تقارير ودراسات

جماعة التبليغ ودورها في الجهاد العالمي (2)

3. جماعة التبليغ في بؤرة اهتمام مجتمع الاستخبارات الدولي

1.3 الاستخبارات الألمانية

في تقاريرها الأخيرة حول التهديدات الإرهابية، تشير وزارة الداخلية الاتحادية في ألمانيا إلى أنه على الرغم من أن البلاد لم تشهد أي هجوم إرهابي كبير منذ أغسطس/ آب 2017، فإن “التهديد الذي يشكله الإرهاب الإسلاموي لا يزال عند مستويات مرتفعة”. على مدى السنوات القليلة الماضية، كانت وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية، المكتب الاتحادي لحماية الدستور، ومكاتبها على مستوى الولايات، تنشر هذه التقارير بانتظام. ومع التركيز على الوضع الأمني ​​الداخلي في ألمانيا، تقيّم هذه التقارير التهديدات الخارجية، وأنشطة الجماعات اليسارية واليمينية المتطرفة، واحتمالات التهديد من قبل الإسلاميين [وخاصة جماعة الإخوان المسلمين] والجهاديين (المنظمات والأفراد)، من بين العديد من القضايا الأخرى.

بمناسبة تقديم التقرير السنوي لعام 2004، حذر وزير الداخلية الألماني آنذاك، أوتو شيلي، من أن الإرهاب الإسلاموي يشكل أكبر تهديد عالمي لألمانيا. وقد ذُكرت جماعة التبليغ لأول مرة في هذا التقرير، وتم تصنيفها كواحدة من المنظمات الإسلاموية الأجنبية النشطة في ألمانيا. ومن بين المخاوف الأخرى المتعلقة بالجماعة، ذكر التقرير على وجه التحديد زيادة كبيرة في قاعدة دعمها مما ساهم في الارتفاع الإجمالي في مستويات العضوية المبلغ عنها للمنظمات الإسلاموية الأجنبية في البلاد. واستمرت التقارير التالية الخاصة بمؤشر الاستخبارات الداخلية، التي أعدتها هيئة حماية الدستور – بالإضافة إلى تقارير صادرة عن العديد من الوكالات على مستوى الدولة ـ في الاعتراف بجماعة التبليغ كجزء من التهديد الذي يشكله “التطرف / الإرهاب الإسلاموي”. وتعتقد وكالات الاستخبارات الألمانية أن هناك عدة عوامل تبرر مراقبة جماعة التبليغ، بوصفها تهديداً محتملاً في سياق “التطرف / الإرهاب الإسلاموي”.

عند تقييم التهديد المحتمل الذي تشكله جماعة التبليغ، ينص “تقرير حماية الدستور لعام 2019” على أن “رفض المبادئ العلمانية والانعزال عن غير المسلمين… يمكن أن يؤدي إلى تشكيل مجتمعات موازية مغلقة وتعزيز عمليات التطرف الفردية بشكل سلبي على الأقل”. وقد سبق أن ذكر مكتب حماية الدستور هذه الظواهر في عام 2011، حيث أشار إلى أن “الجهود الدعوية الناجحة التي تبذلها جماعة التبليغ غالباً ما تؤدي إلى تغيير واضح في السلوك الاجتماعي للمجنَّدين. إن رفض القيم الغربية قد يؤدي إلى تفكك اجتماعي وسياسي في البلدان غير الإسلامية، وقد يساهم في ظهور مجتمعات موازية. وقد يفضي هذا إلى تعزيز عمليات التطرف الفردية وبالتالي خلق الظروف لمزيد من الانزلاق إلى بيئة إرهابية”.

وتلفت الرؤى الشاملة لجماعة التبليغ انتباه أجهزة الاستخبارات الألمانية بشكل إضافي، وتحديداً أهدافها طويلة الأجل لإقامة نظام إسلامي وجعل الشريعة الإسلامية ـ وفقاً لمفهومها الأصولي ـ عالمية. ومن وجهة نظر جماعة التبليغ، يتطلب هذا “أسلمة” شاملة لمجتمعات البلدان المضيفة. والغرض من جميع أنشطة جماعة التبليغ هو “تحويل المجتمع الذي تشكله القيم الغربية إلى مجتمع إسلامي بالكامل”. وهنا، يشعر مكتب حماية الدستور بالقلق من أن فكرة التحول المجتمعي الإسلامي قد “تمتد أيضاً إلى الأفكار الجهادية”. ويذكر مكتب حماية الدستور في ولاية شمال الراين – ويستفاليا أن جماعة التبليغ يجب تصنيفها بصفتها “حركة متطرفة”.

وعلى نحو أكثر تحديداً، ترى الاستخبارات الألمانية أن هناك تهديداً محتملاً في “سعي [الإسلاميين] إلى الترويج لممارسة مثالية للدين، بمعنى أن جماعة التبليغ تتبنى تفسيراً حرفياً صارماً إلى حد كبير للقرآن وتشريعاته، بحيث يُعطى للالتزام بالقواعد الدينية الأولوية من حيث المبدأ على أسلوب حياة قائم على قانون الدولة. وعلى هذا، فإن أيديولوجية الجماعة، القائمة على اعتبار الشريعة الإسلامية أساس نموذجها الاجتماعي، تتناقض مع المبادئ الديمقراطية الأساسية، وخاصة مبدأ فصل الدولة عن الدين”.

وهنا يبرز مجال من مجالات القلق بالنسبة إلى هيئة الاستخبارات في ألمانيا، وهو أن “جماعة التبليغ تدعو إلى تطبيق جميع أحكام الشريعة الإسلامية”. “ويشمل هذا تطبيق أحكام قانون الإجراءات الإسلامية الكلاسيكي، وقانون الزواج والطلاق الإسلامي الكلاسيكي، وما يسمى بعقوبات “الحد” (مثل جلد المخالفين)، والتي تتعارض ليس مع النظام الأساسي الديمقراطي الليبرالي في ألمانيا فحسب، بل إنها موجهة ضده أيضاً”. علاوة على ذلك، لا يمكن التوفيق بين صورة المرأة التي تمثلها جماعة التبليغ، والتي تتجلى إلى حد كبير في الاستبعاد الاجتماعي، والمبادئ الدستورية الألمانية.

تقدم جماعة التبليغ نفسها على أنها غير سياسية وغير عنيفة (على عكس الجماعات الإسلامية الأخرى مثل الدوائر السلفية)، ولكن تقييم السلطات الأمنية للجماعة مختلف. في هذا السياق، من المثير للاهتمام أن نذكر أن اشتباكات عنيفة بين فصائل مختلفة من جماعة التبليغ وقعت في الماضي، مما يقوض رواية الجماعة المتمثلة في تعزيز مبدأ اللاعنف. وكان الأكثر لفتاً للانتباه هو الأحداث التي أعقبت قرار قيادة جماعة التبليغ إنشاء “هيئة حاكمة” (شورى) في عام 2015. خلال السنوات التالية، وخاصة في عام 2018، أدت خلافات قوية داخل جماعة التبليغ حول ما يُعرف بـ “البدعة” إلى صدامات خطيرة بين أعضائها في العديد من البلدان، وأهمها في بنغلاديش، ولكن أيضاً في الدول الأوروبية مثل المملكة المتحدة.

وشدد مكتب حماية الدستور في ولاية بادن فورتمبيرغ على أن “إجراءات التحقيق والمحاكمات المختلفة في السنوات الأخيرة أظهرت بوضوح أن التفسير أحادي الجانب للمصادر الإسلامية – بهدف مواءمة السلوك الفردي للمسلم وفقاً للمعايير الإسلامية تماماً – يمكن أن يؤدي في حالات فردية إلى نقل مكثف للأيديولوجية المتطرفة”. وكما أشرنا أعلاه، فإن النطاق الواسع لأيديولوجية جماعة التبليغ يجعل ظهور “توجه جهادي” داخل الجماعة أمراً ممكناً.

ومن الجدير بالذكر أن “أدبيات جماعة التبليغ تتضمن تمجيداً واضحاً للجهاد المسلح. وعلى هذا، وعلى الرغم من أنه من الصحيح أيضاً أنها لا توجه دعوة صريحة للعنف، فإن الجهاد يوصف بأنه “واجب ديني على كل مسلم”، وبالتالي، فقد مر بعض الإرهابيين الإسلاميين بتجارب غيرت حياتهم من خلال عضويتهم في جماعة التبليغ أو تواصلهم معها. كما أصبحت الجماعة محوراً للقضاء الألماني؛ والواقع أن عداء الجماعة لدستور البلاد كان بالفعل موضوعاً لعدة قرارات قضائية. على سبيل المثال، خلصت المحكمة الإدارية في بايرويت (ولاية بافاريا / بايرن) في أحد قراراتها إلى أن جماعة التبليغ “تدعم الإرهاب الدولي”.

بالنسبة إلى القضاة الألمان، كان من الواضح أن العديد من الأشخاص المنتمين إلى جماعة التبليغ ارتكبوا هجمات إرهابية في بلدان مختلفة، أو كانوا على صلة بالجماعة أثناء هجماتهم الإرهابية. على أقل تقدير، يتم استخدام هذه الجماعة لتسهيل تنقلات الإرهابيين الأفراد أو كنقطة اتصال. أصدرت المحكمة الإدارية بولاية بافاريا / بايرن قرارين (9 و 18 مايو / أيار 2005)، حيث ذكرت في كليهما أن جماعة التبليغ “تدعم الإرهاب”. بالإضافة إلى ذلك، ذكرت المحكمة أن الجماعة تعرض للخطر النظام الأساسي الديمقراطي الليبرالي وأمن ألمانيا. في وقت مبكر من 24 نوفمبر / تشرين الثاني 2005، أثبتت المحكمة الإدارية في بايرويت أن الاشتباه في دعم جماعة التبليغ للإرهاب “مبرر موضوعياً”. وفي حكمها الصادر في 2 مارس / آذار 2005، اتبعت المحكمة الإدارية في هانوفر القرار السابق لنظيرتها في بايرويت. صنفت جماعة التبليغ كمنظمة “تهدد النظام الأساسي الديمقراطي الليبرالي لجمهورية ألمانيا الاتحادية”.

وتوصل مكتب حماية الدستور في تورينجن إلى استنتاج مماثل، حيث ذكر أن “جماعة التبليغ لا تدعم الإرهاب الإسلاموي بشكل نشط، إلا أنها تبدو بمثابة قاعدة تجنيد للجماعات الإسلاموية العنيفة والشبكات الجهادية”. ووصف مكتب حماية الدستور جماعة التبليغ بأنها ليست مجرد مصدر تجنيد، بل إنها أيضاً “محفز لجهود التجنيد الجهادية”. وبشكل أكثر تحديداً، يُنظَر إلى جماعة التبليغ على أنها تنشر الفهم الأصولي للإسلام بين أتباعها. بالإضافة إلى ذلك، هناك مؤشرات على أن “القاعدة الأيديولوجية المشتركة إلى حد كبير بين جماعة التبليغ والجماعات الجهادية تمكن هذه الأخيرة من الاستفادة من البنية التحتية العالمية لجماعة التبليغ”. وهنا يذهب مكتب حماية الدستور في ولاية شمال الراين – ويستفاليا إلى أبعد من ذلك من خلال القول إن “الحالات الأخيرة تشير إلى أن جماعة التبليغ، من ناحية، تؤيد الأفكار الإسلاموية والجهادية في صفوفها، ومن ناحية أخرى، يتم استخدام شبكاتها العالمية من قبل الجهاديين، وأن الجماعة تتسامح مع هذا”.

ويبدو أن هناك وعياً متزايداً داخل مجتمع الاستخبارات الألماني فيما يتصل بالروابط السببية المحتملة بين أنشطة جماعة التبليغ، وخاصة الخطب الدينية ودورات التعليم، وتطرف أتباعها. وقد حذرت هيئة الاستخبارات الداخلية الألمانية في عام 2005 من أن “الدروس الدينية التي تقدمها جماعة التبليغ قد تشكل بالنسبة للشباب المسلمين مدخلاً إلى الإسلاموية، وبالتالي إلى الجماعات الجهادية الإرهابية”. وتؤكد الوكالة الفيدرالية على خطورة الزيارات الدراسية في الخارج [وبالتحديد تلك التي تقام في باكستان] التي تقدمها جماعة التبليغ.، حيث ورد أن “الأشخاص الذين ينجحون في الدعوة غالباً ما يحصلون على عدة أشهر من الدورات التدريبية في المدارس القرآنية الباكستانية. ومن الممكن أن تعمل مثل هذه الدورات المكثفة على غرس الأفكار المتطرفة في عقول المشاركين وتجعلهم منفتحين على الأيديولوجيا الإسلاموية”. وفي حالات فردية، يجد هؤلاء طريقهم بعد ذلك إلى معسكرات تدريب “المجاهدين” في أفغانستان.

أخيراً، لابد من الإشارة إلى أن الأنشطة التي تقوم بها جماعة التبليغ في ألمانيا تستهدف في الغالب الشباب من شرائح اجتماعية ضعيفة، أو أولئك الذين يشعرون بعدم الانتماء. علاوة على ذلك، أصبح من الواضح أن جماعة التبليغ في ألمانيا لم تستهدف فقط “المسلمين غير الملتزمين بدينهم”، بل وأيضاً “المؤمنين من ديانات أخرى”. والحقيقة أن رغبة جماعة التبليغ أيضاً في جذب صناع القرار الألمان مثل رؤساء البلديات والبرلمانيين تتطلب اهتماماً خاصاً. تحدد هيئة حماية الدستور التهديد المحتمل لأنشطة الجماعة بأن “هذا يمكن أن يؤدي إلى إعادة أسلمة متطرفة، وخاصة بين الشباب المسلمين الذين تعرضوا للتمييز أو يشعرون بالحرمان. ثم يؤدي هذا التطرف إلى الرفض والانفصال عن المجتمع المحيط، سواء كان إسلامياً أو غير إسلامي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى