جماعة التبليغ ودورها في الجهاد العالمي (4)
3.3 وجهات نظر أجهزة الاستخبارات الأوروبية الأخرى
يدعم الملاحظات والتقييمات التي أجرتها وكالات الاستخبارات الألمانية، أعضاء وخبراء آخرون في مجتمع الاستخبارات الأوروبي. على سبيل المثال، وفي ما يتعلق بالتطرف الإسلاموي في أوروبا، حددت دائرة الاستخبارات والأمن في هولندا، في تقاريرها الأخيرة، مرحلة جديدة في تطور التطرف الإسلاموي تتعلق ليس فقط بوجود جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير، ولكن أيضاً جماعة التبليغ، حيث توصف جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير وجماعة التبليغ بأنها “حركات دعوية متطرفة تشجع على صعود التطرف الإسلاموي الجديد، وهي تستخدم استراتيجيات وتكتيكات مختلفة، وتختلف حول تفسيرات أيديولوجية وعقائدية معينة؛ ومع ذلك، تتقارب أهدافها إلى حد كبير”. وفي تقرير آخر، تؤكد دائرة الاستخبارات والأمن في هولندا أن جماعة التبليغ هي شكل من أشكال الإسلام المتطرف الذي “يتجلى في جماعات إسلامية متشددة غير عنيفة” تنشر بشكل صريح الانعزالية، وتدعو إلى “التفرد والاستعلاء الديني”.
في البرتغال أيضاً، أصبحت جماعة التبليغ محور اهتمام السلطات الأمنية في البلاد، وخاصة جهاز الاستخبارات والأمن. ووفقاً لماريا دو سيو بينتو، فقد تمكنت أجهزة الاستخبارات وإنفاذ القانون البرتغالية منذ عام 2001 من تحديد الروابط “بين أفراد من جماعة التبليغ مقيمين في البرتغال وعملاء إسلاميين متطرفين داخل الشبكة الأيديولوجية لتنظيم القاعدة، فضلاً عن الأنشطة اللوجستية والداعمة للإرهاب، وخاصة ذات الطبيعة الإجرامية”. ووفقاً لمصادر جهاز الاستخبارات والأمن، فإن مراقبة تمويل جماعة التبليغ، إلى جانب هياكل الجماعة وأنشطتها الدعوية (خاصة سفر أتباعها إلى الخارج)، يشكل أحد أهم النقاط التي يركز عليها الجهاز. ويشكل التمويل سبباً رئيسياً للقلق، وذلك لعدة أسباب: أولاً، التناقضات في الخطاب الرسمي لقيادة جماعة التبليغ في ما يتصل بتمويل الخرجات الدعوية لأتباعها في الخارج.
فكما ذكرنا آنفاً، تزعم جماعة التبليغ أن أعضاءها مسؤولون عن تغطية نفقاتهم بأنفسهم، ولكن على العكس من ذلك، ورد أن الجماعة تقدم الدعم المالي للأنشطة المتعلقة بالسفر. على سبيل المثال، يشير مارك جابورييو ـ بناء على التحقيقات التي أجرتها الاستخبارات الفرنسية ـ إلى أن جماعة التبليغ مولت رحلات إلى الهند وباكستان للشباب المسلمين العاطلين عن العمل في فرنسا، وهذا يتعارض مع مبدأ التمويل الذاتي (للخروج) الذي تتبناه الجماعة، والذي يُفترض أنه سمة متأصلة في سياستها. علاوة على ذلك، يبدو أن الجماعة تمتلك موارد مالية هائلة، وهذا مهم؛ لأن “بعثات الدعاة في جميع أنحاء العالم مكلفة للجماعة”. وثانياً، يبدو أن جماعة التبليغ “تنفر من السجلات المالية والمصرفية”، وبالتالي، لا تستخدم القنوات المصرفية الرسمية لتجنب أي تدقيق في أموالها، وتعتمد بدلاً من ذلك على نظام الحوالة غير الرسمي لتحويل الأموال القائم على المعاملات النقدية.
وأخيراً، تظل مصادر التمويل مجهولة ولا توجد بيانات متاحة بشأن أعداد أو ملفات تعريف أولئك الذين يزورون مكاتب ومراكز جماعة التبليغ (ويتبرعون لها). ووفقاً لفرانشيسكا مارينو، فإن جماعة التبليغ تخضع للتحقيق من قبل أجهزة الاستخبارات وإنفاذ القانون الإيطالية. وتشتبه السلطات الإيطالية في أن “المركز الثقافي” التابع للجماعة في إيطاليا، فضلاً عن عدد من الأفراد المرتبطين بها، متورطون في جمع و/ أو تحويل الأموال لتمويل أنشطة جهادية في الخارج. وخلال تحقيقاتها، اكتشفت الشرطة “شبكة تمويل غير قانونية” ـ مرتبطة بمصادر باكستانية ـ لا تدعم الجمعيات والأنشطة الإسلاموية في إيطاليا فحسب، بل وتحافظ أيضاً على روابط مع جماعة التبليغ.
وبالاعتماد على مقابلات مع أعضاء من مجتمع الاستخبارات وكذلك الصحافة البرتغالية، تقول ماريا دو سيو بينتو: “إن الخطاب الديني في بعض المساجد المحافظة المرتبطة بجماعة التبليغ في البلاد أصبح أكثر صرامة وتعصباً”، وأن هناك احتمالاً بأن الجماعة “طورت اتجاهات أكثر تطرفاً، على الأقل على هامشها”. ويقول ديوجو نويفو، الذي يشير أيضاً إلى مصادر في الاستخبارات البرتغالية، إن جماعة التبليغ تستخدم “البرتغال كمنصة لنشر رسالتها الإسلامية الشاملة إلى البلدان الناطقة بالبرتغالية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وخاصة البرازيل”، وإن هناك مؤشرات على أن “رسالة الحركة كانت المحفز لتطرف بعض أعضائها”. علاوة على ذلك، وكما هو الحال في بلدان أوروبية أخرى، يؤكد نويفو أن هناك في البرتغال تصوراً للتهديد بأن جماعة التبليغ، بسبب سلوكها وامتناعها عن المشاركة الاجتماعية والسياسية، تطرح تفسيراً للإسلام “يعزز” الانعزالية، وهو ما “يعرض التكامل، وبالتالي الانسجام الاجتماعي، للخطر”.
وفي سويسرا، وبناءً على المعلومات المتاحة والتي جمعتها وكالة الاستخبارات السويسرية، والمكتب الفيدرالي السويسري للشرطة، يصف مركز دراسات الأمن في زيورخ جماعة التبليغ (إلى جانب حزب التحرير): “في ما يتعلق بالتطرف العنيف المستوحى من الأيديولوجيا الإسلاموية”، فإنها [جماعة التبليغ] “تُعدّ في أغلب الأحيان منظمة بوابة”.
4.3 وجهات نظر من روسيا وآسيا الوسطى
يؤكد مركز المعلومات والتحليل في روسيا (مركز أبحاث غير ربحي مقره موسكو) أنه منذ أكثر من عقد من الزمان، حظرت روسيا (وكذلك العديد من دول آسيا الوسطى الأخرى) جماعة التبليغ باعتبارها “مجموعة متطرفة”. ويقال إن هذا الحظر يستند إلى توصية من منظمة معاهدة الأمن الجماعي. وقد تبنت روسيا ودول آسيا الوسطى الأخرى – باستثناء قيرغيزستان ـ هذه التوصية، وتم إدراج جماعة التبليغ في القائمة الفيدرالية الروسية للمنظمات المتطرفة، وبعد استئناف في مايو / أيار 2009، قضت المحكمة العليا الروسية (وبالتالي أكدت) أن جماعة التبليغ يجب وصفها منظمة متطرفة وحظرت نشاطها.
وبحسب بيان المدعي العام، فقد قررت المحكمة أن الأنشطة الدعوية لجماعة التبليغ “تهدد الاستقرار العرقي والديني في المجتمع الروسي والسلامة الإقليمية للاتحاد الروسي”. وزعم المدعون الروس أن “أغراض الجمعية الدينية المذكورة تشمل نشر شكل متطرف من الإسلام وتأسيس دولة إسلامية موحدة تسمى الخلافة العالمية على أساس المناطق ذات الأغلبية السكانية المسلمة”. ووفقاً للمحلل السياسي الروسي إي. إن. إيجوروف، فإنه “في الأمد البعيد، لا ينبغي التقليل من شأن تأثير هذه الحركة على الوضع الديني والسياسي”. ويذكر المحلل أيضاً أن جماعة التبليغ “ترفض بشكل قاطع المشاركة في السياسة، ولكن هناك أسباب للاعتقاد بأن الأهداف الاستراتيجية لأنشطتها مرتبطة على وجه التحديد بالسياسة والسلطة”. وفي حين أن هناك فكرة شائعة مفادها أن جماعة التبليغ “لا تدعو إلى تغيير النظام الاجتماعي أو إنشاء الخلافة”، يرى الباحث القرغيزي ك. مورزخليلوف أن الجماعة تفرض مطالبها وتنقلها إلى الدوائر الاجتماعية والسياسية في البلدان المضيفة في جميع أنحاء العالم.
وبالإضافة إلى المخاوف المحلية الروسية، أبرزت وكالة أنباء إنترفاكس أن “وكالات إنفاذ القانون في بعض دول آسيا الوسطى تعتبر جماعة التبليغ تهديداً محتملاً لأمنها القومي”. ففي طاجيكستان، على سبيل المثال، “حظرت المحكمة أنشطة جماعة التبليغ”. وفي كازاخستان، أوقفت وكالات إنفاذ القانون في عام 2012 أنشطة أكثر من 200 من الدعاة التابعين لجماعة التبليغ الذين يعملون بشكل غير قانوني كمنظمة غير مسجلة. وفي وقت لاحق، أعلن مكتب المدعي العام الكازاخستاني في 26 فبراير/ شباط 2013 أن جماعة التبليغ “صُنفت على أنها متطرفة، وأن جميع أنشطتها في كازاخستان تعتبر الآن غير قانونية”. وفي كل من طاجيكستان وكازاخستان، ألقي القبض على العديد من أعضاء جماعة التبليغ وصدرت ضدهم أحكام بالسجن لفترات طويلة لمخالفتهم القوانين الوطنية ضد “النسخ المنحرفة من الإسلام والدعوة إلى التطرف”. ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أنه، كما هو الحال في فرنسا وغيرها من الدول الأوربية، فإن تأثير جماعة التبليغ في التعليم يشعل هنا أيضاً مخاوف السلطات والخبراء الإقليميين. ووفقاً لتولوغون كيلديباييف، فإن الأنشطة التعليمية الشعبية التي يقوم بها دعاة جماعة التبليغ، وعلى الرغم من نزوعها إلى التطرف، لا يتم ملاحظتها تقريباً.
وأخيراً، من المثير للاهتمام أن المخاوف التي أعربت عنها وكالات الاستخبارات الأوروبية وغيرها من مراكز الأبحاث تنعكس في مواقف الاستخبارات الأمريكية. فقد ذكرت سوزان ساكس أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يشعر بقلق بالغ إزاء نفوذ جماعة التبليغ في البلاد. فمنذ الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، “اجتذبت جماعة التبليغ اهتمام المحققين الفيدراليين على نحو متزايد”. ووفقاً لمسؤولي إنفاذ القانون الأمريكيين، تعمل جماعة التبليغ كـ”منصة انطلاق نحو التشدد”.
وفي حين تبدو جماعة التبليغ في نظر أتباعها (وبعض المراقبين) بمثابة “وسيلة لجمع الناس معاً من ذوي المصلحة المشتركة في الإسلام”، وليس كمنظمة متشددة أو إرهابية، فإن أجهزة الاستخبارات الأمريكية تدرك أن أنشطة الجماعة تستغلها منظمات إرهابية دولية مثل تنظيم القاعدة. ففي عام 2003، صرح مايكل هايمباك، نائب رئيس قسم مكافحة الإرهاب الدولي في مكتب التحقيقات الفيدرالي: “لدينا حضور كبير لجماعة التبليغ في الولايات المتحدة، وقد وجدنا أن تنظيم القاعدة استخدمها لتجنيد الأعضاء، الآن وفي الماضي”. وهنا، كما هو الحال في أغلب البلدان الأخرى التي تتميز بحضور نشط لجماعة التبليغ، فإن أحد المخاوف الرئيسة لدى السلطات يتعلق بقابلية الجماعة للاختراق والتلاعب. ويرى المدعون العامون الأمريكيون أن المتطرفين يستخدمون هياكل جماعة التبليغ، وخاصة تجمعاتها الدعوية، “كأداة تقييم لفرز الأفراد الذين يتمتعون بحماسة خاصة واهتمام بتجاوز ما تقدمه الجماعة نفسها”. وباختصار، خلصت وكالات الاستخبارات الأمريكية، مثل نظيراتها الأوربية، إلى أن جماعة التبليغ تعمل كأرضية لتجنيد الجهاديين. ويؤكد مسؤولو إنفاذ القانون وخبراء مسلمون أن ما يقلقهم أكثر بشأن جماعة التبليغ هو “نزعتها الانفصالية” و”انعزالها عن المجتمع”.