تغيير الجلد.. خطة “العالمي لعلماء المسلمين” للتقارب مع الحكومات العربية
منذ انتخابه رئيسًا للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أعلن علي القره داغي، في أكثر من مناسبة، أن وفدًا من الاتحاد يسعى لزيارة قطاع غزة، خلال الفترة المقبلة، بالتنسيق مع السلطات المصرية، موضّحًا أن التصور الحالي هو أن يدخل الوفد عبر معبر رفح بين مصر والقطاع.
وفي تدوينة سابقة نشرها على حسابه على موقع إكس للتواصل الاجتماعي، أشار “القره داغي”، الذي انُتخب في يناير/ كانون الثاني من العام الجاري رئيسًا للاتحاد، إلى أنهم طلبوا من وزير الخارجية المصري سامح شكري، السماح لوفد الاتحاد بالدخول إلى الجانب المصري من مدينة رفح، وتنسيق دخول الوفد العلمائي ووفود برلمانية وحقوقية إلى قطاع غزة للتضامن مع الشعب الفلسطيني في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على القطاع.
ومثل هذه الإعلان والطلب الذي وجّه، رسميًا إلى وزير الخارجية المصري، انقلابًا في موقف الاتحاد الذي تبنى، من قبل مواقف حدية من الحكومة في مصر متماهيًا مع جماعة الإخوان الذي يُوصف بأنه أحد ذراع عُلمائي لها، بيد أن التغير في مواقف “العالمي لعلماء المسلمين” لم ينشأ من فراغ، وإنما جاء نتيجة سجالات داخلية ونصائح قدمت من أعضاء مؤسسين فيه بتغيير نهجه في التعاطي مع الحكومات العربية.
إعادة تقسيم الأدوار
يطمح الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى أن يؤدي تغيير نهجه القديم إلى مزيد من التقارب مع الحكومات والأنظمة العربية التي تبنت مواقف معارضة له بسبب توظيفه من قبل جماعة الإخوان.
وبحسب مصدرين قياديين داخل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فإن مجلس أمناء الاتحاد عقد اجتماعًا عقب انتهاء أعمال انتخابات رئيسه ونواب الرئيس ومجلس الأمناء الجديد، وجرى الاتفاق خلاله على آلية العمل وتقسيم الأدوار والتعامل مع عدد من الملفات الدعوية، وكذلك تمت مناقشة ملف التواصل مع الحكومات المختلفة.
واتفق أعضاء مجلس أمناء الاتحاد على فتح صفحة جديدة مع جميع الحكومات وخاصة العربية، وعدم تبني أي موقف معارض لها، والسعي لتقريب وجهات النظر، والتخلي عن إصدار البيانات المعارضة والمناهضة لها، من أجل غسل سمعة الاتحاد وتغيير صورته القديمة المستقرة في أذهان صناع القرار في المنطقة.
وشدد أعضاء مجلس أمناء الاتحاد على ضرورة أن يتحول إلى منصة للتواصل والتصالح وإيجاد حلول مقبولة وسلمية بين الحكومات العربية، وخصوصًا مصر والإمارات والمملكة العربية السعودية وجماعة الإخوان.
ومن المحتمل أن لا تكتمل محاولات الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لتغيير نهجه؛ إذ إن غالبية أعضاء الاتحاد من المحسوبين أو المقربين من جماعة الإخوان، وزاد عدد هؤلاء الأعضاء في السنوات الأخيرة لدرجة أن كل دعاة الجماعة تقريبًا أصبحوا أعضاءً به.
ويُعزى زيادة كوادر جماعة الإخوان الحاصلين على عضوية الاتحاد إلى خطوة إجرائية اتخذها الرئيس الأسبق للاتحاد يوسف القراضاوي الذي تساهل في شروط الانضمام له، وقصرها على الحصول على دراسات دينية، سواء بالأزهر أو أي جامعة دينية أو حتى مدنية بها قسم للدراسات الإسلامية، وتزكية عضوين من أعضاء الاتحاد الحاليين، وبالتالي تمت الموافقة على جميع طلبات الانضمام التي قدمها أعضاء وكوادر الجماعة.
مبادرة زيارة غزة
وعلى صعيد متصل، أعلن رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين علي القره داغي، والذي يحمل الجنسية القطرية، مبادرته لزيارة قطاع غزة، عقب اجتماع مجلس أمناء الاتحاد، وهذه المبادرة تمت من جانب واحد ودون تنسيق مسبق مع الجانب المصري، ثم جرى في وقت لاحق مخاطبة وزارة الخارجية المصرية وطلب تسهيل دخول الوفد إلى القطاع عبر الجانب المصري من معبر رفح البري.
ويأمل قادة الاتحاد أن تؤدي هذه المبادرة إلى كسر الجمود في العلاقات بين الاتحاد والجانب المصري بعد أن توترت العلاقات في السنوات السابقة بسبب موقفه من الحكومة والرئيس المصري؛ وذلك إبان تولي الدكتور يوسف القرضاوي، المحسوب على جماعة الإخوان، منصب رئيس الاتحاد.
لكن في الحقيقة، يخشى قادة الاتحاد أن تؤدي المبادرة، التي لا تزال مطروحة، إلى إحراج الجانب المصري بسبب تعقيدات الموقف السياسي للقاهرة، ولذا قام الاتحاد بالتواصل مع الخارجية المصرية وأرسلوا لها قائمة بالأسماء المقترحة للمشاركة في الوفد الذي يُفترض أن يزور قطاع غزة حالما تمت الموافقة على هذا الطلب.
ولا تتضمن القائمة التي حددها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أيّا من قياداته المصريين سوى الدكتور عمر عبد الكافي، الذي جرى اختياره نظرًا إلى سمعته وعلاقاته الطيبة مع الحكومات في المنطقة العربية.
ووفقًا للمصدرين، فإن قادة الاتحاد أبلغوا “القره داغي” أن إعلانه نيته زيارة قطاع غزة، حالما سمحت الظروف بذلك، هو أمر حساس للغاية، ولا سيما أن المعلومات المتوافرة لديهم تقول إنه جرى رفض طلب مماثل قدمه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر للدخول إلى القطاع على رأس قافلة إغاثية تضم وفدًا من كبار العلماء، على حد تعبير المصدرين.
ومن الجدير بالذكر أن مؤسسة الأزهر الشريف، لم تُعلن أو تشير من قريب أو بعيد إلى طلب شيخ الأزهر قيادة قافلة إغاثية وتسليمها إلى أهالي غزة على الجانب الآخر من معبر رفح، بيد أن شيخ الأزهر، دعا في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلى العمل على توفير المساعدات الإنسانية للفلسطينيين عن طريق بيت الزكاة والصدقات المصري الخاضع لإشراف الإمام الأكبر.