تقارير ودراسات

جماعة التبليغ ودورها في الجهاد العالمي (1)

ملخص

يتناول هذا التقرير جماعة التبليغ، وهي حركة دعوية إسلامية عابرة للحدود الوطنية. وعلى الرغم من إعلانها رسمياً أنها حركة غير سياسية وغير عنيفة، فإن تقارير استخباراتية أوروبية تؤكد على التهديدات (المتعددة) التي تنبع من هذه الجماعة. ويؤكد عدد متزايد من التقييمات على دور جماعة التبليغ كمحفز أو بوابة أو نقطة انطلاق أو غرفة انتظار للتطرف الإسلاموي ـ التلقين الجهادي. ويشير الخبراء إلى أن جماعة التبليغ “ظهرت على هامش العديد من التحقيقات في الإرهاب، مما دفع البعض إلى القول إن موقفها غير السياسي يخفي ببساطة أرضاً خصبة لتوليد العنف الجهادي”.

وعلى الرغم من ذلك، فحتى هذه اللحظة، لم تصل أغلب التقييمات الانتقادية التي أجرتها أجهزة الاستخبارات الدولية إلى مستوى الخطاب العام أو عمليات صنع القرار السياسي في الدول التي تتمتع فيها جماعة التبليغ بحضور كبير، وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة. تظل جماعة التبليغ غير معروفة إلى حد كبير خارج المجتمعات الإسلامية، وعندما تكون معروفة، يتم تفسير أفعالها ودوافعها بشكل خاطئ. إن هذا الافتقار إلى المعرفة فيما يتصل بنشر أجندة التفوق الإسلامي يسهّل على جماعة التبليغ أن تعمل كقوة دافعة للتطرف الإسلاموي وكوكالة تجنيد رئيسية لقضية الجهاد العالمي. فالجماعة تهدد صراحة المجتمعات القائمة على المعايير الليبرالية والديمقراطية. وتتمتع جماعة التبليغ بطابع سري نسبياً، ولكن التقارير تشير إلى أنها فعالة للغاية في نشر الأصولية الإسلامية. باختصار، يُنظر إلى جماعة التبليغ باعتبارها مكوناً أساسياً لظاهرة أطلق عليها عالم الاجتماع السياسي الفرنسي برنارد روجييه (2020) اسم “النظام البيئي الإسلاموي”. ونعتقد أن هذا المفهوم مفيد للغاية لفهم الدور الذي تلعبه جماعة التبليغ في الجهاد العالمي.

المحتويات

1. جماعة التبليغ: مقدمة مختصرة

2. مفهوم “النظام البيئي الإسلاموي”

3. جماعة التبليغ في بؤرة اهتمام مجتمع الاستخبارات الدولي

1.3 الاستخبارات الألمانية

2.3 الاستخبارات الفرنسية

3.3 وجهات نظر أجهزة الاستخبارات الأوربية الأخرى

4.3 وجهات نظر من روسيا وآسيا الوسطى

4. جماعة التبليغ والإرهاب الدولي ـ علاقة تكافلية

5. كلمة ختامية: جماعة التبليغ كمحرك للأنظمة البيئية الإسلاموية

6. التوصيات

1. جماعة التبليغ: مقدمة مختصرة

لا يُعرف الكثير عن جماعة التبليغ. لم يكن مؤسس الجماعة، مولانا محمد إلياس (1885-1944)، مؤيداً للكتابة عن الجماعة، وكان من مبادئه الابتعاد عن الصحافة (ووسائل الإعلام الأخرى) وتجنب المنشورات التفصيلية التي تتناول عضوية الجماعة وأنشطتها. كان من بين قناعات إلياس أن “العمل والممارسة هما أفضل طريقة لتغيير العقول بفعالية”. تقدم الجماعة نفسها رسمياً على أنها غير سياسية، مفضلة “التصريحات الشفهية للصحافة العامة أو المكتوبة أو عبر الإنترنت؛ [وبالتالي] ظلت جماعة التبليغ حتى الآن بعيدة إلى حد كبير عن الرادار التحليلي”. وهذا يتناقض بشكل حاد مع الجماعات الإسلامية الأخرى (على سبيل المثال، جماعة الإخوان المسلمين أو حزب التحرير).

تصف الأدبيات الأكاديمية السائدة جماعة التبليغ بأنها “حركة تبشيرية إسلامية”، أو “منظمة إحياء إسلامية”، أو “حركة تقوى إسلامية عابرة للحدود الوطنية”، أو “حركة إصلاح إسلامية عابرة للحدود الوطنية”، من بين تعريفات أخرى. نشأت الجماعة في الهند في عشرينيات القرن العشرين كردّ فعل على ما كان يُنظر إليه على أنه “تراجع حاد في الأخلاق الإسلامية” في منطقة جنوب آسيا، وكان إلياس مسؤولاً إلى حد كبير عن توجيه “الهيكل الرسمي” للجماعة. منذ تأسيسها، وحتى يومنا هذا، تتبنى جماعة التبليغ شكل “منظمة غير رسمية وتحتفظ بملف مؤسسي انطوائي”. والأمر المهم هو أن الجماعة لم تنشئ أي بيروقراطية رسمية أو توظف عناصر مدفوعة الأجر. تتكون جماعة التبليغ من مجموعات صغيرة تتألف من ثمانية أو عشرة أشخاص، ومن المتوقع أن يمولوا أنفسهم.

رسمياً، لا تطلب جماعة التبليغ (كمنظمة) تبرعات وتعتمد مالياً على موارد أعضائها الكبار. تعتمد مجموعات التبليغ على تنظيم اجتماعات وخرجات (وعظية) منتظمة. يتم تأطير الأنشطة التعليمية والدعوية لمجموعات التبليغ وفقاً لأربعة برامج [خروج]: يوم واحد في الأسبوع، وفترة واحدة لمدة ثلاثة أيام في الشهر، وفترة واحدة لمدة أربعين يوماً في السنة، وجولة واحدة لمدة أربعة أشهر (من الأفضل أن تكون في الخارج) مرة واحدة على الأقل في العمر. من المهم ملاحظة أن الانتماء إلى جماعة التبليغ لا ينطوي على أي عملية تسجيل رسمية.

كما صاغ إلياس مجموعة من المبادئ لتوجيه الدعاة، فضلاً عن التعليمات اللازمة لتنفيذ المهمة الأساسية للجماعة: إحياء الإسلام وتجديده بين أتباعه، وتخفيف تأثير الديانات الأخرى، واستعادة نقاء وروح الإسلام كما تصوره النبي محمد وأصحابه. ويذكر المراقبون أن “الأسلوب المميز للنشاط” الذي تتبناه جماعة التبليغ يسعى إلى تعزيز التقوى الدينية بين المجتمعات المسلمة، من خلال إنشاء مجموعات تتألف من “وعاظ متجولين” وإرسالها بشكل مستمر إلى المساجد المتعاطفة في جميع أنحاء العالم.

ترى جماعة التبليغ أن “المسلمين مهددون بالإفساد بسبب العالم الحديث”، وعلى هذ، فإن السبب الأساسي لوجود الجماعة هو الدعوة، أو الوعظ الإسلامي، و”جعل المسلمين مسلمين حقيقيين”. وتؤكد الجماعة على الطبيعة غير السياسية والسلمية لأنشطتها. ويذكر ألكسندر ر. أليكسييف أنه “منذ نشأتها، كانت المواقف الديوبندية المتطرفة تتخلل فلسفة التبليغ. ورفضت الجماعة الحداثة باعتبارها معادية للإسلام، واستبعدت النساء، وكانت معادية للشيعة والمسلمين “المعتدلين”، ودعت إلى ضرورة هيمنة الإسلام على جميع الأديان الأخرى”.

وعلى مر السنين، ومع نمو جماعة التبليغ في الحجم والنفوذ، تعززت بنيتها التقليدية من خلال موارد وزعماء إضافيين. وفي الواقع، اكتسبت الإطار اللازم لإنشاء شبكة عالمية. وفي وقت لاحق، توسعت الجماعة من المحلية إلى الوطنية، ثم إلى حركة عابرة للحدود. وتشير التقارير إلى أن جماعة التبليغ تعمل في 165 دولة على الأقل ـ تشير بعض التقديرات إلى أن الجماعة نشطة في نحو 200 دولة ـ ولها نفوذ كبير، ليس فقط في العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة، بل وأيضاً في الدول ذات الأغلبية “غير المسلمة” في الغرب. وفي الوقت الحاضر، يتم تنسيق أنشطة الجماعة من خلال مقرات تعرف باسم “المركز”. ويقع المقر الدولي للجماعة في مسجد / مركز نظام الدين أو مسجد بنغليوالي بمدينة نظام الدين في جنوب غرب نيودلهي، الهند. ويقع المقر الأوروبي للجماعة في مسجد ديوزبري، المملكة المتحدة. ومثل الجماعات الأخرى، يتم تنظيم المركز على أساس العمل التطوعي، ويعتمد أعضاؤه على التمويل الذاتي.

وتدير الجماعة مقار وطنية في عدة بلدان تنشط فيها. وفي بعض البلدان، يوجد مجلس شورى رسمي يرأسه أمير، بينما تدار وحدات الجماعة في بلدان أخرى من دون أمير رسمي. ويطلَب من جميع العاملين المحليين والدوليين تعيين محكم أو أمير مشاورة لمشاوراتهم المنتظمة: التشاور بشأن برامج مختلفة من مستوى المسجد إلى مستوى المقاطعة والولاية وحتى في بعض الحالات العمل على المستوى الوطني. ويتم اختيار هذا المحكم من قبل الجماعة المحلية لفترة محدودة، ويتم شغل المنصب بالتناوب. واليوم، تجتذب التجمعات السنوية للجماعة (ثلاثة أيام من الاجتماعات) في بنغلاديش (تونجي، بالقرب من دكا)، وباكستان (رايوند)، والهند (بوبال)، أكبر عدد من المسلمين خارج موسم الحج الإسلامي السنوي في مكة. ومع عشرات الملايين من الأتباع، أصبحت الجماعة اليوم أكبر حركة إسلامية عاملة على مستوى العالم. وفي هذا السياق، يبدو من الواضح أن جماعة التبليغ تهدف إلى تجنيد أكبر عدد ممكن من الأتباع. ويظهر هذا من خلال عملية التجنيد التي تتبعها الجماعة والسرية المحيطة بهيكلها الداخلي (اجتماعات الأبواب المغلقة).

وتشير صحيفة صنداي تلغراف إلى أن الجماعة “لم تضع أي قيود على أعداد المتحولين المحتملين إلى الإسلام، وبالتالي، فإن هدفها النهائي كان، ضمناً، نشر الدعوة في العالم”. علاوة على ذلك، يُقال إن “الجماعة، على الرغم من كل الغموض الذي يحيط بها، تبدو مجتهدة. واليوم، مع وجودها المتزايد في الغرب، ينظر إليها النقاد القلقون على أنها حصان طروادة للأصولية الإسلامية”. بالإضافة إلى ذلك، فإن جماعة التبليغ “لا تولي اهتماماً كبيراً لمنطق الولاءات الوطنية”، وهذا بالطبع قد يشكل تحدّياً لاندماج الجماعة في البلدان المضيفة. وينقسم محللو السياسات والعلماء المسلمون بشدة في تقييماتهم لجماعة التبليغ. من ناحية، ينفي بعض العلماء أي علاقة أولية أو حتى غير مباشرة بين الجماعة والإرهاب، ويؤكدون أن أعضاءها المتورطين في أنشطة إرهابية “يمثلون نسبة ضئيلة” من الجماعة. من ناحية أخرى، يزعم عدد متزايد من الخبراء أن هناك أدلة واضحة على أن جماعة التبليغ، كمنظمة، مرتبطة بالجهادية العالمية. وعلى الرغم من هذا الجدل المحتدم حول الطبيعة الحقيقية لجماعة التبليغ وتوسعها الهائل، فإن “هذه الحركة بالكاد تثير شكوك الحكومات” في الدول الغربية.

2. مفهوم “النظام البيئي الإسلاموي”

يمكن النظر إلى جماعة التبليغ بوصفها مكوناً لظاهرة أطلق عليها عالم الاجتماع السياسي الفرنسي برنار روجييه (2020) اسم “النظام البيئي الإسلاموي”. ويشير المثال / النموذج الذي قدمه روجييه إلى شبكة أنشئت في الضواحي الفرنسية تربط بين المدارس والمساجد وقاعات الرياضة والمحلات التجارية وحتى السجون. “إن مكونات هذا النظام البيئي” – وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية وجماعة التبليغ – “تتنافس” للسيطرة على المساحات الاجتماعية (الأحياء والجمعيات وما إلى ذلك)؛ ومع ذلك، فإنهم “يوحدون قواهم ضد عدو مشترك، العلمانية، التي يكرهونها قبل كل شيء”. كانت كل هذه الحركات “تعمل” داخل الأحياء لفترة طويلة من خلال “الدعاة المنخرطين في غزو ديني حقيقي”، وبدعم كامل من “رجال أعمال إسلاميين”. تقدم جماعة التبليغ “الوعظ الأولي الذي يمهد الطريق لإعادة الشباب إلى الإسلام قبل أن يتحولوا ـ الذين أصبحوا مهتمين الآن بأمور الدين ـ إلى نسخة أكثر تعمقاً في الإسلام”. وعلى هذا النحو، تساهم جماعة التبليغ في “توسيع موارد النظام البيئي الإسلاموي، الأمر الذي يغذي بدوره الديناميكية الجهادية، ويزود مقاتليها بالأسس الأيديولوجية والمادية التي تضفي الشرعية على القتال ضد المجتمع العالمي. ويتم نشر الدعاة والمجنِّدين من جماعة التبليغ هناك للكشف عن النفوس الضعيفة القادرة على تشكيل الخط الأول للحرب المقدسة”.

يُنظر إلى جماعة التبليغ أحياناً على أنها تتأرجح على امتداد أيديولوجي بين المواقف المعتدلة والمتطرفة، بين التنظيم الدعوي والجماعات الجهادية المتشددة. “لا تدعو هذه المنظمة إلى الكفاح المسلح على الأراضي الفرنسية [وكذلك في البلدان الأخرى التي تنشط فيها جماعة التبليغ]، ولكنها تحافظ على منطق القطيعة مع المجتمع العالمي ومؤسساته، ثم يتم استغلال هذه القطيعة من قبل الجهاديين واستخدامها كحجة دينية وسياسية”. بعبارة أخرى، يتبين أن الانضمام إلى جماعة التبليغ “هو الخطوة الأولى على طريق التطرف”. يصف فرحان زاهد جماعة التبليغ بأنها “محرك أساسي وعنصر لا يتجزأ من الديناميكيات الداخلية للجهات الفاعلة العنيفة الإسلاموية غير الحكومية”. علاوة على ذلك، يحدد زاهد جماعة التبليغ بصفتها “أحد الفاعلين المسؤولين عن دعم الأنشطة الإسلاموية”، والتي تعمل في كثير من الحالات “كحاضنة لتلقين الإرهابيين الإسلاميين”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى