السنة ضد الشيعة: لماذا الصراع سياسي أكثر منه ديني؟
إيان بلاك*
في جميع أنحاء العالم العربي، كان من الوقاحة ببساطة أن نسأل الناس عن دينهم أو طائفتهم، حتى لو كان واضحاً من أسمائهم، أو لهجتهم، أو مكان عيشهم أو عبادتهم، أو الصور الموجودة على جدرانهم، أنهم مسلمون سنة، أو شيعة، أو مسيحيون.
وفي أيام مجد حقبة ما بعد الاستعمار، كان التركيز على خلق هوية عربية ووطنية شاملة. وتفاخرت سوريا، بفسيفسائها من السنة والعلويين والدروز والعديد من الطوائف المسيحية، بأنها “قلب العروبة النابض”. وحتى في لبنان، مع ترتيباته المعقدة لتقاسم السلطة، ظلت الهوية الطائفية مسألة خاصة. كان الزواج المختلط شائعاً.
وكان حزب البعث، الذي حكم في كل من بغداد ودمشق، من صنع المنظّر المسيحي ميشيل عفلق. وكان اثنان من القادة الفلسطينيين المتطرفين، جورج حبش ونايف حواتمة، مسيحيين. وكذلك كان جورج أنطونيوس، مؤرخ القومية العربية الكبير.
وفي العراق، الذي قسمه البريطانيون إلى ثلاث محافظات عثمانية، كانت الأغلبية الشيعية الفقيرة والريفية إلى حد كبير، والأقلية السنية، والأكراد، هي الجماعات السائدة. وقد حاول صدام حسين، وهو سني، استمالة الجميع. كلهم كانوا مضطهدين.
وكان التغيير مدفوعاً بالثورة الإسلامية في إيران عام 1979، والتي كانت لحظة كارثية في تاريخ الشرق الأوسط وملهمة للشيعة المضطهدين في كل مكان. ووُصف غزو صدام لإيران في عام 1980 بأنه حرب عربية ضد الفرس، وتم تمويله من قبل دول الخليج العربية والسنية. في عام 2003، عندما تمت الإطاحة بصدام، احتفل الشيعة العراقيون باستشهاد إمامهم المبجل الحسين على أيدي الأمويين السنة في معركة كربلاء عام 680.
تعكس الطائفية اختلافات دينية حقيقية، لكنها كانت دائماً مرتبطة بالسلطة والموارد والأرض. في البحرين، تحكم أسرة آل خليفة السنية أغلبية شيعية محرومة، لكن المنامة تلوم طهران على إثارة الاضطرابات. وبالمثل، تتهم المملكة العربية السعودية إيران بالتسبب في الاضطرابات في الشرق الذي يهيمن عليه الشيعة. وفي كلتا الحالتين، يخفي الاتهام مشاكل محلية حقيقية.
على مدى السنوات الماضية، أدت الحرب الشرسة في سوريا إلى تضخيم المشاعر الطائفية، حيث أصبح العلويون الآن بشكل جماعي مع بشار الأسد والسنة مع المعارضة. ويعمل حزب الله في لبنان، وهو جماعة شيعية مسلحة تدعمها إيران وتدعم الأسد، على تعزيز هذه الرواية الثنائية، لكن الخلافات موجودة بطبيعة الحال داخل الطوائف، بينما تتجاوز الروابط الأخرى الهوية الدينية.
فالدعاة السُنّة المتطرفون يسيئون إلى الشيعة ويصفونهم بـ “عبدة الأوثان”. ويُنظر إلى الإيرانيين على أنهم “صفويون”، في إشارة تحقيرية إلى السلالة الصفوية في القرن السادس عشر. ويبرر الجهاديون المتعصبون، مثل تنظيم الدولة الإسلامية، قتل “المرتدين” بموجب عقيدة “التكفير”.
وفي أوج قوته، استهدف تنظيم القاعدة “العدو البعيد” ـ أمريكا بشكل خاص ـ لكن تنظيم الدولة الإسلامية وضع المشاعر المعادية للشيعة في قلب أيديولوجيته السامة. وقد تجاهل أبو بكر البغدادي، “خليفة التنظيم”، مناشدات أيمن الظواهري، خليفة أسامة بن لادن، بالامتناع عن القتل العشوائي للشيعة، وبدلاً من ذلك، التركيز على مهاجمة الأنظمة التي يهيمن عليها الشيعة والعلويون في العراق وسوريا.
وقد أدان يوسف القرضاوي، رجل الدين السني ذو النفوذ، في برنامج بثته قناة الجزيرة حسن نصر الله، زعيم حزب الله، ووصفه بأنه زعيم “حزب الشيطان”.
ومن المؤكد أن الطائفية قد أطلت برأسها القبيح في السنوات الأخيرة، ولكن الكثير من الناس عملوا بجد لتحقيق ذلك. وقد سهلت وسائل التواصل الاجتماعي نشر الرسائل السامة وغير المتسامحة أكثر من أي وقت مضى.
ومع ذلك، فإن الطائفية ليست السبب الرئيس للانقسامات في الشرق الأوسط. على سبيل المثال، تشمل الأزمة المتفاقمة في اليمن المتمردين الحوثيين من الطائفة الزيدية، المرتبطة بالإسلام الشيعي ولكنها قريبة من المذهب السني الذي يشكل الأغلبية في البلاد. إن الدعم الذي يحصل عليه الحوثيون من إيران يدور في المقام الأول حول كسب الحلفاء وإظهار القوة، وهو السبب الرئيس الذي جعلهم يواجهون تدخلاً مسلّحاً من المملكة العربية السعودية.
يقول خوان كول، الأكاديمي الأمريكي والمعلق على شؤون الشرق الأوسط، إن الادعاء بأن إيران تدعم الحوثيين لأسباب دينية “يشبه افتراض أن المشيخيين الأسكتلنديين سيدعمون دائماً المعمدانيين الجنوبيين؛ لأن كليهما ينتمي إلى البروتستانتية”. إن السياق الجيوسياسي هو الذي يضفي على هذا الصراع صبغة طائفية، وليس العكس.
المسلمون في مصر هم من السنة، لكن ثورة 2011 وما أعقبها من خلافات وقمع أدت إلى تحديد الأقلية القبطية المسيحية على أنها مؤيدة للنظام القديم واستهدافها من قبل المتطرفين الإسلاميين.
وفي المغرب العربي، حيث بدأ الربيع العربي مع الانتفاضة التونسية، لم تعد الطائفية مشكلة، على الرغم من أن التطرف قد انتشر بشكل سام من جديد بسبب الحرب في سوريا ونمو داعش. وفي ليبيا والمغرب والجزائر، تعد حقوق البربر وهويتهم مهمة، ولكنها ليست محور الأزمة.
والجدير بالذكر أن الصحوة العربية بدأت في كل مكان بدعوات للإصلاح العلماني. كتب طلال سلمان في صحيفة السفير اللبنانية: “مهما كانت القبيلة أو العشيرة أو الدين أو الطائفة أو المجموعة العرقية التي ينتمون إليها، فإن المواطنين يطلبون “الكرامة” قبل أي شيء آخر”. ومع مرور الوقت، عادت النزعات الطائفية إلى الواجهة. وبينما بدا أن أحلام التغيير تتراجع، اختار الناس بشكل متزايد تعريف أنفسهم على أسس قبلية أو طائفية بدلاً من الانتماءات السياسية.
“العرب اليوم هم مثل الإخوة والأعداء في نفس الوقت. وتلوّح كل مجموعة فرعية بهويتها الدينية أو العرقية لمواجهة المجموعة الفرعية الأخرى في حرب عقيمة سيخسر فيها الجميع… باختصار، سقوط العروبة كهوية موحدة سيشكل بداية سلسلة من الحروب الأهلية بين الإخوة. وبمجرد أن تبدأ تلك الحروب، لا أحد يعرف متى أو كيف ستنتهي”.
* صحفي ومؤلف بريطاني يركز على القضايا السياسية الدولية. وهو زميل زائر في مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.
الرابط: