تركيا تتبنّى نهج “الباب الدوار” في التعامل مع المشتبه بانتمائهم إلى تنظيم داعش
لا يزال نهج تركيا في التعامل مع المشتبه بهم من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يثير المخاوف، حيث تشير الأرقام الأخيرة التي قدمها وزير الداخلية “علي يرلي كايا” إلى نمط من التساهل في التعامل مع أعضاء الجماعة الجهادية.
خلال إحاطة برلمانية في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني، شارك “يرلي كايا” إحصائيات محدثة حول عمليات مكافحة الإرهاب التي تستهدف داعش. ما بين 1 يناير/ كانون الثاني و1 نوفمبر/ تشرين الثاني، أجرت أجهزة إنفاذ القانون التركية 1205 عملية، مما أسفر عن اعتقال 2897 فرداً. من بين هؤلاء تم سجن 655 فقط رسميًّا، بينما تم فرض تدابير الرقابة القضائية على 566 مشتبهاً به، وإطلاق سراح المعتقلين المتبقين دون أي قيود كبيرة.
وهذا يعني أن ما يقرب من ثلاثة أرباع المشتبه بهم المعتقلين أفلتوا من الحبس الاحتياطي، وهو رقم يتسق مع سجل تركيا السابق في إطلاق سراح معظم الموقوفين المرتبطين بتنظيم الدولة الإسلامية بعد معالجة بسيطة. وقد دفعت البيانات المنتقدين إلى اتهام الحكومة باتباع سياسة “الباب الدوار”، حيث يتم إطلاق سراح المشتبه بهم بسرعة بعد احتجازهم لفترة وجيزة.
وتعكس الأرقام الأخيرة استمرار إحجام تركيا منذ فترة طويلة عن اتخاذ إجراءات حاسمة ضد الشبكات الجهادية. ومن الجدير بالذكر أن إحاطة وزير الداخلية “يرلي كايا” خلت من أيّ ذكر لمعدلات الإدانة أو عدد أعضاء داعش الذين يقضون عقوباتهم حالياً في السجون التركية. وقد أصبح هذا الافتقار إلى الشفافية سمة مميزة لسياسة مكافحة الإرهاب في تركيا، حيث تحجب الحكومة البيانات المتعلقة بالإدانات وعدد السجناء تحت ذريعة المخاوف المتعلقة بالأمن القومي.
وكان آخر بيان رسمي عن أرقام الموقوفين المرتبطين بتنظيم داعش في عام 2020، عندما صرح وزير العدل آنذاك عبد الحميد جول بأنه حتى 16 ديسمبر / كانون الأول 2019، تم اعتقال 1195 مشتبهاً في انتمائهم للتنظيم أو إدانتهم أو محاكمتهم كمشتبه بهم، بما في ذلك 791 مواطناً أجنبياً. ومع ذلك، لم يتم تقديم تفاصيل أولئك الذين يقضون عقوبات وأولئك الذين ينتظرون المحاكمة أو الاستئناف. ولطالما شكك المحللون في أن العديد من المشتبه في انتمائهم إلى داعش تمت تبرئتهم أو تم إلغاء أحكام إدانتهم، مل يعني وجود عدد ضئيل من حالات السجن النشطة.
وفي غياب بيانات واضحة، تساءل نواب المعارضة مراراً وتكراراً عن وضع الإدانات والاعتقالات المرتبطة بتنظيم داعش. وعلى الرغم من الالتزامات القانونية بالرد على هذه الاستفسارات في غضون أسبوعين، استمرت حكومة الرئيس “رجب طيب أردوغان” في المراوغة، الأمر الذي أدى إلى تعميق الشكوك حول مدى جدية التزامها بمكافحة الشبكات الجهادية.
ومن الجدير بالذكر أن وزارة الداخلية، التي اعتادت نشر إحصاءات شهرية عن المعتقلين في قضايا مكافحة الإرهاب، توقفت عن مشاركة هذه المعلومات اعتباراً من الأول من يناير/ كانون الثاني 2019 دون تفسير. وعلى نحو مماثل، لم يكن هناك أي تحديث بشأن عدد المعتقلين الأجانب أو المعتقلين في السجون التركية منذ ذلك الوقت، مما يزيد من غموض السياسات الحكومية المتبعة في التعامل مع القضايا المتعلقة بالإرهاب.
وأثار تساهل تركيا مع مسلحي داعش قلقاً دولياً؛ فقد كشف وزير الداخلية السابق “سليمان صويلو” في فبراير / شباط 2023 أن تركيا أعادت 1126 عضواً أوروبّياً من داعش إلى بلدانهم الأصلية على مدى السنوات الخمس السابقة. وقد تبين أن العديد من عملاء داعش المتورطين في الهجمات الإرهابية في أوروبا إما عاشوا في تركيا أو عبروا عبر أراضيها، مما يسلط الضوء على دور تركيا كممر أساسي في حركة المقاتلين الجهاديين.
وقد كشفت مقالة نشرتها صحيفة “نورديك مونيتور” أن تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية خراسان استخدم تركيا كمركز عبور للمقاتلين واللوجستيات والاستطلاع قبل محاولة الهجوم على كنيسة سانتا ماريا في منطقة ساريير بإسطنبول في 28 يناير / كانون الثاني 2024، وتؤكد هذه الرواية تقارير من الأمم المتحدة ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي والوثائق القضائية التركية. ووفقاً لمعلومات سرية، نبّهت المخابرات الفرنسية السلطات التركية قبل شهرين من هجوم داعش؛ ومع ذلك، رفض المسؤولون الأتراك التحذير بوصفه تضليلاً، زاعمين أنه جزء من حملة لتقويض جهودهم. وتم نقل المعلومات الاستخباراتية إلى المديرية العامة للأمن التركي (أمنيت) من خلال ضابط اتصال فرنسي مقيم في سفارة بلاده في أنقرة، في وقت أغلقت العديد من السفارات والقنصليات الغربية في إسطنبول وأنقرة مؤقتاً بسبب التهديدات الأمنية.
لقد سمحت تركيا بشكل منهجي للمقاتلين الإرهابيين الأجانب بالسفر بحرية إلى البلدان التي يحملون جنسيتها أو يقيمون فيها بدلاً من محاكمتهم على جرائمهم. وقد نصت سياسة بدأت في عام 2018، في عهد الرئيس “أردوغان”، على أن تقوم هيئة إدارة الهجرة، وهي جزء من وزارة الداخلية، بإبعاد المقاتلين الإرهابيين الأجانب من تركيا إما قسراً أو طواعية.
وقد سهلت هذه السياسة، التي لا تزال سارية المفعول، عبور آلاف المقاتلين الإرهابيين الأجانب، وخاصة إلى سوريا والعراق، حيث انضم العديد منهم إلى جماعات جهادية، مثل القاعدة وداعش والمجموعات التابعة لهما. وفي حين لم تكشف الحكومة التركية رسميًّا عن تفاصيل هذه السياسة، فإن الأدلة القوية تشير إلى تطبيقها النشط في ظل حكومة أردوغان.
وتبدأ العملية عندما تصنف السلطات التركية فرداً ما بصفته مقاتلاً إرهابيّاً أجنبيّاً بناءً على تقارير استخباراتية. إذا لم يرتكب الشخص جرائم في تركيا ولا يواجه عقوبات قانونية أو مالية معلقة، يتم نقله إلى مراكز الإعادة أو الترحيل التي يديرها موظفو وكالة الهجرة. ومن هناك، يتم إرسال هؤلاء الأفراد إلى خارج تركيا، مما يتيح لهم الاستمرار في المشاركة في الأنشطة الجهادية في الخارج.
المصدر: موقع نورديك مونيتور