الإسلامية، وإعادة تأسيس الخلافة بتعيين خليفة على الطريقة الإسلامية دون تصويت. وبمجرد تحقيق ذلك، يعملون على أسلمة الوجود والهيمنة على العالم. وهكذا، يفيد كل من الكيانين الأصوليين الآخر، غالباً عن وعي، وأحياناً من دون وعي.
يستغل الإخوان المسلمون الفظائع التي ارتكبها داعش للظهور بمظهر الإصلاحيين والمسالمين، وليقدموا أنفسهم للغرب كممثلين حصريين للإسلام الحقيقي، الإسلام المعتدل. أما إرهابيو داعش، فيستغلون من جهتهم الموقف التصالحي والسلمي الظاهري للإخوان المسلمين للظهور بمظهر الثوريين الحقيقيين العنيدين، المدافعين الوحيدين عن إسلام قوي بلا عُقد.
لا يوجد هنا عداء، القصة هي توزيع أدوار، ولو من بعيد. ومع ذلك، تظل جماعة الإخوان المسلمين تمثل الأساس النظري للأصولية منذ عام 1928. وفي كل فترة، تتولد عنها جماعة حاسمة تحمل على عاتقها تجسيد أفكار الإخوان ـ بعضها بالضغط والترهيب، وأحياناً بالعنف – وآخرها تنظيم داعش الإرهابي.
لطالما كانت جماعة الإخوان المسلمين ملتقى لكل من أراد الانتقال من نظرية حسن البنا إلى حركية سيد قطب، والتوجه نحو العنف والإرهاب، تحقيقاً لحلم زعيمي الجماعة منذ عشرينيات القرن الماضي: العودة إلى الخلافة لاستعادة قيادة المسلمين للعالم.
في وضح النهار، زرع الإخوان المسلمون في وعي ولاوعي أجيال عديدة من المسلمين فكرة سامة تمنع أي تعايش مع الآخر، غير المسلم. هذه الفكرة، التي يستخدمها الإرهابيون لتبرير أفعالهم وكراهيتهم للآخرين، هي أن العالم بأسره ضد المسلمين، ويتآمر باستمرار لمنعهم من استعادة الخلافة، مصدر قوتهم ووحدتهم وسيطرتهم العالمية.
على الرغم من خطورة هذه الفكرة التي يروج لها الإخوان المسلمون في العالم العربي، تبدو فكرة “الإسلاموفوبيا” فخاً منصوباً بإحكام للمسلمين في الغرب واليسار الأوربي. وقد وقع العديد من المسلمين ومعظم اليساريين الأوروبيين في هذا الفخ. فبسبب سذاجتهم أو كسلهم الفكري، استبدلوا كلمة “العنصرية” بكلمة “الإسلاموفوبيا”. ومن وجهة نظرهم، فإن كل من ينتقد الإسلاميين في أوروبا، وخاصة الإخوان المسلمين، عنصري ومعادٍ للإسلام.
أما الشباب المسلم الأوروبي، الذين ضُلّلوا بهذا المصطلح/ الفخ، فقد أصبحوا مقتنعين بأن مجتمعاتهم الغربية معادية لهم ولدينهم، مما يسهّل استقطابهم إلى صفوف الجماعات المتطرفة، كداعش، لتنفيذ عمليات إرهابية في أوطانهم، كما حدث في فرنسا وبلجيكا وألمانيا وبريطانيا.
الغريب والمثير للريبة أن أي دراسة غربية لم تكشف عن الدور الرئيس الذي لعبته جماعة الإخوان المسلمين في تطرف الشباب من أصل مسلم في الغرب وانخراطهم العسكري، في بعض الأحيان منذ سن المراهقة، في صفوف داعش.
يفسر غالبية الخبراء في أوروبا التطرف بدعاية داعش على الإنترنت، وخاصة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وكأن هذا العمل يمارس افتراضياً فقط. ويتظاهر هؤلاء، الذين يسمون أنفسهم خبراء، غالباً بعدم إدراكهم لعمليات التجنيد الميدانية الأولية التي يقوم بها الإخوان المسلمون. لولا غسيل الأدمغة الذي تعرضوا له منذ الصغر، لما كان الشباب المسلمون فريسة سهلة لمُجنِّدي داعش.
الإخوان المسلمون وحلفاؤهم هم من يعِدّون ويدربون هؤلاء الشباب، ويربونهم تربية دينية مبكرة مخالفة لقيم الحياة العصرية. يتم هذا التدريب على مرأى ومسمع من الجميع، في المساجد والمراكز التي تُصنف بأنها “ثقافية” وغيرها من النوادي الرياضية التي تديرها جماعة الإخوان المسلمين، بشكل مباشر أو غير مباشر.
في كتابه “المساجد المتطرفة: ما يُقال وما يُقرأ هناك”، أحصى مدير مرصد الأسلمة في فرنسا، يواكيم فيليوكاس، نحو 450 مسجداً تسيطر عليها حركات إسلامية متطرفة، منها 200 تحت قيادة “مسلمي فرنسا”، الفرع الفرنسي لجماعة الإخوان المسلمين. ليس هذا فحسب، فهذه الجمعية الأصولية نفسها تدير مركزاً لتدريب الأئمة، وكانت تستقبل يوسف القرضاوي لإلقاء محاضرات، قبل أن يُمنع من دخول فرنسا ويلاحق من قبل الإنتربول بتهمة التحريض على القتل.
منذ نشأتها، دأبت جماعة الإخوان المسلمين على زرع عبارات فارغة في عقول الصغار والكبار على حد سواء، مثل “الإسلام هو الحل”، “العلمانية ـ الكفر”، “الحداثة ـ البدعة”… ومع مرور الوقت، وبترديدها في كل مكان، تحولت هذه الشعارات العقائدية إلى قنابل جاهزة للانفجار في أي لحظة، لصالح داعش.
من السذاجة الاعتقاد بأن أصل انتشار العنف الجهادي يعود أساساً إلى الدعاية المتطرفة على منصات التواصل الاجتماعي. تُزرع بذور التطرف في كل مسجد يشرف عليه الإخوان المسلمون وأتباعهم. الإنترنت ليس إلا وسيلة ميسّرة، وليس المُولّد الحقيقي للعنف المقدس، على عكس ما يحاول الإخوان المسلمون وبعض الخبراء ووسائل الإعلام الفرنسية [والأوربية] الترويج له.
لا يقتصر هذا الإلهاء على الإعلام وفئة معينة من اليسار فحسب؛ لأن السلطات السياسية الفرنسية [والأوروبية] لم تكن بعيدة النظر أيضاً. ففي غياب نهج عميق وشجاع، اكتفت بمعالجة الأعراض بدلاً من مواجهة الداء الإسلاموي.
تعامل المسؤولون في الحكومات المتعاقبة مع هذه القضية بحذر، حتى لا يزعجوا من يسمون “مسلمي الضواحي”. لقد نأوا بأنفسهم عن الواقع على الأرض، مركزين جهودهم على ما يحدث على الإنترنت، في محاولة لفهم كيفية بناء [وعمل] دعاية داعش الموجهة للشباب الفرنسي [والأوروبي] من أصل مسلم، وكأن هؤلاء الشباب لا يملكون أي فضاءات أخرى للعيش سوى الإنترنت والشاشات الزرقاء. إن هذه الأخيرة، في الواقع، ليست سوى المرحلة الأخيرة من عملية تطرف طويلة تبدأ أولاً داخل الأسرة، منذ الطفولة المبكرة، ثم تترسخ في الشارع، وفي النادي الإسلامي، وفي المسجد الذي تديره جماعة الإخوان المسلمين أو غيرها من الحركات الأصولية المسيطرة على الحي.
هكذا تتطور ظاهرة التطرف، بفضل إعداد طويل وتدريب أصولي حقيقي. وفي نهاية فترة تدريبهم، يصبح الشباب فريسة سهلة، ثمرة ناضجة يلتهمها خطاب داعش، لأنهم يجدون فيه التطبيق العملي والدقيق للأفكار التي اكتسبوها في ورشات الإخوان المسلمين. لذا، يأتي داعش كملاذ أخير لجني ثمار ما زرعه الإخوان، بتجنيد القتلة والانتحاريين والمفجرين المدربين جيداً والجاهزين.
هذا الحشد من القتلة الإسلاميين هو ما يحلم به الإخوان المسلمون دائماً، لكن داعش هو من فعلها.
الكاتب: حميد زناز
https://global-watch-analysis.com/en/daesh-et-freres-musulmans-meme-combat/
