تقارير ودراسات

التهديد الجهادي في عام 2025

كشف عام 2024 أنه إلى جانب تطور مشهد الإرهاب العالمي منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر / أيلول، فإن الجذور الدينية والدوافع العميقة والأيديولوجية المتطرفة للسلفية الجهادية قد تكيفت بشكل خطير مع المنصات الإلكترونية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، مما حرض أتباعها في الغرب على تنفيذ هجمات منفردة على البنى التحتية الحيوية وحشود المدنيين. إن الهجوم المميت بمركبة الذي نفذه شمس الدين جبار خلال احتفالات رأس السنة الجديدة في نيو أورليانز لا يمثل علامة فارقة في عودة أيديولوجية داعش فحسب، بل يؤكد أيضاً على الحاجة الملحة إلى وضع استراتيجيات مبتكرة للكشف المبكر عن مثل هذه المجازر المستوحاة من داعش ومنعها.

من المحتمل جدّاً في عام 2025 أن يظل التهديد الذي يشكله المتطرفون العنيفون المحليون، الذين تطرفوا داخل الولايات المتحدة والدول الغربية، واستلهموا أفكارهم من المنظمات الإرهابية الأجنبية، كبيراً. وبالتالي، فإن القتال ضد الجماعات الجهادية العالمية، مثل داعش وفرعها خراسان (داعش-خراسان) وتنظيم القاعدة، سيظل بلا شك أولوية قصوى على أجندة الأمن الدولي؛ لأنه يمثل صراعاً مستمراً ضد المتطرفين الدينيين الذين يشوهون سور وآيات القرآن الكريم لتعزيز هدفهم المتمثل في إقامة خلافة إسلامية موحدة يحكمها تفسير متشدد (سلفي) للشريعة الإسلامية.

إن خلفية شمس الدين جبار ومساره التطرفي وطرائق تنفيذ هجومه الإرهابي المميت تعكس عن كثب خلفية عمر متين، مطلق النار على مرتادي ملهى بولس الليلي في أورلاندو بولاية فلوريدا في عام 2016، مما أسفر عن مقتل 50 شخصاً وإصابة 53 آخرين. يُظهِر كل من جبار ومتين، وهما من أصول مسلمة ولدا ونشآ وتلقيا تعليمهما في الولايات المتحدة، أوجه تشابه مذهلة في مساراتهما الشخصية. واجه كلاهما علاقات مضطربة ومظالم شخصية عميقة الجذور، بما في ذلك الطلاق، وخلال لحظات حرجة من الضعف، لجآ إلى الدين عبر الإنترنت بحثاً عن العزاء والسلام النفسي. جعلهما هذا الانخراط الرقمي عرضة لتأثير تنظيم الدولة الإسلامية، مما حولهما في نهاية المطاف إلى ذئاب منفردة عنيفة مسؤولة عن أعمال إرهابية شنيعة.

يكشف تحليل الإرهاب بدوافع دينية في الولايات المتحدة أن الهجمات التي ينفذها مواطنون أمريكيون منفردون تحدث بمعدل أعلى بشكل ملحوظ من تلك التي يرتكبها المهاجرون المسلمون من وسط وجنوب شرق آسيا أو الدول العربية في الشرق الأوسط. ومن المرجح أن يُعزى هذا التفاوت إلى سهولة وصول المواطنين الأمريكيين إلى الأسلحة النارية والمتفجرات، على النقيض من المهاجرين الأجانب الذين يخضعون لمراقبة مستمرة ودقيقة من جانب قوات مكافحة الإرهاب الأمريكية.

إن التوقعات لعام 2025 هي أن الولايات المتحدة، بوصفها رائدة عالمية في ابتكار الذكاء الاصطناعي الرقمي والتطور التكنولوجي المتقدم، لابد وأن تقود الجهود لإنشاء آليات متطورة على الإنترنت لتعطيل استراتيجيات داعش شديدة التكيف في التطرف والتجنيد، وبالتالي، منع ظهور جيل جديد من الذئاب المنفردة الذين يعتزمون تنفيذ هجمات مميتة في الغرب وأماكن أخرى في عام 2025 وما بعده.

إن الفعل الجماعي الذي ارتكبه جبار مؤخراً يؤكد أن تنظيم الدولة الإسلامية، على الرغم من انهيار “خلافته” الإقليمية وخسارة أربعة خلفاء متعاقبين، يخضع لتحول استراتيجي، حيث يتكيف ببراعة مع الحقائق العالمية بينما ينشر أيديولوجيته السلفية المتشددة في جميع أنحاء الغرب. والآن يعمل الإنترنت كمعسكر افتراضي لداعش، ومركز تجنيد، ومركز قيادة عملياتي لتنظيم الهجمات.

وما دام تنظيما داعش والقاعدة يواصلان العمل على شبكة الإنترنت، فمن المتوقع أن نشهد المزيد من الهجمات المدمرة التي ينفذها ذئاب منفردة في المستقبل القريب والبعيد. وعلى الرغم من ادعاء الرئيس ترمب بأن تنظيم داعش قد دُمر بالكامل، فإن أيديولوجية التنظيم السلفية الجهادية والدعاية التي يتبناها ما تزال راسخة في عالم الإنترنت، وهو ما يغذي موجات جديدة من الإرهاب المنفرد. إن محاربة أيديولوجية متجذرة في الدين والإيمان أكثر تعقيداً وصعوبة من القضاء الفعلي على منظمة إرهابية. وفي عام 2025، من المرجح أن يتصاعد الصراع على قلوب وعقول الأفراد المعرضين لخطر التطرف، الأمر الذي يتطلب جهوداً مبتكرة لا هوادة فيها لمواجهة السرديات المتطرفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى