حماس وإيران في نيجيريا
قام وفد من حماس بزيارة نيجيريا في شهر فبراير/ شباط الماضي لتوسيع التواصل الدبلوماسي للحركة مع الدول الإفريقية الصديقة لزيادة دعمها الدولي. وتأتي الزيارة في أعقاب تاريخ طويل من العلاقات المدعومة من إيران مع أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان. تنشط إيران وحزب الله اللبناني في نيجيريا منذ عام 2010 على الأقل لزيادة نفوذ إيران الاقتصادي والدبلوماسي بما يتماشى مع استراتيجية “المقاومة” الأوسع لإيران لتقويض النفوذ الغربي في القارة. استخدمت إيران أيضاً شبكات سرية في نيجيريا وعبر إفريقيا لخلق تهديدات هجومية على الأفراد والمصالح الغربية في القارة كشكل من أشكال التصعيد الأفقي. إن تركيز إيران الحالي على الشرق الأوسط يجعل من غير المرجح مهاجمة أهداف إسرائيلية أو أمريكية في إفريقيا، لكن إيران قد تختار تجربة التصعيد الأفقي في القارة في المستقبل.
واختتم وفد حماس رفيع المستوى زيارة استغرقت أربعة أيام مع مسؤولين نيجيريين وأعضاء من المجتمع المدني في 15 فبراير/ شباط. وضم الوفد المتحدث باسم الحركة، ورئيس العلاقات الخارجية، ونائب وزير الخارجية السابق. وقالت حماس إن الوفد أطلع الأطراف المعنية على الوضع في غزة والتطورات السياسية العامة ومواقف حركة حماس، وأشاد بموقف نيجيريا بشأن الوقوف إلى جانب فلسطين والحركة. وأعادت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية نشر إعلان حماس.
وتضغط الحكومة النيجيرية من أجل وقف التصعيد ووقف إطلاق النار منذ هجمات 7 أكتوبر / تشرن الأول وبدء العمليات الإسرائيلية في قطاع غزة. كما اختارت منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية نيجيريا لتكون مندوباً خاصاً لمنطقة جنوب الصحراء الكبرى إلى القمة العربية الإسلامية في نوفمبر / تشرين الثاني 2023 والوفد الخاص الذي التقى بمسؤولي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للتوسط في وقف إطلاق النار. ويعكس موقف نيجيريا مشاعر قوية مؤيدة للفلسطينيين بين السكان المتدينين المتنوعين في نيجيريا، الأمر الذي أدى إلى مظاهرات ضخمة.
كانت الجماعة الشيعية النيجيرية المدعومة من إيران، الحركة الإسلامية في نيجيريا، مناصرة صريحة لفلسطين وحماس. أفادت السلطات النيجيرية أن الحركة الإسلامية النيجيرية تضم حوالي 60 ألف عضو مسجل، في حين تزعم الحركة أن هناك ما بين خمسة إلى 10 ملايين عضو ـ أكثر من أربعة ملايين شيعي في نيجيريا ـ يتركز معظمهم في الشمال. وأعرب زعيم الحركة عن دعمه لفلسطين وحماس إلى جانب المرشد الأعلى علي خامنئي عند زيارته لطهران في أكتوبر / تشرين الأول 2023. ونظم أنصار الحركة الإسلامية النيجيرية احتجاجات جماهيرية مؤيدة للفلسطينيين في شمال نيجيريا بعد وقت قصير من اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس. وقال زعيم الحركة أيضاً إن الفلسطينيين يقاتلون من أجل تحرير “كل مسلم” ويقدمون نموذجاً للمقاومة يحتاجه كل المضطهدين في العالم؛ وذلك خلال مقابلة أجراها في شهر يناير / كانون الثاني مع قناة “برس تي في” الناطقة باللغة الإنجليزية التابعة للنظام الإيراني.
وسافر مسؤولو حماس إلى جنوب إفريقيا ومصر لحشد الدعم الدولي ودفع محادثات وقف إطلاق النار منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس، كما سافر وفد من حماس إلى جنوب إفريقيا لإحياء ذكرى عيد ميلاد رئيس جنوب إفريقيا السابق نيلسون مانديلا، الذي كان مؤيداً قوياً لفلسطين، في ديسمبر / كانون الأول 2023. وكانت جنوب إفريقيا منتقدة صريحة للعمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، وقد حافظت على علاقاتها مع مسؤولي حماس، ورفعت قضية إبادة جماعية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية في يناير/ كانون الثاني 2024. كما أرسلت حماس مسؤولين إلى مصر عدة مرات منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 للمشاركة في المناقشات الجارية بشأن وقف إطلاق النار واحتجاز الرهائن.
وتأتي زيارة حماس إلى نيجيريا في أعقاب تاريخ طويل من العلاقات المدعومة من إيران، حيث تنشط إيران وحزب الله اللبناني في نيجيريا منذ عام 2010 على الأقل. لقد أدى الشتات اللبناني، وعقود من جهود التبشير باستخدام القوة الناعمة، إلى نمو الأقلية الشيعية في نيجيريا، ويستغل حزب الله اللبناني هؤلاء السكان في أنشطته غير المشروعة. كان لدى قسم العلاقات الخارجية وشؤون الأعمال في حزب الله شبكات في نيجيريا فرضت عليها وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات في عام 2015 بسبب “تجنيد استطلاعيين للوحدات العسكرية لحزب الله، بالإضافة إلى […] إنشاء ودعم البنية التحتية الإرهابية لحزب الله ووحداته العملياتية في إفريقيا والعالم”، كما ألقى المسؤولون النيجيريون القبض على عناصر مشتبه بها من الحرس الثوري الإسلامي ـ فيلق القدس وحزب الله وهم يقومون بتهريب الأسلحة إلى نيجيريا ما بين 2010 و2013. وتسيطر إيران أيضاً على منصة الإذاعة والتلفزيون الناطقة بلغة الهوسا، والتي تستخدمها لنشر الأخبار والمعلومات التي تدعم مصالحها في نيجيريا.
لدى إيران وحزب الله أيضاً علاقات مباشرة مع الحركة الإسلامية في نيجيريا؛ إذ أسس الشيخ إبراهيم الزكزكي الحركة في أوائل الثمانينيات بعد أن استلهم الثورة الإيرانية أثناء دراسته في إيران. وترفض الحركة سلطة الحكومة النيجيرية لصالح نظام ثيوقراطي على النمط الإيراني. وحظرت الحكومة الحركة الإسلامية النيجيرية في عام 2019 لتهديدها الدولة. ونظمت الحركة العديد من الاحتجاجات الجماهيرية، مما ساعد على مضاعفة نفوذها السياسي، وأدى إلى العديد من حملات القمع العسكرية ضد أتباعها.
وقدم حزب الله والنظام الإيراني الدعم المالي والعسكري والسياسي للحركة الإسلامية النيجيرية؛ فقد أفاد معهد الشرق الأوسط في عام 2019 أن حزب الله كان يقدم تدريباً أيديولوجياً وعسكرياً لأعضاء الحركة في لبنان. وقد ساعدت هذه المساعدة الحركة الإسلامية النيجيرية على محاكاة بعض نماذج الإعلام والتجنيد والرعاية الاجتماعية التابعة لحزب الله في نيجيريا. زار الزكزكي لبنان في عام 2015 وأجرى مقابلة مع قناة المنار التي يملكها ويديرها حزب الله. وقدر مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأمريكية في عام 2017 أن الحركة تلقت ما يقرب من 120 ألف دولار سنوياً من إيران. لدى الزكزكي أيضاً مكتب في مشهد بإيران، وأجرى العديد من المقابلات التلفزيونية مع وسائل الإعلام التابعة للنظام الإيراني، والتقى بالمرشد الأعلى الإيراني خامنئي في طهران منتصف أكتوبر / تشرين الأول 2023.
كما تبنّى الزكزكي خطاباً مناهضاً لأمريكا يتماشى مع انتقادات النظام الإيراني. اتهم الولايات المتحدة بإجبار الدول الأخرى على دعم إسرائيل والسماح بقواعد عسكرية أمريكية في إفريقيا خلال المقابلة التي أجراها في يناير/ كانون الثاني. كما ردد إشادة النظام الإيراني بالانقلابات الأخيرة والإجراءات التي اتخذتها المجالس العسكرية في بوركينا فاسو ومالي والنيجر بوصفها انتفاضات مناهضة للاستعمار الغربي. وتمثل هذه التصريحات استمراراً لنهج طويل الأمد يتمثل في ترديد الزكزكي بشكل ببغائي لانتقادات النظام الإيراني للولايات المتحدة في المنافذ الإعلامية التابعة للنظام.
ويهدف النشاط الإيراني في نيجيريا وعبر إفريقيا إلى زيادة النفوذ الاقتصادي والدبلوماسي الإيراني كجزء من استراتيجية “المقاومة” التي ينتهجها النظام لتقويض النفوذ الغربي في جميع أنحاء العالم. تعمل إيران على تطوير استراتيجية مقاومة عالمية تسعى من خلالها إلى تأمين شراكات تعوض العزلة الدبلوماسية والاقتصادية التي يفرضها الغرب عليها. ويرى النظام الإيراني في المقاومة استراتيجية موازنة ضد البنية الجيوسياسية للعلاقات الدولية، ويعتقد أن الولايات المتحدة تفرض هذه البنية الجيوسياسية التي تشكل تهديداً وجودياً للجمهورية الإسلامية. أدت سياسة المقاومة الإيرانية بشكل خاص إلى ظهور مجموعة من وكلائها في الشرق الأوسط تسمى “محور المقاومة”، لكن النظام أكد أن هذا النهج لا يقتصر على الشرق الأوسط ويجب توسيعه ليشمل إفريقيا لزيادة الضغط على الولايات المتحدة والغرب.
وتسعى إيران إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول الإفريقية منذ تولي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي منصبه في عام 2021 كجزء من “سياسة الجوار” التي تنتهجها. وتهدف هذه السياسة إلى تنمية العلاقات الاقتصادية مع الشركاء غير الغربيين لتقويض العقوبات الغربية وتمكين إيران من التقليل من الاعتماد على الغرب. وتتمتع نيجيريا بأكبر اقتصاد في إفريقيا وفقاً لأحدث إحصائيات البنك الدولي لعام 2022، وهي بالفعل ثالث أكبر شريك تجاري لإيران في إفريقيا.
وتسعى إيران أيضاً إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الدول الإفريقية لتقويض الجهود الغربية لعزلها والدول الرجعية الأخرى سياسياً في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة. ونيجيريا هي الدولة الرائدة في القارة، وقد قامت منذ فترة طويلة بحملة للحصول على مقعد إفريقي دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بسبب حجمها واقتصادها ومشاركاتها الدائمة في بعثات حفظ السلام. وقد أعرب العديد من القادة الدوليين، بما في ذلك الرئيس الأمريكي جو بايدن، عن دعمهم لإصلاح مجلس الأمن وإضافة مقاعد دائمة لإفريقيا وغيرها من المناطق الممثلة تمثيلاً ناقصاً. إن الدور الرائد الذي تلعبه نيجيريا بين دول جنوب الصحراء الكبرى التي تسعى إلى وقف إطلاق النار منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس يسلط الضوء على نفوذها الدبلوماسي الحالي في العلاقات الدولية بغض النظر عن أي عضوية مستقبلية في مجلس الأمن.
وقد حاولت إيران استخدام أجهزتها السرية لمهاجمة الأفراد والمصالح الأمريكية والغربية في نيجيريا وعبر إفريقيا كشكل من أشكال التصعيد الأفقي عدة مرات خلال العقد الماضي. ادعى المسؤولون الكينيون والنيجيريون أنهم أحبطوا مؤامرات مدعومة من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني عام 2013 والتي كانت تهدف إلى مهاجمة أهداف أمريكية وبريطانية وإسرائيلية وسعودية في كلا البلدين الإفريقيين بعد أن شددت الولايات المتحدة العقوبات على النظام الإيراني. إحدى الخلايا النيجيرية قامت بمراقبة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وفيلق السلام والفنادق التي يرتادها الأمريكيون والإسرائيليون في لاغوس.
وكثفت إيران مخططاتها الهجومية ما بين 2019 و2022. وقال مسؤولو استخبارات غربيون لصحيفة التلغراف في يونيو / حزيران 2019 إن اللواء السابق في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني نظم خلايا هجومية في جمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد وغامبيا وغانا والنيجر والسودان لمهاجمة أهداف غربية رداً على العقوبات الأمريكية الجديدة. وكشفت المخابرات الأمريكية مخططاً إيرانياً محتملاً لاغتيال السفير الأمريكي في جنوب إفريقيا عام 2020 ردّاً على اغتيال الولايات المتحدة لسليماني. كما أحبطت قوات الأمن مؤامرات مدعومة من الحرس الثوري الإيراني ـ فيلق القدس ضد السياح الإسرائيليين والمراكز اليهودية في إثيوبيا وغانا وكينيا والسنغال وتنزانيا في عام 2021 وأهداف أمريكية في جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 2022.
إن تركيز إيران الحالي على الشرق الأوسط يجعل من غير المرجح أن تنفذ هجمات وشيكة ضد أهداف إسرائيلية أو أمريكية في إفريقيا، لكن إيران قد تختار تجربة التصعيد الأفقي في القارة في المستقبل. زاد الوكلاء المدعومون من إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط من عملياتهم ضد الأهداف الأمريكية والإسرائيلية والدولية في جميع أنحاء المنطقة منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس. وهذه هي نفس أنواع الأهداف التي حاولت إيران مهاجمتها في مخططاتها الهجومية في إفريقيا. كما تُظهر مؤامرة إيران لاستهداف السفير الأمريكي في جنوب إفريقيا بعد قتل الولايات المتحدة لسليماني، بالإضافة إلى مؤامرات إيرانية أخرى، أنها تنظر إلى إفريقيا، بوصفها ساحة معركة للتصعيد الأفقي ردّاً على التطورات في الشرق الأوسط. ومع ذلك، لا يوجد دليل على وجود مؤامرات إيرانية نشطة في إفريقيا منذ أكتوبر / تشرين الأول 2023، ويبدو أن إيران تركز على الاستفادة من الحرب بين إسرائيل وحماس لتحقيق أهداف ذات أولوية أعلى في الشرق الأوسط بدلاً من التصعيد أفقياً في أماكن أخرى، خاصة أن وكلاء إيران في الشرق الأوسط يتمتعون بقدرات ودوافع داخلية ودعم شعبي محلي أكبر بكثير من الخلايا الهجومية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس في إفريقيا.
الرابط: